الزلزال فضح ما خبّأته واشنطن
طلال ياسر الزعبي
لم تكن الإدارة الأمريكية تتوقّع أن تنتهي سياساتها العدوانية التي طوّرتها، منذ عام 2011، تجاه سورية، بفضيحة كبرى ظهرت بشكل جليّ في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا معاً.
هذا الزلزال كان يمكن للإدارة الأمريكية أن تحجب الرؤية عنه لو أنه وقع في سورية فقط، ولكن تقاسم البلدين مأساة واحدة جعل من الصعب على الإدارة الأمريكية تغطية حجم الكارثة التي أصابت سورية، والتي كان يمكن تدارك الكثير من تداعياتها لولا الحصار الأمريكي الظالم المفروض على سورية منذ أكثر من عشر سنوات تحت عناوين وشعارات كاذبة، حيث عمدت واشنطن طوال هذه الفترة إلى تصوير الدولة السورية على أنها دولة مارقة، وبالتالي ينبغي على الجميع السير في ركب تشديد العقوبات المفروضة على الشعب السوري دون التأكد من ماهية هذه العقوبات وحقيقتها، ظنّاً منهم أن الإدارة الأمريكية بالفعل “لا تريهم إلا ما ترى ولا تهديهم إلا سبيل الرشاد”.
غير أن الزلزال فضح جميع ما خبّأته واشنطن للشعب السوري من عذابات، وفتح عيون العالم على واقع كارثي يعيشه الشعب السوري في ظلّها، حيث بدا واضحاً أن العقوبات أتت على أبسط مقوّمات عيش الإنسان السوري، من ماء وكهرباء ووقود وغذاء ودواء، وهذا ما لمسته وفود الإغاثة التي قدمت من عدد من دول العالم، والتي كانت مغيّبة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه الشعب السوري بفعل البروباغندا الأمريكية التي سوّقت طوال الفترة الماضية العقوبات المدمّرة وزيّنتها في عين أغلب حكومات العالم.
والآن، وبعد أن بلغ الوضع الكارثي ذروته، ولم يعُد ممكناً للإدارة الأمريكية التغطية على جرائمها بحق الشعب السوري، وخاصة الاعتداء على حقّه في الحياة، ولاسيّما أن الزلزال كشف أن العقوبات كان الغرض الرئيس منها تدمير هذا الشعب وتحويل بلده إلى دولة فاشلة لا تملك أبسط مقوّمات الاستمرار، بعد أن عمدت الإدارة الأمريكية إلى سرقة مواردها النفطية وثرواتها الزراعية وعلى رأسها القمح، فضلاً عن فرضها عقوباتٍ قاتلة على جميع مقوّمات الإنتاج ابتداء من السماد وليس انتهاء بالطاقة، تحاول الإدارة الأمريكية التغطية على جرائمها من خلال ما سمّته رفعاً جزئياً للعقوبات، هو بحدّ ذاته فضح مساعيها طوال السنوات الماضية حيث شمل هذا الرفع الجزئي المواد الأساسية التي كانت تمنعها عن الشعب السوري، والتي كانت سبباً رئيساً في معاناته، الأمر الذي أكّد أنها كانت تحارب هذا الشعب على لقمة عيشه، بل على حقه في الوجود كمجموعة بشرية.
ومن هنا نلاحظ أن هناك دولاً فوجئت بحجم النقص الهائل في موارد العيش الرئيسة للشعب السوري، حيث عمدت إلى إرسال جميع المواد الأساسية التي كانت محظورة، وتعدّ من أبسط مقوّمات الحياة، بينما تكفّلت بيانات الأمم المتحدة الصادرة بهذا الشأن بفضح وتعرية الموقف الأمريكي من مسألة العقوبات، حيث تبيّن للبعيد قبل القريب أن الأمر لم يكن كما سوّقته واشنطن، وإنما كان حرب إبادة منظّمة شنّتها الإدارة الأمريكية على الشعب السوري لتدميره بالدرجة الأولى، فهل تستطيع الاستمرار بالتضليل إلى ما لا نهاية؟.
لقد كانت المواقف العربية والدولية من الكارثة التي وقعت في سورية خلال الأيام الماضية، رسالة واضحة إلى واشنطن، مضمونها أن اللعبة قد انتهت ولم يعُد ممكناً الاستمرار بها.