واشنطن تسعى لتشكيل طوق يائس من الاستفزازات والعداء في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان
“البعث الأسبوعية“ ــ بشار محي الدين المحمد
تكثّف واشنطن خطواتها العبثية الآخذة نحو مزيد من الاستفزاز والتصعيد ضدّ الصين في منطقة آسيا الباسفيك، وخاصة بعد زيارة أمين عام حلف “ناتو” إلى كورية الجنوبية في محاولةٍ منه لاستكمال مساعي بلاده الرامية لإنشاء نسخة عن الحلف في آسيا، وتأجيج الحرب الباردة ضدّ الصين، ما يشكل مقدمةً لحربٍ ربما قد تكون مدمرة لتلك الدول الصغيرة التي تسعى واشنطن إلى رميها في سياق معركة الاستفزازات القصوى للصين، مع سعيها الدائم لشيطنة بكين وحلفائها للحصول على أفضل انصياع من حلفاء الإدارة الأمريكية وعبيدها المطيعين في المنطقة.
وبالتأكيد فإن ذلك لا يمكن فصله عن ربط الصراع الأمريكي مع الصين بالصراع الجاري ضدّ روسيا في أوكرانيا، فلا يستبعد الخبراء ظهور أسلحةٍ يابانية وكورية جنوبية في مراحل قريبة مع قوات نظام كييف، وخاصةً أنّ أمريكا تواجه معضلة مواجهة اثنين من الدول الكبرى النووية في آن معاً، وتحاول لملمة ما بقي من هيبتها بجميع الطرق والوسائل، ولا مبرر لما تفعله سوى توريط حلفاء جدد في صراعاتها إلى جانب الأوروبيين مدعيةً نظافة كفها.
وبدلاً من تحقق السلام الذي يزعم تحقيقه أمين “ناتو” في سياق جولاته، ربما تتأجج صراعات ساخنة حيث يسعى إلى تشكيل ما يشبه طوق حول الصين ممتد من اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين – باستثناء ماليزيا- وصولاً إلى استراليا، حيث تحاول واشنطن توريط هذه الدول في استخدام سلاحها التقليدي وبذل الأموال في سبيل التسلح خدمةً لأي صراع محتمل لها في المنطقة، مقابل إيهامها لهم بتوفير الحماية النووية ضدّ أخطار وهمية تقوم برسمها عبر الفتن والحروب الدعائية التي تحيكها على الدوام.
كذلك تجهد الإدارة الأمريكية في تعزيز سياسة احتواء الصين خصوصاً بنموها الاقتصادي والعسكري وفي المجالات العلمية وحتى الفضائية، على وجه الخصوص، إضافة إلى استيعاب نمو الدول الآسيوية الأخرى الكبير، إذ لا تريد لها تلك الإدارة أن تكون أقطاب فاعلة في بناء النظام العالمي الجديد الماحق لهيمنتها وسيطرتها على مقدرات الشعوب ومصائرهم، وترى أن سبيلها الوحيد لزعزعة قوتهم الاقتصادية لا يكون إلا عبر نشر الحروب والفتن والصراعات في المنطقة، وتعدّل واشنطن قواتها في كوريا الجنوبية بالتزامن مع رغبتها في تأجيج نار الحرب والفتن بأيدي تايوان وكأنها لا تعبأ بأن هذا التصعيد خطير في حال تمادي تايوان باستفزازاتها أو تهديدها لوحدة وسلامة الصين.
بدورها الصين ما زالت تتحلى بسياسة ضبط النفس لأبعد الحدود وتؤكد عدم ميلها للحروب أو أية خطوات تصعيدية ضدّ أية دولة، بدليل استثماراتها القوية والمتينة التي بنتها بشكل ملفت مع كل الدول على مدار أكثر من أربعة عقود، حيث أرست أفضل سبل الاستقرار في معظم محيطها الجغرافي، وهذا الأمر بالطبع لا يروق لواشنطن التي تعاني التراجع الاقتصادي أمامها وخسارة المزيد والمزيد من أسواقها حول العالم، وتؤكد أن المياه في مضيق تايوان إقليمية بينما تذهب الولايات المتحدة مجدداً إلى التأكيد بأنها مياه إقليمية لتزيد من سعير استفزازاتها، ودعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الولايات المتحدة إلى التوقف عن التدخل في مسألة تايوان، وخلق عوامل جديدة قد تؤدي إلى توترات في مضيق تايوان، مجدّدةً التأكيد بأنها جزء لا يتجزأ من أراضي الصين، وتعد مسألة صينية داخلية بحتة، وحلها مسألة أمر متروك للصينيين وحدهم، كما أنه يتعين على الجانب الأمريكي الوفاء بالتزام زعمائه بشأن عدم دعم ما يسمى “استقلال تايوان”، والكف عن جميع أشكال التفاعل الرسمي والتواصل العسكري مع تايوان.
أما على الساحة الفلبينية، تستأنف واشنطن أيضاً نشاطاتها العدائية التي بدأ الشعب الفلبيني باستهجانها وخرج في مظاهراتٍ واحتجاجات معلناً رفضه لاحتضان المزيد من القوات الأمريكية على أرضه، وخاصةً بعد توقيع اتفاق فلبيني أمريكي يسمح للأخيرة باستخدام كامل لأربعة قواعد عسكرية لـ”التخزين وبناء السكنات والمرافق والمدارج و مستودعات الإمداد والوقود ولأغراض التدريب”، حيث أثار الاتفاق غضب المواطنين وخاصةً القوى اليسارية التي لا ترى من دخول وتوغل الولايات المتحدة سوى المزيد من الدمار عبر رمي البلاد في صراعات لم ولن تخدمها، مؤكدين على مسألة عدم وجود مساواة في العلاقة مع واشنطن الساعية لتوتير الوضع في منطقة بحر الصين الجنوبي، حيث جرى ذلك بالتزامن مع وجود لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي في العاصمة مانيلا لتوقيع اتفاقية القواعد بحجة التعاون الدفاعي الثنائي، بينما الهدف هو سد ثغرة الطوق الذي تحاول بلاده تضييقه ضدّ الصين وصولاً إلى استراليا جنوباً، تضاف إلى خطواتٍ تصعيدية أخرى كوجود حاملة الطائرات الأمريكية التي تجوب المحيطين الهادئ والهندي وقواعد أذيالها في الدول في المنطقة.
تجتهد الجماعات اليسارية الفلبينية الآن بإعادة تحقيق ما نجحت بتحقيقه في تسعينييات القرن الماضي، حيث أجبرت أمريكا على تنفيذ انسحابات جزية عن أراضيها، وتباعد عن تلك الهيمنة وصل حد القطيعة حفاظاً على سيادة البلاد، لكن المشكلة أن واشنطن كبلت مانيلا بمجموعة من الاتفاقيات التي لا يمكنها الخروج منها بسهولة، كما أن أمريكا تحاول اللعب على وتر الجزر المتنازع عليها سياسياً بين الصين والفلبين عبر وعدها بمساندتها في المحافل الدولية.
وما يزال القاسم المشترك يتكرر في كل مشاهد الصراعات أو الاستفزازات التي تحاول واشنطن تأجيجها، بدءاً من حقدها على أي قطب اقتصادي يشق طريقه نحو النشوء أو ينافسها في الأسواق العالمية، أو أي قطب دولي يختار قراره نحو الاستقلال التام بقراره الداخلي والخارجي محاولاً جمع من يشبهه في اصطفاف ضدها، إضافةً لقيامها بإثارة المخاوف لدى حلفائها لتوريطهم في خوض صراعاتٍ أو حتى استفزازاتٍ بالوكالة، وللأسف وبالرغم من وضوح ما آل إليه سيناريو نظام كييف إلا أن بعض الدول ما زالت مغرر بها عبر أنظمتها الموالية للغرب، وتنفذ بكل دقة تعليمات هذا القطب المتخبط أملاً في الوعود الزائفة.