اقتصادصحيفة البعث

مقارنة في حساباتنا الغذائية.. ما قبل الكارثة ليس كما بعدها

قسيم دحدل

من المتوقع أننا سنواجه، عاجلاً غير آجل، نتيجة لمفاعيل تداعيات الزلزال على كلّ القطاعات الاقتصادية، ومنها القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، أكثر من “وعكة صحية” مقلقة في تقييمها الأولي، ستصيبُ أمننا الغذائي لناحية ليس فقط وفرة أو قلّة محاصيلنا ومنتجاتنا الغذائية، وإنما إدارة تلك المحاصيل ومواسمها، حيث في أرشيف تجارب إدارتنا لذلك الكثير من السقطات التي أدّت إلى أزمات مختلفة الشدة على صعيد تأمين العديد من المنتجات الغذائية حتى الرئيسية منها في سلتنا الغذائية المعيشية اليومية.

ولعلّ خير مثال على ما تقدّم أن اللجنة الاقتصادية، ممثلة بالحكومة والوزارات المعنية فيها، سمحت بتصدير 3600 طن من مادة البصل السوري بغاية حصولنا على إيرادات بالقطع الأجنبي، فحدث ما حدث وارتفع سعر كيلو البصل إلى 12 ألف ليرة، ولمعالجة “أزمة” البصل قرروا استيراد 2000 طن بصل مصري بالقطع الأجنبي مع أجور نقل وتأمين ورسوم استيراد وغير ذلك!.

في التشخيص السريري لمثل هذه “الأزمة” ولمادة رئيسية في غذاء السوري، نجد وعلى شاكلتها الكثير من السوابق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر السماح غير مرة بتصدير مادة زيت الزيتون وتصدير مواشينا من الخراف والعواس، وأيضاً بذريعة توفير القطع الأجنبي!.

والسؤال الذي يشكل هاجساً فعلياً لمعظمنا –في هذا الشأن- وعلى حدّ سواء من اختصاصيين في علم الاقتصاد أو العامة: لو حسبنا استناداً لمعادلة الربح والخسارة، كم من القطع جنينا في حلول تأمين القطع من تصدير منتجاتنا الزراعية النباتية والحيوانية، لما وجدنا ذلك الكمّ المعتدّ به الذي يمكن أن يلبي حاجة أو أولوية، لا بل وجدنا أنفسنا نغرق أكثر في أزمات تأمين وتوفير مفردات الغذاء الأساسية. هذا على صعيد احتياجاتنا الغذائية فقط، فكيف بمتطلباتنا الأخرى من باقي الاحتياجات؟!.

وعليه، فالأمر الذي نعتقد بأهميته وضرورة حسابه، وبكثير من الحرص والترشيد، وخاصة ما بعد نكبة الزلزال، هو كيفية تأمين وتوفير المحاصيل الزراعية لتكون كافية بحدّها الأدنى لتلبية متطلبات أمننا الغذائي الآنيّ والاستراتيجي، استناداً إلى خطط طوارئ تكفينا شرّ الخافيات من الأزمات الغذائية، واضعين نصب عيوننا ما احتجناه وسنحتاجه من مساعدات إغاثية غذائية، وألا يغيب عن المخطّطين وأصحاب القرار مستوى دخل معظم السوريين، بعد 12 عاماً من الحرب الإرهابية والاقتصادية والحصار والعقوبات وفوقها كارثة الزلزال.

بناء عليه، فالتخطيط لتأمين المحاصيل يجب ألا ينطلق فقط من تأمين البذار، بل يجب دراسة إمكانياتنا المائية وتحديد احتياجاتنا من مستلزمات الإنتاج في ضوء المتغيّرات المناخية والاقتصادية والتجارية والتقنية والإنسانية، وإلاَّ حدث معنا كما حدث لذلك الشاب الذي اشترى بنطالاً ولم يستطع لبسه!.

تقول القصة ذات الدلالات والإسقاطات الاقتصادية البليغة: اشترى شاب بنطالاً جاهزاً من السوق فوجده طويلاً 4 سم، فطلب الابن من أمه أن تقصّره 4 سم، فقالت: إنها مشغولة.. ذهب إلى أخته الكبيرة وطلب منها أن تقصّر البنطال 4 سم، فاعتذرت لأنها تجهز الغداء.

ذهب إلى محل الخياطة فقصّره واستلف من زميله أجرة الخياط، وعاد إلى المنزل ووضعه في خزانته ونام كي يلبسه للعيد.

الأم، حنّ قلبها فذهبت إلى غرفة الابن وأخرجت البنطال وقصرته 4 سم وأعادته إلى مكانه! وكذلك فعلت الأخت الكبيرة بعد أن أكملت تجهيز الغداء، رقّ قلبها وذهبت إلى غرفة أخيها وقصّرت البنطال 4 سم ثم أعادته.

في الصباح، استيقظ الشاب وهو مبتهج ببنطاله الجديد يريد أن يلبسه ليريه لأصدقائه! وإذا به يتفاجأ أنَّ بنطاله للركبة، ولم يستطع أن يلبسه وحزن حزناً كبيراً.

وهكذا على ما يبدو تسير الأمور عندنا، والعبرة: إذا كان الفريق يعمل بدون تنسيق مسبق سيفشل فشلاً ذريعاً، رغم التضحيات الكبيرة والنوايا الطيبة!.

Qassim1965@gmail.com