العلاقات الصينية- الأمريكية تدخل مساراً جديداً
ريا خوري
كلّ يوم يشهد العالم تحولاً جديداً في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، حيث أخذ هذا الصراع أبعاداً جديدة تنبئ بمزيد من التدهور، ولا يبدو أن اللقاءات والاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين الجانبين سوف تفضي إلى تهدئة الوضع أو التخفيف من حدّته، على أقل تقدير، بل تدخل العلاقة مساراً جديداً يوحي بأن التنافس الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي مسألة باتت من الماضي، طالما أن لكل بلد نهجه الخاص المختلف مع نهج الآخر في مجال السياسة والاقتصاد والأمن، وطبيعة العلاقات الثنائية والدولية.
لقد كان مأمولاً من معظم دول العالم أن تؤدي القمة التي جمعت بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأمريكي جو بايدن في إندونيسيا، على هامش قمة العشرين، في شهر تشرين الثاني الماضي، إلى وضع حدود وضوابط وأطر متوازنة للعلاقات، بعدما أعربا عن رغبتهما في عدم تحوّل المنافسة إلى صراع يمكن أن يصل إلى حدّ التصادم العسكري، وأن يتمكنا من إدارة القضايا والخلافات بينهما، على أن يستكمل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هذه المهمة بزيارة إلى العاصمة الصينية بكين التي كانت مقرّرة في مطلع الشهر الحالي، لكن جاء حادث إسقاط المنطاد الصيني فوق الولايات المتحدة ليلغي الزيارة، ويضع عقبات غير مبررة في طريق التعاون والمفاوضات.
واليوم تدخل العلاقات بين البلدين مساراً جديداً من التوتر، بعدما اتهمت الولايات المتحدة الصين بأن المنطاد للتجسّس، فيما نفت الصين ذلك وقالت إنه خرج عن مساره وهو في مهمة علمية لها علاقة بالمناخ وتقلبات الطقس. ووسط حالةٍ من تبادل الاتهامات الإعلامية والسياسية الخاصة بموضوع المنطاد الصيني، اجتمع وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الأمريكي بلينكن في العاصمة السويسرية جنيف على هامش مؤتمر الأمن العالمي الذي عقد بداية هذا الأسبوع، لكن من الواضح أنهما لم ينجحا في لملمة الوضع والاتفاق على وضع صيغة تساهم في تذليل العقبات بين البلدين، خاصةً وأن تصريحاتهما قبل اللقاء وبعده تدلّ على دخول مرحلة جديدة من الصراع، إذ عمد الوزير الأمريكي بلينكن إلى الإعراب عن قلقه الكبير من توجّه الصين لتقديم دعم قوي وفتاك إلى روسيا في الحرب الأوكرانية، وحذّر الصين من تداعيات وعواقب تلك المساعدات في حال تبيّن أنها تقدم دعماً مادياً إلى روسيا، أو أنها تساعدها في الإفلات من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
أما وزير الخارجية الصيني وانغ يي فقد حمل بشدة على إسقاط المنطاد الصيني واعتبره هستيرياً، مردّداً القول إنه مجرد منطاد بسيط لأبحاث الطقس والمناخ، وتساءل: السماء مليئة بالمناطيد من عدد كبير دول العالم هل تريدون إسقاطها جميعها؟!.
من الواضح أن الولايات المتحدة لا تنظر بعين الرضا إلى موقف الصين من الحرب الدائرة في أوكرانيا، شأنها شأن بقية الدول التي تتخذ موقفاً محايداً ولم تنخرط في تأييد موقف الولايات المتحدة، وهي بذلك تضيف أزمة جديدة إلى الخلافات والتناقضات بينهما مثل اختلال التوازن في العلاقات التجارية والمالية، وأزمة جزيرة تايوان، ومسألة هونغ كونغ الواقعة على ساحل الصين الجنوبي، والمنافسة في قطاع التكنولوجيا، وفرض ضوابط وقوانين جديدة تحدّ من قدرة الصين على شراء وتصنيع رقائق إلكترونية ذكية عالية الجودة يمكن استخدامها في التطبيقات العسكرية، وذلك في إطار معركة شرسة بين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين من أجل الهيمنة التكنولوجية فائقة الذكاء.