مجلة البعث الأسبوعية

في حلب حكايا تدمي القلوب وصور مشرقة لـ “الفزعة العربية”.. وقواعد الحزب والمنظمات والنقابات تشارك بحملات التبرع بالدم

“البعث الأسبوعية” – معن الغادري

منذ أن خرج من منزله في حي الصالحين الآيل للسقوط عقب الزلزال المدمر الذي ضرب حلب والمنطقة، يعاود أبو محمد مع جاره أبو عدنان زيارة حيه صباح كل يوم جديد، وعلى بعد أمتار من منزله يقف ويرقب بحسرة وحرقة ما آل إليه الحال وينتظر ما ستقوم به الجهات المعنية من إجراءات وأعمال ترميم وتدعيم، على أمل  أن يعود إليه في أقرب وقت، ومع أنه فقد الأمل كما يقول أبو محمد بالعودة القريبة إلى منزله، يشاطره الرأي جاره وشريكه في البناء أبو عدنان، مضيفاً بأنه خسر حصاد عمره ومنزله الذي لا يملك غيره، بعد أن علم بأن لجنة السلامة العامة قررت إخلاء الأهالي من المنطقة لتضررها بشكل كبير جراء ما أحدثه الزلزال من دمار كبير.

الحال واحد

حال الجاران المنكوبان يشبه تماماً حال المئات بل الآلاف ممن تركوا منازلهم قسراً، والتحقوا بمراكز الإيواء، إذ يقول أبو سعيد: أنا لست سعيداً فقد خسرت منزلي، وبقيت وأسرتي بلا مأوى.

أما أبو وحيد وهو أب لأربعة أولاد من حي المشارقة فقال: الحمد الله، الله سبحانه وتعالى نجانا من موت محقق، مشيراً إلى خسارة كل ما جناه وأنه حالياً في العراء، ويطلب المساعدة والعون، وعلى الرغم من أن الجهات المعنية لم تقصر في مجال المساعدة، إلا أن الظروف التي نمر بها صعبة جداً، وهو حال كل من هجر من منزله.

أكثر قسوة

في أحد مراكز الإيواء في حي المهندسين بحلب، كان المشهد أكثر قسوة، إذ تحدثت الحاجة أم علي وهي تحتضن حفيدها لتقيها من البرد، بأنها من أسرة فقيرة وبالكاد زوجها قادر على تأمين قوت يومها مع ولديهما، وجاء هذا الزلزال ليقضي على كل شيء، فلم نعد نملك إلا الدعاء إلى الله بأن نعود إلى بيوتنا مجدداً، لنبدأ رحلة حياتنا من جديد.

أبو رائد لم تسعفه الكلمات وبدا أكثر حزناً وألماً واكتفى بالإشارة بيديه، في دلالة على أنه خسر كل شيء، وبات الآن في العراء مع أسرته، أما الشاب وليد وهو متزوج من حوالي عام فقط ولديه طفل رضيع، فأوضح أنه في الأصل يسكن مع أهله، أما الآن فلم يعد يملك أي مأوى، وهو وأهله وزوجته وطفله بحاجة إلى المساعدة، وإلى حليب وغذاء لإطعام طفله.

ويروي الرجل الستيني أبو عمر، والذي نجا مع عائلته المكونة من ستة أشخاص من موت محقق جراء الزلزال، أنه بالإضافة إلى عائلته يرعى شقيقته وأولادها الثلاثة اليتامى، وهو بحاجة ماسة إلى المساعدة ليقوى على تأمين احتياجات أسرته، داعياً الجهات المعنية إلى الإسراع بتأمين بدائل سكن للمتضررين، لأن الواقع صعب جداً على كل المتضررين. وهو ما ينسحب على الشاب جورج من حي السليمانية الذي لجأ إلى الكنيسة بعد أن أخلي من منزله لتعرضه إلى أضرار كبير في أساساته وجدرانه.

هذا المشهد المؤلم لا يبعد كثيراً عن المشهد الآخر للأسر التي فقدت أبنائها وأمهاتها وأحبائها، خاصة بعد مضي ثمانية أيام على الفاجعة وتوقف أعمال الإنقاذ وانتشال الضحايا. إذ تقول سيدة مفجوعة بفقدان أهلها: إن المصاب كبير وجلل، ولا نملك إلا نقول الحمد الله على كل حال وعلى ما أصابنا، واختتمت بالقول، نأمل من الله تعالى أن يتقبل كل من قضى في هذا الزلزال شهداء.

قلوب متصدعة

شريط الحزن الذي يلف المدينة بأكملها يبدو أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالحديث المتواتر واللحظي عن الذين قضوا وتبعات هذا الزلزال المدمر، يضاف إلى ذلك لجوء الآلاف من العائلات إلى مراكز الإيواء، والمساجد والكنائس والمدارس، يدمي القلوب، ويترك غصة كبيرة في نفوس كل أبناء سورية من شرقها إلى غربها، والذين هبوا في وقفة رجل واحد لنجدة أهلهم في حلب وباقي المحافظات المنكوبة.

والحديث عن أعمال الإغاثة في حلب يطول ولا ينتهي عند تقديم وجبة غذاء أو قطعة لباس أو دواء، بل تعدى ذلك بكثير، ليتحول المشهد إلى صورة هي الأجمل من التضامن والتكافل.

وحلب منذ اللحظات الأولى للزلزال، بدأت تشهد حراكاً على كافة المستويات الرسمية والحزبية والشعبية، وحشدت كافة المؤسسات وقيادة الحزب والجمعيات الأهلية والهيئات والمؤسسات التجارية والصناعية كل إمكاناتها من أجل نجدة الأهالي المنكوبين، فتدفقت المساعدات من كل مكان من حلب ومن المحافظات السورية لتغطي حاجة المتضررين.

الحزب حاضر

كوادر الحزب كانت حاضرة بقوة خلال أيام الأزمة، عبر عملها الإنساني والإغاثي، إذ استنفرت كافة مفاصل الحزب، وفتحت مقارها لاستقبال الأهالي المتضررين، كما شكلت قيادة الحزب فرقاً من مختلف قياداتها وقواعدها لمساعدة الأهالي وحشد الدعم لهم، بكل ما يتعلق بالعمل الإغاثي.

وفي هذا السياق يقول الرفيق أحمد منصور أمين فرع حلب للحزب أن الجهاز الحزبي في حلب ومنذ اللحظة الأولى للزلزال وضع كل إمكاناته من أجل المساعدة في أعمال الإنقاذ والإغاثة، مشيراً إلى أن العمل يتم بالتنسيق والتشاركية مع كافة الجهات المعنية لتوحيد العمل والخروج بأفضل النتائج، مضيفاً إلى أن العمل مستمر وبوتيرة عالية وبروح عالية من المسؤولية لتأميم كل احتياجات المتضررين من الزلزال، ونوه الرفيق منصور بالدعم الشعبي والأهلي للمنكوبين من كل المحافظات السورية، وهو يدلل على المعدن الأصيل للسوريين ويجسد الصورة الأجمل لوحدة الشعب السوري.

جهود متكاملة

في السياق يؤكد رئيس مجلس المحافظة محمد حجازي أن كافة الجهود تتكامل وتصب في مسار واحد وهو توحيد العمل وتقديم الدعم المطلوب للمتضررين، موضحاً بأن حجم الضرر كبير، ويحتاج إلى مستويات أعلى من الدعم والإغاثة على المستويين العربي والدولي، لافتاً إلى أن كافة المؤسسات تعمل بطاقتها القصوى، ولا تدخر أي جهد في سبيل رفع مستوى العمل الإغاثي.

وأشار حجازي إلى أنه وبالتوازي مع العمل الإغاثي تقوم اللجان الهندسية والفنية بالكشف على الأبنية في كافة أحياء حلب للتأكد من سلامتها وإخلاء الأبنية المهددة والآيلة للسقوط، وحتى الآن تم جرد مساحة واسعة من المدينة. وتقرر إخلاء عدد من الأبنية في عدد من الأحياء وإزالتها، ومقابل ذلك تم التأكد من سلامة باقي الأبنية والمؤسسات الحكومية والتعليمية على وجه التحديد.

ويرى حجازي أن نسبة الأضرار الناجمة عن الزلزال كبيرة جداً، والحاجة أكثر من ماسة لدعم إضافي، خاصة ما يتعلق بتأمين الأغطية والفرش والدواء والآليات والتقنيات للمؤسسات لتقوم بمهامها على أكمل وجه ولإزالة آثار الزلزال.

أمانة متجذرة

لعل أجمل الصور المستوحاة من هذا الحدث الأليم، تلك التي جسدها كل من رجل الإطفاء وليد حوري، والشرطي أسامة الدالي من مرتبات قسم الشعار، لتفانيهما بالعمل وأمانتهما، وإعادة مبلغ مالي كبير ومصاغ ذهبي خلال عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض في حي الشعار.

ولاقى هذا العمل النبيل تكريماً من السيد الرئيس بشار الأسد والذي وجه سيادته محافظ حلب لتكريمهما لأمانتهما، وأثنى المحافظ على الجهود التي يبذلها العاملون في مجال الإنقاذ، وما يتحلون به من شجاعة وأمانة، مبيناً حرص السيد الرئيس على متابعة التفاصيل، وتقديره للجهود المميزة التي تعكس القيم النبيلة للشعب السوري.

وأعرب الإطفائي حوري والشرطي الدالي عن شكرهما وتقديرهما لهذه اللفتة الكريمة من السيد الرئيس والتي تشكل لهما دافعاً إلى المزيد من الجهد، وأكدا أن عملهما يأتي في سياق واجبهم تجاه أهلهم، وبيّنا أنه ومنذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال، سارعنا لأداء واجبنا في الحي الأقرب وهو حي الشعار، وتم إنقاذ 4 أشخاص أحياء وانتشال 35 جثة من تحت الأنقاض، وخلال عمليات الإنقاذ تم العثور على مبلغ مالي حوالي 70 مليون ليرة سوريه و34 غرام من المصاغ الذهبي، وتم تسليمها إلى قسم شرطة الشعار أصولاً.

حملات تبرع بالدم

لم يتأخر الأهالي بحلب جماعة وأفراداً بالتوافد إلى بنك للتبرع بدمهم من أجل إسعاف أخوتهم المتضررين، إذ شهدت الساعات الأولى للزلزال توافد المئات إلى بنك الدم، كما شاركت قواعد الحزب والمنظمات والنقابات في حملات تبرع الدم، ما ساعد على تسريع تقديم الدعم الطبي للمصابين جراء الزلزال.

فزعة عربية

التضامن مع الأهالي المنكوبين تعدى حدود حلب والمحافظات السورية، فكانت الفزعة من الأشقاء العرب والأصدقاء، والذين قدموا كل أشكال الدعم من خلال مشاركتهم في أعمال الإنقاذ وتقديم الدعم الإغاثي والإنساني.

وما خفف من آثار الأزمة المشاركة الفاعلة والناجزة لفرق الإنقاذ من الجزائر وتونس والعراق وإيران وروسيا والصين وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، ما ساعد بإنجاز أعمال الإنقاذ وانتشال الضحايا والناجين من تحت الأنقاض.

الدكتور أسامة مهدي غانم رئيس فريق الإغاثة بمكتب رئيس الوزراء العراقي أكد أن هذه الفزعة والإعانات التي يتم تقديمها للأشقاء السوريين، مستمرة جواً وبراً وهي مجرد واجب من الأهل للأهل لافتاً إلى العلاقات التاريخية الحضارية والمصير المشترك بين البلدين والشعبين الصديقين.

فريق الحماية المدنية الجزائري المقدم ناصر بوشريفي رئيس فريق الحماية المدنية الجزائري والنقيب تيغرين هشام قائد فرقة البحث والإنقاذ قالا: ما قمنا به هو واجب أخلاقي وإنساني تجاه أهلنا وأخوتنا في سورية، والشعبين السوري والجزائري تربطهما أواصر الأخوة والدم والمصير، وما قمنا به من مساعدة هو أقل ما يمكن أن نقدمه لهذا الشعب الذي عانى الكثير من الإرهاب والحصار.

بعثة الإنقاذ العربية التونسية كانت متواجدة في حي المشارقة، ونجحت كما فعلت فرق الأخرى بانتشال عالقين من تحت الأنقاض جراء انهيار مبنيين مؤلفين من 5 طوابق بالإضافة إلى انتشال ضحايا متوفيين.

العقيد بلال الوصيفي مساعد رئيس البعثة التونسية للبحث والإنقاذ في مدينة حلب أشار إلى أن الفريق مكون أساساً من فريق البحث والإنقاذ مصنف ضمن منظومة انذارات “غلونو” ويتواجد عشرة أطباء اختصاص وثمانية أطباء تابعين للهلال الأحمر التونسي، ويشارك الفريق بمساعدة عمل المشافي بإجراء عمليات الإنعاش وتقديم الخدمات الطبية المطلوبة.

ووجودنا الآن في سورية وحلب تحديداً من منطلق واجب الإنساني للوقوف إلى جانب إخوتنا في الدم والمصير وتقديم المساعدة والعون المطلوبين لأشقائنا السوريين في أي مكان وبقعة.

ما بعد الزلزال

لا شك أن الجهود الحالية تتركز على العمل الإغاثي والإنساني للمتضررين، وهو أمر طبيعي، ولا ننكر الجهود الكبيرة والجبارة والمخلصة التي يقوم بها الشركاء في العمل الإغاثي، ولكن من المفيد في مثل هذه الظروف الصعبة والقاسية أن تتوحد الجهود، وأن تكون هناك غرفة عمليات واحدة لإدارة العمل وفق خطط واضحة وشفافة، وبروح عالية من المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والوطنية، وبخطط واضحة وشفافة تستهدف المنكوبين والمتضررين، وبالتالي إيصال المساعدات إلى مستحقيها وبصورة عادلة، وذلك تفادياً لأي لغط أو خطأ ناتج عن تصرف فردي من قبل ضعاف النفوس.