إعفاءات بدوافع سياسية وليس إنسانية
عناية ناصر
عانى آلاف السوريين من الزلزال المدمر، حيث تمّ تأكيد وفاة الآلاف وإصابة عشرات الآلاف. لقد صدمت هذه الكارثة الطبيعية العالم بسبب حجم ونطاق الدمار الذي خلفته في أعقابها، وبناءً على ذلك، بدأت المساعدات الدولية تتدفق، على الرغم من العقوبات الجائرة من قبل الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة على الحكومة السورية في وقت مبكر من الحرب المستمرة والتي مضى عليها أكثر من عقد من الزمان، والتي ساهموا هم أنفسهم في تأجيجها.
كان الهدف من وراء هذه العقوبات اللاشرعية غير المبرّرة هو الضغط على الشعب السوري في مثال واضح على تدخل الدول الغربية في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، لكنهم فشلوا في تحقيق مآربهم.
اقترحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، في 8 شباط الجاري، أنه في أعقاب الكارثة يجب على الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات أحادية الجانب عن سورية فوراً لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية في موقف يتماشى مع القانون الدولي والإنساني والأخلاقي.
وفي السياق نفسه، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في 9 شباط، أن “الأزمة الإنسانية في سورية تتفاقم، وأنه يجب ألا تتداخل العقوبات مع جهود الإغاثة في سورية في الوقت الحاضر”.
إن الاستمرار في فرض عقوبات من جانب واحد خارج سلطة مجلس الأمن لا يؤدي إلا إلى زيادة استمرار معاناة السوريين، إضافة إلى أن التشبث بالسياسة الفاشلة المتمثلة في معاقبة الأشخاص العاديين من خلال الوسائل الاقتصادية ستكون نتائجه عكسية على مصالح الولايات المتحدة بعد مثل هذه الكوارث.
وتحت ضغط كبير من المجتمع الدولي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في وقت متأخر من يوم 9 شباط، عن تجميد العقوبات على سورية والمتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال لمدة 180 يوماً. من وجهة نظر المصالح الأمريكية، يمكن أن يساعد هذا التطور في تحسين صورة الإدارة الأمريكية لدى الشعب السوري ما يجعله يعتقد وفق مزاعمها أن واشنطن تخفف بشكل ملموس بعض معاناتهم. لكن الإبقاء على العقوبات في مكانها سيؤدي إلى استياء أعمق، لأنه، أي الشعب السوري، يدرك أن الولايات المتحدة تريده أن يعاني بشكل أكبر كعقوبة إضافية لعدم تنفيذ أجنداتها المشبوهة حتى هذه اللحظة.
عند رفع العقوبات بشكل انتقائي ومؤقت عن سورية، رداً على الكارثة الطبيعية التي أصابته، يمكن أن تنشئ الولايات المتحدة من خلال هذا السلوك سابقة جديدة، ففي حال تعرّضت دولة أخرى خاضعة للعقوبات لكارثة مماثلة، فقد تخفّف الولايات المتحدة من عقوباتها بشكل انتقائي ومؤقت أيضاً بذريعة تسهيل شحن المساعدات.
باختصار، من المرجّح أن يكون قرار الولايات المتحدة برفع عقوباتها عن سورية، انتقائياً ومؤقتاً، مدفوعاً بالبراغماتية السياسية أكثر من الدوافع الإنسانية، فهي تريد تخفيف الضغط الدولي عليها، وتحسين نظرة الشعب السوري لها. لكن بات من الواضح لدى الشعب السوري أن قرار الولايات المتحدة جاء بدوافع سياسية خفية، وليس بدوافع إنسانية كما زعمت.