مجلة البعث الأسبوعية

الانتقال من نظام دولي إلى آخر .. وتميز سورية

د. مهدي دخل الله

مقاربة « المسألة السورية » في إطار عملية الانتقال من نظام دولي إلى آخر تتطلب قراءة موضوعية تستند إلى تاريخ العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية . هو تاريخ يتميز بمنطق واضح لا لبس فيه على الرغم من أنه يدخل في مصطلح « السهل الممتنع » ..

القانون الأساسي الذي يفرض موت نظام دولي وولادة آخر هو قانون « النمو غير المتوازن » للقوى في عالمنا المعاصر ، وما قبل المعاصر ، أي الحديث و الوسيط و القديم …

تسيطر قوة دولية على العالم لكنها تشيخ شيئاً فشيئاً ، وتبرز قوة ، أو ( قوى ) جديدة ، وفق قانون النمو غير المتوازن ، و كأنك تشاهد حلبة سباق الجري حيث يلحق الثاني و الثالث بالمتقدم ، بسبب تراجع في قوته و نمو في قوتهما . ثم يبدأ الصراع على المكان الأول ، أو على التساوي في السباق . المشكلة أن هناك نقطة احتكاك ، أو ( مشفى ) يموت فيها القديم و يولد الجديد ، مع كل ما يصحب ذلك من أوجاع حشرجة الاحتضار و آلام الولادة . عادة يكون في نقطة الاحتكاك بلد صغير نسبياً يرفض شعبه الانصياع للقوة المسيطرة و يتصدى لها بقوة لصالح حماية استقلاله وولادة النظام العالمي الجديد في آن .

فلنستقرئ تاريخ العلاقات الدولية .. الانتقال من النظام الدولي المسمى بالتحالف ضد الفاشية إلى نظام ثنائي القطب انفجر في شبه الجزيرة الكورية حيث رفض الشعب الكوري محاولة الولايات المتحدة للسيطرة على بلاده . كان عدد ضحايا الحرب الكورية ( 1950 – 1953 ) أكثر من مليون ضحية . لكن الكوريين لم يستطيعوا الحفاظ على دولتهم ، فتم تقسيم بلدهم إلى دولتين متحاربتين إلى اليوم .

الانتقال من ثنائي القطب إلى أحادي القطب انفجر في يوغسلافيا . ضحايا الحرب ( 1994 – 1998 ) أكثر من مليون إنسان ، و انهارت الدولة ، و تم التقسيم إلى ست دول بينها عداء . أما الانتقال من القطب الواحد إلى متعدد الأقطاب فقد انفجر في سورية ( و الدليل وجود القوتين العظيمتين فيه ) . تميز الحالة السورية واضح في حفاظ الشعب على دولته في تصدٍ مدهش للحرب .. و هذه ظاهرة لم تحصل في المسألتين الكورية واليوغسلافية . لذلك لا شك في أن سورية مشارك في النظام العالمي الجديد ، و ليس « مادة » له يتم تقسيمها حسب توازن القوى .

 

mahdidakhlala@gmail.com