معظم الدول العربية ومن بينها سورية تنضوي تحت خط الفقر المائي المحدد بـ1000م3 للفرد سنوياً
دمشق – حسن النابلسي
يتراءى لأكثر المراقبين تشاؤما أن الحرب القادمة بعد النفط هي حرب المياه، لاسيما بعد التغيرات المناخية وانعكاسها على شح المياه –خاصة تلك المخصصة للشرب- في عدد من دول العالم التي بدأت تسعى للحفاظ على ما تمتلكه من هذه الثروة وتأمين احتياجاتها من النقص مستقبلاً وإلا أصبح أمنها المائي مهددا وبالتالي الغذائي…ويعتبر الوطن العربي من أشد مناطق العالم معاناة لندرة المياه، خاصة وأن أنهاره الجارية، والتي نشأت على ضفافها عواصمُه ومدنه وقراه وأريافه، تنبع من دول الجوار العربي، الأمر الذي يجعل الدول العربية وعواصم صنع القرار فيها عرضة للضغط السياسي والابتزاز، ناهيك عن التدخل الخارجي والذي يتبدّى الآن في إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على أن تكون المياه بنداً أساسياً في كل تسوية في النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد، وذلك بفرض نظام مائي جديد يؤمن للكيان الصهيوني حاجته المستقبلية من المياه.
معقدة!
ولأن الأمن المائي العربي قضية شائكة ومعقدة وتتضمن تداعيات عسكرية وسياسية واقتصادية وقانونية وصولاً إلى أخطار تحيق بالأمن الغذائي والاجتماعي، لابد من فتح هذا الملف الإستراتيجي ليس فقط قطرياً بل عربيا على نطاق الجامعة العربية، كون أن النسبة العظمى من مصادر المياه العربية –سواء السطحية منها أو الجوفية- غير عربية، تحت وطأة عجز مائي ينذر بمستقبل لا تحمد عقباه، خاصة إذا ما علمنا أن معظم الدول العربية ومن بينها سورية تنضوي تحت خط الفقر المائي المحدد بـ1000م3 للفرد سنوياً، وحتى تلك الموجودة خارج هذا الخط لديها مشاكل حول مياهها المشتركة مع دول الجوار كالعراق والسودان ولبنان.
ليست بمنأى!
محلياً.. رغم أن سورية ليست بمنأى عن هذا التحدي أبداً -إذ يؤكد خبراء المياه أن هناك تناقصاً بالموارد المائية وازدياداً بالحاجة إليها- لكن يمكن استدراكه والحفاظ على الحد المطلوب مبدئياً وذلك من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه الحالي والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب، ففي الفترة الماضية كانت سياسة الدولة تعمل على تنمية المصادر المائية عبر بناء بنية تحتية كبيرة (سدود – قنوات – محطات تنقية..الخ) بهدف تزويد مستخدمي المياه، أما الآن فعلى الدولة أن تنتقل إلى إدارة الطلب، أي بمعنى كيفية إدارة المياه المتوافرة لدينا بأفضل صورة ممكنة، وسد هذه الفجوة يتم بزيادة الواردات المائية وترشيد الاستهلاك المائي، ويتأتى ذلك إما من خلال تحلية مياه البحر – وهذا غير وارد حاليا بسبب ارتفاع تكاليف إنشاء محطات التحلية – أو من خلال الاستمطار، واعتماد الري الحديث.
أسباب العجز!
أمام هذا المشهد يبرز “اعتماد الري الحدث” كخيار أمثل للحفاظ على الثروة المائية، وإذا ما علمنا بوجود خمسة أحواض رئيسة تعاني عجزاً مائياً من أصل سبعة، (حوض اليرموك – حوض بردى والأعوج – حوض العاصي – حوض حلب – حوض البادية)، في حين أن حوضي الساحل والفرات لا يزالان على ما يرام، فإن الحاجة للري الحديث ستأخذ مزيداً من الزخم، لاسيما وأن أسباب هذا العجز تعود إلى الاستخدامات الكثيرة الزائدة عن المتوافر والاستجرار الجائر للمياه الجوفية التي تحتاج إلى سنوات طويلة للتجديد خاصة بعد نقص الهطولات المطرية خلال السنوات الماضية.
إن التغيرات المناخية تشكل تحدياً كبيراً للوضع المائي السوري، ما يستوجب اتخاذ إجراءات تأقلم معها بشكل إستراتيجي، وإلا سيكون لدينا صورة مظلمة للجفاف والعجز المائي في ظل الازدياد السكاني والمتطلبات الهائلة للتنمية الاقتصادية، فما دام لدينا 90% من الموارد المائية تستخدم في الزراعة فإن سورية حتما ستصنف من الدول شبه الجافة في حال لم يكن لدينا إدارة رشيدة للمياه أكثر من أي دولة أخرى، فألمانيا –على سبيل المثال- لديها إدارة رشيدة للمياه رغم أنها بلد غير جاف، مع الإشارة هنا إلى أن حاجة سورية من المياه سنوياً حوالي 16 مليار م3، يتم تأمين 12 مليار منها من نهر الفرات و4 مليار من الهطولات المطرية البالغة 16 مليار م3، فقسم منها يذهب إلى البحر والقسم الآخر يتبخر ولا يبقى سوى 4 مليار م3 يستفاد منها للاستهلاك.
ولعل من الجدير ذكره أنه ورغم أن نصيب الفرد من المياه في سورية هو بحدود 800 -900 م3 – أي دون حد الفقر المائي المحدد بـ 1000م3 للفرد سنوياً لأغراض الشرب والغسيل والزراعة والصناعة – يعتبر الوضع المائي في سورية لا يزال مقبولا إلى حد ما مقارنة ببعض الدول، حيث ينخفض في الأردن إلى 150م3، لذلك لابد من اتخاذ كافة إجراءات الحفاظ على الثروة المائية.
من خارج الحدود!
أشارت الإستراتيجية العربية للأمن المائي الصادرة عن مجلس وزراء الماء العرب إلى أن حوالي ثلثي الموارد المائية السطحية في الوطن العربي والمتمثلة بالأنهار الرئيسية الكبرى (دجلة – الفرات – النيل – السنغال) تنبع من خارج حدوده، حيث تشكل الدول العربية ممراً ومصباً لهذه الأنهار، وبالتالي فإنها تخضع في اقتسامها إلى التجاذبات السياسية في المنطقة، ومازال معظم هذه الأنهار –إن لم يكن كلها- دون اتفاقيات واضحة تنظم اقتسام المياه، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاقيات عادلة ومنصفة مع دول المنبع فإنها ستبقى مشكلة تهدد الاستقرار في الوطن العربي، كما أن الدول العربية تشترك فيما بينها بأحواض مائية سطحية وجوفية مازال جزءا منها أيضا دون اتفاقيات واضحة تنظم استثمارها، وفي هذا السياق يبين مركز الدراسات المائية والأمن المائي العربي التابع لجامعة الدول العربية أن أكثر من 65% من المياه العربية تنبع من خارج الوطن العربي، وعادة ما تفضل الدول أن تحل هذا النوع من المشاكل بصفة منفردة بينها وبين دول الجوار، أما فيما يخص سورية وعلاقتها مع تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات فهناك اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين في هذا الخصوص.
أخيراً
يؤكد العارفون أن المياه المتوافرة على سطح الأرض تكفي وللأبد البشرية جمعاء، لاسيما أن كمية الأمطار التي تهطل على الأرض سنوياً هي ثابتة، ولكن توزيعها يختلف من إقليم لآخر، غير أن ما يعانيه العالم من تنقاص هذه الثروة التي لا بديل عنها على الإطلاق هو من صنع البشر بقصد أو بغير بقصد إما من خلال الإسراف والتبذير غير المبرر، أو باحتكارها عبر إقامة السدود بطريقة تحرم من له حق فيها، وإذا ما بقي الوضع على ما هو عليه فسنشهد أسوأ سيناريوهات الجفاف.