مجلة البعث الأسبوعية

زلزال سورية يسقط القناع عمّا يسمى ” محور الخير” فضلت حظيرة الأطلسي على مهد الحضارة.. فرنسا الرسمية تستحق وسام العار

البعث الأسبوعية-هيفاء علي 

بعيداً عن الحديث عن المآسي الانسانية التي خلفها الزلزال المروع الذي ضرب سورية وتركيا منذ 6 شباط الجاري، يبدو أن هذا الزلزال عمل على كسر خطوط الترسيم بمعدل متسارع وفقاً للمفهوم الذي يحدده المحللون بـ “دبلوماسية الكوارث الطبيعية”، وهي دبلوماسية تقوم على مبدأ تجاوز الخلافات والاختلافات في مواجهة أهوال كارثة طبيعية، ثم على استغلال هذا التغلب لتحقيق وضع أفضل ودائم دون البحث عن الحقائق.  ومع ذلك، فإن الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا فجر 6 شباط سيُسجل في التاريخ باعتباره الظاهرة الأولى لما يمكن تسميته بـ “معارك الكوارث الطبيعية”.

وبينما انتشل عدد كبير من السوريين جثث أحبائهم من تحت الأنقاض، وبينما يمسح جميع السوريين دموعهم للاندفاع لمساعدة إخوانهم، نشأت فكرة لامعة في أذهان خبراء الناتو، فكرة استغلال الزلزال للحصول على ما لم يتمكنوا من الحصول عليه خلال سنوات الحرب والحصار. بمعنى أنهم قرروا خوض “معركة الزلزال” بدلاً من ممارسة دبلوماسية الكوارث الطبيعية. وهذا ما تجلى بوضوح في الأيام الأخيرة في سياق حملة إعلامية ودبلوماسية واسعة قام بها الغرب الجماعي بهدف وحيد هو إجبار الدولة السورية على القبول، تحت ضغط قرار ملزم من مجلس الأمن التابع لمجلس الأمن، بفتح معابر إضافية مع تركيا، إضافة إلى فتح معبر باب الهوى. وهنا من الضرورة بمكان التذكير بأنه خلال السنوات الأخيرة من الحرب القاسية والظالمة، ركزت الحملة الحاقدة للغرب الجماعي على الجانب الإنساني لتبرير انتهاك السيادة السورية. ومع ذلك، بين عامي 2014 و2023، تغير الوضع في سورية دولياً، حيث تمكنت دمشق، بدعم من روسيا من تحقيق عدد من النجاحات الدبلوماسية، بدءاً بقرار إبقاء نقطة عبور واحدة على الحدود التركية، معبر باب الهوى غير البعيد عن إدلب، ثم تقليصها.

التمديد الأخير لهذا القرار المتعلق بمعبر باب الهوى تم تبنيه من قبل مجلس الأمن في 9 كانون الثاني 2023 بسلاسة وهدوء، وهو ما نسبه بعض المراقبين إلى ما اعتبروه المواجهة الروسية الغربية في أوكرانيا، والتي من شأنها أن تمنع فتح جبهات إضافية. ومن ثم وقع الزلزال الذي أعطى زعماء الغرب الجماعي فرصة للعودة بالزمن، خاصة وأن السحر انقلب على الساحر، منذ اللحظة التي انكشفت فيها ممارساتهم ذات المعايير المزدوجة بسبب تقصيرهم المتعمد في مواجهة الكارثة السورية مقارنة بحرصهم على مساعدة تركيا، وأيضاً بعد اكتشاف الكارثة المتمثلة بآثار العقوبات والإجراءات القسرية أحادية الجانب وغير المشروعة ضد سورية، على فرص نجاة الضحايا المحاصرين بسبب البرد القارس تحت الأنقاض.

الغرب المنافق

وأمام هذه المشكلة ارتفعت الأصوات الشعبية والرسمية للمطالبة برفع فعلي للعقوبات المفروضة على سورية، وهي أصوات من فاعلين دوليين مثل روسيا والصين، ومن جمعيات إنسانية وكنسية وشعبية وإعلامية. هي أصوات رددت معاناة السوريين في العالم العربي والغربي معاً لمعارضة العقوبات العالمية ثم الرفع الجزئي والمؤقت، والوهمي الذي أعلنته وزارة الخزانة الأمريكية، حيث وجدت الادارة الامريكية نفسها مجبرة على اتخاذ هذا القرار جراء ارتفاع الأصوات المطالبة برفع العقوبات.

في السياق، يشير أحد المحللين إلى أن رفع الحظر عن تحويل الأموال إلى سورية، لا ينطبق على الدولة السورية أو على أي من مؤسساتها أو فروعها، بما في ذلك المصرف المركزي السوري، إذ لا ينطبق على أي شركة أو جمعية تسيطر عليها الدولة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر، داخل سورية وخارجها، ولا ينطبق على أي شخص يعمل لدى أي من هذه الكيانات. كما يشير إلى المفارقة المشؤومة للفقرة (ب) من القرار المزعوم، التي تمدد الحظر المفروض على تصدير النفط السوري ومشتقاته إلى الولايات المتحدة وهي التي تحتل مع مرتزقتها 90٪ من آبار النفط السورية، حيث يتم شحن الكثير من النفط الخام المسروق إلى شمال العراق، ويباع بأسعار منخفضة تصل أحياناً إلى 15 دولار للبرميل، ثم يتم تكريره واستخدامه إما محلياً أو يتم مزجه بالزيت المحلي ليتم شراؤها من قبل النظام التركي. بعبارة أخرى، الولايات المتحدة الأمريكية هي لص النفط السوري المسروق، وليست المستورد له. وبالتالي، من خلال هذا القرار، تحاول الولايات المتحدة ببساطة الحفاظ على صورتها كمدافع عن حقوق الإنسان، وامتصاص الضغط الشعبي المتزايد من أجل رفع العقوبات، أو بشكل أدق، رفع الحصار المحكم المفروض على سورية.

عندها حاول الغرب تولي ما أسموه المبادرة الإنسانية، فقد كانت النتائج إما على غرار وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي زعمت أنه لا يمكن تسليم جرافات الإغاثة للسوريين لأن “الحكومة” أغلقت الحدود، متجاهلة تداعيات العقوبات الأمريكية التي فرضتها بلادها،و إما باللجوء إلى القوة العسكرية من خلال التخطيط لمشروع قرار لمجلس الأمن يتم تبنيه بموجب الفصل السابع ويلزم الدولة السورية بفتح جميع المعابر الحدودية. وبشكل أوضح، فإن الهدف من هذه المناورة الأخيرة في مجلس الأمن هو ابتزاز آخر يستهدف السيادة السورية بذريعة إنسانية تتمثل في حماية السوريين في شمال غرب البلاد من غضب الطبيعة هذه المرة. ولكن خرج المخططون الغربيون، الذين لم يتوقعوا مثل هذه الخطوة، بخيبة أمل من اجتماع مجلس الأمن المغلق في 13 شباط، عندما أعلن الجانب الروسي باعتماده على القرار السوري في جوهره، بأنه لا حاجة لقرار دولي، وإنما يكفي موافقة الحكومة السورية على فتح معبرين إضافيين. هذه أرض سورية مستقلة معترف بها من قبل جميع أعضاء مجلس الأمن، وهي أرض يحق للدولة السورية أن تمارس سيادتها عليها وبالتالي، من خلال اتفاق ثنائي بين الحكومة السورية والأمم المتحدة، أحبطت دمشق الفخ الذي نصبه أعداؤها، ونجحت في تحقيق هدف مزدوج:

  • أولاً: دعم المساعدات العاجلة لسكان شمال غرب سورية مع الحفاظ على سيادة البلاد من قرار ملزم وخطير للغاية بالنسبة للمستقبل.
  • ثانياً من أجل توضيح أن الزلزال هو ظرف استثنائي لا يمكن أن يعاني من استمرار العقوبات الغربية أو استمرار إغلاق بعض المعابر الحدودية.

الزلزال أعاد الى الذاكرة مرة أخرى ما حدث عام 2011

في سياق متصل، أدلى الدبلوماسي الفرنسي ميشيل ريمبو بدلوه إزاء الزلزال السوري، بتحليل عميق نشره الموقع الالكتروني لمجلة ” أفريقيا-آسيا”، حيث أشار في البداية إلى أن السلطات الفرنسية تتصرف وكأن شيئاً لم يحدث، ومن الواضح أنها تفضل حظيرة الأطلسي على مهد الحضارة، وتغرق في إظهار وحشيتها بدلاً من اظهار أدني درجة من الإنسانية. فبعد الجنة المصطنعة لأمنيات رأس السنة الجديدة، أعاد الواقع تأكيد نفسه: كوكب في حالة فوران متزايد، وغرب في حالة انحدار ضد أوراسيا التي تؤكد قوتها، وفي الجوار حيث تتصادم الكتلتان في صراعات لا نهاية لها، كما يتضح من حرب في أوكرانيا انتشرت على نطاق واسع، وأدت إلى زيادة التوترات في الشرق الأوسط الملتهب.

ومن ثم يتحدث ريمبو كيف تعرضت سورية، مهد الحضارة، التي يجب على كل كائن متحضر أن يتبناها كوطن ثان، كما يقول عالم الآثار الشهير أندريه باروت، يوم الاثنين 6 شباط، إلى زلزال  مرعب لا تزال خسائره البشرية والمادية  تتزايد كل يوم.  كما دفعت تركيا، جارتها الشمالية، ثمناً باهظاً، حيث سجلت عدداً كبيراً من الضحايا، من بينهم العشرات من اللاجئين السوريين. لكن المفارقة أن العالم الغربي كله تضامن مع كارثة تركيا، لكنه تخلى عن سورية. فقد اتخذ “محور الخير” الشرير، الذي أراد “إعادة سورية إلى العصر الحجري” وعمل على تدمير شعبها، موقفاً بغيضاً للعدالة أثناء وقوع الزلزال.  وفرنسا الرسمية تستحق وسام العار بعد أن أعادت حشد الحظر، وحاولت إعادة “الثوار” إلى السرج وتبرير عدم مبالاتها تجاه ضحايا الزلزال السوري.

ومن ثم يذكر كل من نسي معاناة السوريين جراء العقوبات الجائرة على مدى 12 عاماً، وكيف حاول الغرب تدميرها وقتل وتهجير وتشريد شعبها، ونهب خيراتها وثرواتها الطبيعية. إن مدة الحرب على سورية تعادل مدة الصراعات الثلاثة التي تزين كتب تاريخ “أرض الأضواء”، وكأن كارثة عام 1870 في سيدان، والحربين العالميتين في القرن العشرين قد ارتبطت دون انقطاع. وعلى طريق دمشق حلب حمص، وحماة، وتدمر، ودير الزور، واللاذقية، تم شن عدوان وحشي لم يعلن عنه قط بأنه “جريمة دولية بامتياز”، حرب مقدسة بلا رحمة وحرب هجينة لا نهاية لها، موجهة “من الخلف”، من قبل أوباما الذي تمت مكافأته بجائزة نوبل للسلام كإجراء وقائي. وبعد أن تعرضت لنيران الصواريخ، والهجمات، وتدفق الإرهابيين من كل أصقاع الأرض، وتهديدات وابتزاز الإرهابيين، كان على سورية أن تتعلم كيف تراقب وتسمع صافرة قطارات العقوبات والقيود والحظر أكثر من ثلاث مرات. عقوبات من جميع الأنواع، تعلمت أن تكون حذرة من قانون “قيصر” الذي يمكن أن يخفي ما يسمى “مرسوم كبتاغون”. ولو كان العالم يعيش في أزمنة أخرى أكثر تحضراً وخاصة في أماكن أخرى أكثر احتراماً لحقوق الإنسان، لكانت معرفة كل هذه الأدوات من التدابير القسرية غير القانونية والأحادية الجانب، والإبادة الجماعية كافية لإثارة السخط والتضامن العالمي.  ولا شك أن الكوارث الطبيعية أو الحروب تثير موجة من التعاطف وتوقظ الضمائر، لكن اتباع سياسة الكيل بمكيالين باتت تنتشر في الكون الواسع، حيث تم القضاء على جوهرة تفكير الإنسانية، خاصةً عندما أودع الغرب حقوق الإنسان (وحقوق النساء) التي كان المتحدث باسمها في متحف الأشياء القديمة.

باختصار، فرنسا تساعد قبل كل شيء “الأشخاص الذين يشبهوننا”، أي الأوكرانيين بطريقة ما دون مبالغة على الرغم من كل شيء، وبينما كانت أخبار أوكرانيا تغذي الأخبار الفرنسية لمدة عام، انجر فرسان الأكاذيب الفرنسيين نحو خداع جديد، ونحو ساحة المعركة التي اعتادوا عليها. توشك الحرب السورية على دخول عامها الثالث عشر، وجميع المتآمرين موجودون هناك كما يتوقع المرء، ولم ينتظروا أي صافرة للعودة والانقضاض على فريستهم المفضلة. هناك على الأقل، يمكن لأصدقاء ووكلاء الطاغية القديم، العجوز جو، تجاهل القانون الدولي وانتهاكه في أوقات الفراغ ليحل محل قانون الغاب وقواعده التي سنوها بأنفسهم.

“ثلاثة عشر” عاماً بالنسبة للمدرسة القديمة هو الرقم المشؤوم، ولكن في شركة ناشئة، يعتبر سحراً محظوظاً لفرنسا وأوروبا بالطبع، حيث يعيش أناس مثل الفرنسيين، لأن سورية تستحق كل الخير، إنها مليئة بالعرب. ولكن يبدو أن الخبراء والشائعات قد قرروا في انسجام تام أن يروا في الزلزال نوعاً من الدعوة لإعادة عملهم القذر المتمثل في الخداع والأكاذيب والمعلومات الخاطئة على جدول الأعمال، والذي تم متابعته بعدوانية لا يمكن إخمادها لمدة اثني عشر عاماً، و ها نحن ذا مرة أخرى كما في العام الحادي عشر لذلك سنغفر لادعاء مدى حجم  تأذينا الشديد من معاملة سورية، و سوف نعذر لأننا لم نعد قادرين على البقاء صامتين في وجه محنة السكان، وخاصة النساء في الصفوف الأمامية، وفي الحياة اليومية، ومعيشة الأسرة، ورعاية الأطفال، معاناة من نقص حاد في الوقود، والدواء وأغذية الأطفال، بسبب العقوبات الغربية الكيدية، فهل يتطلب الأمر ثلاثين عاماً، كما حدث في حالة العراق، حتى يتم التعرف والاعتراف بالطبيعة الإجرامية أو حتى الإبادة الجماعية للعقوبات والقيود القسرية والسرقات والنهب؟.

ويختم ريمبو تحليله بالدعوة إلى رفع العقوبات التي تتجاوز بكثير العقوبة الجماعية عندما تضمر بوضوح رغبة متعمدة في قتل السكان. لقد مضى عامان، سنتان شهدت سورية خلالها كل المحن التي يمكن تخيلها من قبل الغرب المنحرف الذي يظهر قسوة جنونية في كل الظروف، بما في ذلك في مواجهة أسوأ الكوارث الطبيعية. ولكن سقط القناع أخيراً، وكشف محور الخير عن وجهه الحقيقي. إنه بالفعل حفار قبور حقوق الإنسان والمرأة، والحريات، والقيم الأخلاقية، وتهديد الأمن العالمي، وعدو القانون الدولي والسيادة الوطنية.  ولكن إلى متى، ومتى يحاسب ويعاقب ” محور الخير” على جرائمه الشنيعة بحق الانسانية جمعاء؟.

خاتمة

تقع مدينة حلب في الجزء الشمالي من صدع البحر الميت الذي يمثل فلقاً طبيعياً يفصل بين الصفيحتين التكتونية العربية ونظيرتها الأفريقية من طبقات القشرة الأرضية، ويعتبره الجيولوجيون من أكثر الصدوع الزلزالية حركة وتوليداً للزلازل.

تاريخياً شهدت سورية كثيراً من الهزات، واعتبر المؤرخ علاء السيد أن زلزال مدينة حلب عام 1822 كان الأكبر والأشد خطورة، وقدرته مصادر تاريخية وقتها بسبع درجات على مقياس ريختر، وقال “اللافت في ما يتعلق بذلك الزلزال أن هزاته الارتدادية استمرت لمدة عامين وأن عدد الوفيات تراوح بين 20 ألفاً و60 ألفاً.

وبالعودة إلى مصادر تاريخية، يرى مؤرخون أن زلزال حلب عام 1138 يعد الأخطر، إذ إن قوته وصلت إلى 8.5 درجة على مقياس ريختر وصنف من أقوى الزلازل في العالم وثالث أكثر الزلازل دموية وتدميراً.

 

بينما يشير المؤرخ عمر تدمري، وفق كتابه عن تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، إلى أن “الزلزال العظيم” وقع في مدينة حماة عام 1157 حيث راح ضحيته عشرات الآلاف.

أما الزلزال المغرق في القدم الذي استطاع المؤرخون توثيقه، فكان زلزال دمشق عام 847 وضرب دمشق وأنطاكية ووصل إلى الموصل وناهز عدد الوفيات الـ20 ألفاً، ويعتقد بأنه أقوى الزلازل على طول صدع البحر الميت.