خطاب حالة الاتحاد.. فشل أم دعاية انتخابية؟
عناية ناصر
ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابه الثاني عن حالة الاتحاد بهدف توحيد البلاد، لكنه فشل على ما يبدو، حيث لاقى الترويج لإنجازاته انزعاجاً من الجمهوريين، مما سلّط الضوء على الانقسامات السياسية المشحونة وسط الركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق. وذكر المحللون السياسيون أن الإشارة المتزايدة إلى الصين في الخطاب قد تشير أيضاً إلى العلاقات الثنائية المتوترة مع الأجواء السياسية المستقطبة في واشنطن، والصراع السياسي الأكثر شراسة مع اقتراب الدورة الانتخابية.
وذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن بايدن تحدث في خطابه الذي استمر لأكثر من 70 دقيقة، بدءاً من التهاني لرئيس مجلس النواب الجديد كيفن مكارثي، وعن نمو الوظائف في الولايات المتحدة، وبرنامجه للبنية التحتية، وعن الصعود في التصنيع المحلي، والصراع الروسي الأوكراني، والاعتماد على النفط، والمنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين. كما وذكرت وسائل الإعلام أن خطاب حالة الاتحاد الأخير كان مختلفاً عن الخطاب السابق، حيث كان المشرّعون الجمهوريون المنتخبون حديثاً في مجلس النواب ينتقدونه أحياناً.
إن خطاب حالة الاتحاد، بشكل عام، هو ترويج بايدن لنفسه، حيث قال لي هايدونغ، الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، إن بايدن، الذي يتحدث عن دعمه الرعاية الطبية والتعليم والتوظيف وجرائم الأسلحة والاقتصاد، أراد أن يروّج لإنجازاته التي لم يحققها أسلافه من قبل وفق زعمه. وأضاف لي أن الرسالة التي أراد فريق بايدن إيصالها إلى الناخبين هي اختيار بايدن، وذلك لتأمين مستقبل ديمقراطي ومضمون بشكل أفضل، لكن على الرغم من أن بايدن حاول رسم صورة وردية للأمريكيين، إلا أن العديد من خططه، مثل إعادة تنشيط التصنيع، تواجه صعوبات مختلفة.
لقد فشل التفاؤل في خطابه في عكس مخاوف الأمريكيين المتزايدة، وفي هذا الشأن قال المحللون إن بايدن أشاد بتعامله مع الاقتصاد الأمريكي مع بطالة منخفضة منذ عقود وتباطؤ معدلات التضخم، لكن الصورة الكاملة أكثر تعقيداً بكثير مع ارتفاع التضخم لعقود من الزمن، وتوقعات حدوث ركود، ومعركة وشيكة بشأن سداد الديون.
وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست”، وشبكة “إيه بي سي” الإخبارية، وجد 62 في المائة من الأمريكيين أن بايدن قد أنجز “القليل جداً” أو “القليل” أو “لا شيء” خلال فترة رئاسته. ووفقاً لاستطلاع آخر أجرته “وكالة رويترز- إبسوس” بلغت نسبة التأييد العام لبايدن 41 بالمئة، وذلك في أدنى مستوى له خلال رئاسته،حيث يعتقد نحو 65 في المائة من الأمريكيين أن البلاد تسير في المسار الخطأ، مقارنة بـ 58 في المائة قبل عام.
لم تُعزَ نسبة شعبية بايدن المنخفضة له بالكامل، أو لسياسات إدارته المتسرعة كرئيس جمهوري، حيث قال يانغ شي يو، الباحث البارز في معهد الصين للدراسات الدولية، إن هذا يظهر أن الأمريكيين لم يتوصلوا بعد إلى توافق في الآراء بشأن الانعطاف يميناً أو يساراً، لأن البلاد تقف عند مفترق طرق تاريخي. كما حذّر يانغ من أن تأكيد بايدن على تنشيط التصنيع، والبنية التحتية والتقنيات الأمريكية هو نسخة محدثة من استراتيجية “أمريكا أولاً” للرئيس السابق دونالد ترامب والانعزالية، مع إعطاء الأولوية للاحتياجات المحلية الأمريكية على مصالح المجتمع الدولي.
وستؤثر مثل هذه النسخة الجديدة من “أمريكا أولاً” بشدة على السلاسل الصناعية العالمية، ووفقاً لـ يانغ ما إذا كانت خطط بايدن التي تمّت الإشارة إليها في الخطاب ستصبح حقيقة أم لا، تدقّ ناقوس الخطر من أن تحرير التجارة والاستثمار يدخل في مرحلة من التعديل وعدم اليقين.
تم سماع جولات متعددة من الانزعاج في مجلس النواب من قبل بعض الجمهوريين في مجلس النواب خلال خطاب بايدن، وخاصة عندما تحدى بايدن الجمهوريين برفع سقف الديون الأمريكية ودعم السياسات الضريبية، فعندما قال بايدن إن بعض الجمهوريين يريدون إلغاء الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ووافقه رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي الرأي، بينما ردّ العديد من الجمهوريين بـ”لا” وذكرت صحيفة “ذا هيل” أن البعض صرخ ووصموه بـ”الكاذب”.
إن دعوة بايدن للوحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين تظلّ سطحية، وتشبه إلى حدّ كبير الأداء التمثيلي حيث انتقد، أحياناً بكلمات قاسية، الآراء السياسية للجمهوريين، مما سيزيد من اتساع فجوة الانقسام السياسي، وفقاً لـ لي هايدونغ .
زاد بايدن الإشارة إلى الصين ست مرات في الخطاب، مدعياً أن الولايات المتحدة تعتزم “السعي إلى المنافسة، وليس الصراع” مع الصين، ما تعهد أيضاً بتحديث الجيش لردع العدوان، وحماية الولايات المتحدة في حال هدّدت الصين سيادة الولايات المتحدة، وفق زعمه، في إشارة إلى أحدث حيلة في الولايات المتحدة تتعلق بالمنطاد المدني الصيني.
كان بعض السياسيين، وخاصة الجمهوريين، يهاجمون إدارة بايدن ويضغطون عليها من أجل اتباع نهج متشدّد في التعامل مع بكين من خلال رفع الأصوات حول خطاب “التهديد الصيني”، وهنا قال هايدونغ إن بايدن حاول إقناع العالم بأن الولايات المتحدة لا تزال في وضع أقوى في المنافسة مع الصين.
بدعوى السعي وراء المنافسة وليس الصراع مع الصين، يجب على النخب السياسية الأمريكية أن تدرك أن تراجع الولايات المتحدة متجذّر في صلبها، وليس الصين. وفي هذا الإطار قال يانغ شي يو إن الولايات المتحدة تعاني من مشكلات في الداخل والخارج، والصين ليست التحدي الأول.
ورداً على تصريحات بايدن بشأن الصين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في مؤتمر صحفي دوري: “إن الصين كانت تعتقد دائماً أن العلاقات الصينية الأمريكية يجب ألا تكون لعبة محصلتها صفر حيث يتنافس أحد الأطراف أو يزدهر على حساب الآخر. الصين لا تخجل من المنافسة أو تتوانى عنها، لكننا نعارض تحديد العلاقات الصينية الأمريكية بأكملها عن طريق المنافسة”.
وأضاف ماو إنه على الدولة المسؤولة ألا تستخدم المنافسة كذريعة لتشويه سمعة الدول الأخرى وتقييد حقها المشروع في التنمية، حتى على حساب سلاسل التصنيع والإمداد العالمية، حيث قال محللون إنه مع تصاعد الانتقادات من الجمهوريين، قد يجد بايدن صعوبة أكبر في إصلاح العلاقات الصينية الأمريكية، كما قد تواجه العلاقات الصينية الأمريكية ضغوطاً أكبر في مختلف المجالات.