جهاز طبقي محوري بمليون “يورو” يثير نزاعاً خفياً بين “المواساة” و”جراحة القلب”!
دمشق – لينا عدره
قد يعتبر البعض أن الوقت غير ملائم لتسليط الضوء على مشكلات القطاع الصحي، لما يتعرّض له هذا القطاع من حصار وحظر وعقوبات، إلا أن إضاءتنا على هذه المشكلة تستمدّ أهميتها من حساسيتها، في وقتٍ لا يحتمل أي خطأ، وخاصة تلك الأخطاء التي من الممكن تداركها، فكيف ونحن نسلّط الضوء على جهاز طبقي محوري يرجع بملكيته لمشفى جراحة القلب، ويصل سعره إلى مليون يورو، ما قد يعادل 1/20 من ميزانية الوزارة، في فترة لها خصوصيتها، وفي وقت باتت فيه الأجهزة الطبية كالقطع النفيسة والعملة النادرة لاستحالة استيرادها؟!.
أما عن حيثيات الموضوع، كما ذكرها مصدرٌ في مشفى جراحة القلب الجامعي، فتتلخص بأن منظمة الصحة العالمية قدّمت منذ عدة سنوات جهاز طبقي محوري كهدية لمشفى جراحة القلب، جهازٌ حديث يتفوق بثلاثة أجيال من حيث الدقة على الجهاز الوحيد الموجود في سورية والعائد لمشفى خاص، مستمداً أهميته من منحه فرصة مهمّة لدراسة الشرايين الإكليلية بدقة عالية عند مرضى لن يكونوا بحاجة لاحقاً لقثطرة، إضافة إلى نقطة غاية في الأهمية تتعلق بدراسة الآفات القلبية الولادية، إلا أن وصوله من دون برنامج قلبي دفع المشفى لمراسلة المنظمة لإرساله وهذا ما كان، وفعلاً خضعت الكوادر في جراحة القلب للتدريب لبدء العمل عليه، إلا أن تعطل طبقي المواساة حال دون استخدامه بسبب إعارته لهم، كون المواساة المشفى الحكومي المركزي الوحيد الذي يستقبل حوادث من كلّ من مدينة دمشق وريفها وبشكل مجاني، إلى هنا كل شيء يسير بشكلٍ جيد، وخاصةً في ظل التنسيق والتعاون بين المشافي والذي تحدث عنه الطرفان.
نقطة الخلاف الأساسية، وفق ما بيّن المصدر، تمثلت بتصوير عشرات الحالات التي لم تكن بحاجة للتصوير، زائد الحالات الباردة التي كان من الممكن تأجيلها لغاية إصلاح طبقي المواساة، ما تسبّب في استهلاك الجهاز وحدوث أعطال فيه، إضافةً إلى عدم حرص الطاقم الفني للمواساة، سواء بقصد أو عن غير قصد، على الجهاز كما ذكر المصدر، حيث كُسرت الطاولة من الأسفل، وتعرّضت الفرشة الأصلية للتمزيق ليتمّ تبديلها بأخرى رديئة، وحدث تسرب للسوائل، وكسر في السواقة، إضافةً إلى وجود سبع بطاريات معطلة لم يتمّ تغييرها إلا منذ فترة قصيرة، كل هذا يُضاف إلى إساءة استعماله من ناحية الاستطباب الطبي وإساءة المحافظة عليه ليتمّ تصوير 300 ألف شوتات، علماً أن عيار تيوب الأشعة فيه 200 ألف شوتة، أي تسكير العدد المخصّص والتصوير في الوقت الضائع، ما قد يعرضه للتوقف في أي وقت، ربما أسبوع أو شهر أو اثنان، يضيف المصدر، ما سيضطرنا حينذاك لمخاطبة منظمة الصحة للحصول على تيوب جديد!.
ويتابع المصدر: ليس لدينا أدنى شك بأن الجهاز خدَّم آلاف الحالات الضرورية، وهذا عمل مهمّ لا يمكن تجاهله أنجزه كادر المواساة، فالمشكلة ليست بتصويره للحالات الضرورية، حتى لو تجاوزت العيار الخاص بـ التيوب، إلا أن الجهاز وبسبب سوء استخدامه وتصويره لحالات كثيرة لا تحتاج للتصوير سيدفع هو ثمن سوء الاستخدام، لافتاً إلى أنه وخلال فترتي الاستلام الأولى والثانية صُورَت عشرات الحالات لمرضى من دون استطباب إسعافي، وصلت نسبتهم إلى 60% تقريباً، رغم الاتفاق المسبق بين المشفيين لتصوير الحالات الإسعافية، ليبدأ التقنين في هذه الفترة والعمل بشكلٍ صحيح، بعد أن بات الجهاز قاب قوسين أو أدنى من التوقف عن العمل وبشكلٍ نهائي.
وأشار المصدر إلى أن حرصهم على الجهاز، ليس لقيمته المادية الضخمة فقط، بل لقيمته العلمية، فهو ملك لكلّ مواطن وليس ملكاً لجراحة القلب، وبالتالي الإضاءة على الأخطاء هي من باب الحرص، وخاصة في بلدٍ يتعرّض لحصار خانق وعقوبات، حيث تصل تكلفة أقل صورة في المراكز الخاصة إلى 200 ألف، وتتجاوز 600 ألف في بعض الحالات، بينما هي مجانية في المشفى، مضيفاً: لذلك كان من المفترض ألا تُستنزف طاقة الجهاز إلا للضرورة، علماً أننا حاولنا البحث عن آلية للعمل عند تصوير المرضى، وحدثت عدة صدامات، وخاصةً في الفترة الأولى لاستلام الجهاز ولكن من دون أي جدوى!.
وأوضح المصدر أنهم كجراحة قلب صوروا 4 أو5 حالات فقط، ولم يتمكّن من الاستمرار بالعمل عليه، حتى أنهم أيضاً لم يتمكنوا من شراء المواد الخاصة بالتصوير القلبي التي يحتاجها الجهاز، لأنهم في كل مرة وعند إرسال طلب الشراء، يضطرون لإعارته للمواساة بسبب تعطل الطبقي الخاص بهم، فيؤجلون إحضار المواد لأن لها صلاحية معيّنة منعاً للهدر، لافتاً إلى قيامهم في فترة الاستلام الأخيرة بتسجيل قائمة بالأعطال الموجودة حتى يتمّ إصلاحها استعداداً لانطلاق العمل به، كون هناك حالات كثيرة تتعلق بالآفات الولادية التي تمّ تجميعها، خاصةً وأن المشفى لم يتمكّن بعد من المباشرة في استخدامه لأن استخدامهم له قلبي فقط، متسائلاً، أي المصدر: لماذا أصوّر دماغاً على جهاز 167 بكسل، في حين يمكنني أن أحصل على النتيجة نفسها بجهاز 56، فالمنطق يقول أن أرسل المريض ليصور على جهاز 56 واستغل جهازي لتصوير أكبر عدد من الحالات الدقيقة والمعقدة والتي تحتاج لجهاز كالجهاز الموجود في جراحة القلب.
وأضاف أن المنظمة أرسلت هذا الجهاز النوعي، كونه مخصصاً للحالات القلبية التي تستدعي هذا النوع من التصوير خدمةً لجراحة القلب ومرضى القلب، ولم ترسله لتصوير الحالات الشائعة، فلماذا أغلب طلبات الصور التي نراها من المواساة (طبقي محوري، رأس بطن، عنق صدر)، حتى في فترة وباء كورونا لماذا أصوّر بطناً ودماغاً لمريض أصلاً لديه سعال وحرارة؟ في حين يكفي تصوير الصدر فقط، مؤكداً على صعوبة الوقوف على كلّ حالة للتأكد إن كانت بحاجة لتصوير أم لا؟.
من جهته أوضح د. عامر ناجي جميل رئيس شعبة الأشعة في المواساة، في معرض ردّه على ما أُثير من نقاط، أن الجهاز تمّ تركيبه منذ حوالي أربع سنوات، لافتاً إلى أن جهاز الطبقي المحوري الخاص بالمواساة والموجود منذ 2001 كان يعمل بضعف طاقته وعلى مدار كلّ تلك السنوات وبشكلٍ يومي، بطاقةٍ تتراوح مابين 100 إلى 120 يومياً، رغم أن طاقته 60 صورة، لكن ولأن المشفى لا يمكن أن يرفض تصوير أي مريض إسعافي، خاصةً وأنه مركز الإسعاف الوحيد الذي يستقبل الحالات التي لا تستقبلها مشافٍ أخرى كالمجتهد الذي ولفترةٍ قريبة كان يحول كلّ الحالات إلى المواساة بسبب تعطل الطبقي فيه، إضافة لمشفى الأسد الجامعي الذي لا يستقبل حالات الإسعاف.
أما فيما يتعلق بطبقي جراحة القلب الذي استعاره المواساة، يبيّن جميل أن المشكلة الأساسية تكمن في الإسعاف الذي إن ضُبط ستحلّ المشكلة كلها، مشيراً إلى أن ضبطه ليس من ضمن اختصاصه، ومؤكداً طلبه مراراً وتكراراً من رؤساء أقسام الإسعاف والجراحة والداخلية والطوارئ في المواساة ضبط طلباتهم، إضافةً لمطالبته، ومعه المدير الطبي، بضرورة وجود اختصاصي واحد على الأقل في الإسعاف، لأن تواجد طبيب سنة 4 أو 5 من الاختصاصيين في قسم الإسعاف سيحلّ المشكلة ويصوب إن كان هناك ضرورة للطبقي أم لا، وبالتالي عدم ترك القرار لطالب دراسات عليا سنة أولى، ولكن جواب المعنيين في الأقسام كان دائماً “إنهم لا يمونون على طلاب السنوات 4 و5”!!.
فـأي مريض، يبيّن جميل، يصل إلى المشفى بحادث سيارة أو طلق ناري أو سقوط أو كورونا يحتاج لطبقي محوري ولا مجال لغير ذلك، لذا فإن وجود اختصاصي داخلية أو جراحة أو إسعاف أو طوارئ، سيصوب القرار إن كان المريض بحاجة لطبقي أو لا.
أما عن سوء الاستخدام من قبلهم، فيوضح جميل أن فنييهم من أصحاب الخبرة ومن أفضل فنيي القطر، فالنسبة لتمزيق الفرشة -علماً أنهم قاموا بتبديلها- سببه مواطن متلهف على مريضه يُسيء عن غير قصد للجهاز، وهذا ما حصل معنا تماماً، وبما أن هناك عملاً فبالضرورة سيكون هناك أخطاء، مشدداً على أن الكثير من الفنيين اليوم يحضرون “بالموانة” للعمل بسبب حقوقهم المهضومة، وبالنسبة للبطاريات لم تكن معطلة ولكن الشركة المعنية نصحت ضمن تقريرها بأن تُبدل، وهذا ما قمنا به فور استلامنا للجهاز، حيث قمنا بتبديلها منذ حوالي أسبوع بعد استلام الجهاز، وأي عطل نعمل على إصلاحه مباشرةً، أما الشاشة فالمشكلة في تعقيمها من قبل جراحة القلب، مؤكداً أنها تعمل وليس فيها أي مشكلة، كما أكد لهم المهندس المختص، مشدداً على عملهم ضمن ظروف وإمكانيات محدودة جداً، وتقديمهم لخدمات كثيرة تفوق طاقة وقدرة المشفى، وتخديمهم لمئات المرضى المعرّضين لابتزاز المراكز الخاصة، مع بلوغ تكلفة الصورة أكثر من 600 ألف ليرة.
وأكد أن عدد المرضى الذين يصوّرون يومياً يتراوح مابين 75 إلى 100 مريض، وهي أكثر من الطاقة المخصّصة للجهاز، علماً -يؤكد جميل- أننا نبذل أقصى ما يمكن للترشيد، (لكن إيد لحالها ما بتصفق) على حدّ تعبيره. أما عن تصوير الحالات الباردة للمرضى النائمين في المشفى فيؤكد جميل أن هذا حق طبيعي للمرضى، بناءً على توقيع طلبهم من رئيس الشعبة ورئيس القسم، لذلك عند تحديد الأخطاء وقبل أن ألوم الكادر الطبي والفني فلنحدث القوانين! فكيف أحضر جهازاً بمئات ملايين الليرات وأصرف مبالغ كبيرة على المواد والمخابر ولا أعطي الطبيب مقابلاً مادياً جيداً؟!. لذلك وانطلاقاً من هذه النقطة لا يمكننا لوم المشفى فقط، لأن وجود اختصاصي في الإسعاف سيضبط الأمر، مؤكداً أن نسبة 80% من الصور التي تمّ تصويرها هي من الإسعاف، و20% للمريض الذي ينام في المشفى والذي لا يمكن رفض طلبه للتصوير إن كان بحاجة.
ليختتم حديثه بأنهم ومشفى جراحة القلب متفقان على ضرورة تواجد طبيب اختصاصي في قسم الإسعاف على مدار 24 ساعة، خاصةً وأن طلبات الإسعاف تكثر في تلك الفترة والأطباء المناوبين ليلاً كمن (يدور على إبرة في كومة قش) ولا يمكنني لومهم بسبب قلة خبرتهم في تصويب المرض، ما يجعل التصوير عشوائياً، علماً أنهم لا يتحملون المسؤولية، بل من يتحمّلها القوانين التي تمنع أن يكون الاختصاصي على مدار 24 ساعة. وأشار إلى أهمية أن تبحث إدارة الموارد عن آلية عمل استثنائية في هذه الظروف الصعبة، فأي مريض حقه أن يُعالج وتقدّم له فرصة علاج، من دون أن تكون على حساب مريض آخر، لأننا وفي الوقت نفسه لا يمكن أن ننكر الخدمات الكبيرة التي تقدّمها المشافي التعليمية وكوادرها الطبية، لقاء بدلٍ مادي زهيد جداً.