رفع سعر المازوت يضع “التجارة الداخلية” في اختبار المصداقية والوفاء بالوعود
البعث- مادلين جليس
هذه المرة لم تكن الكرة في ملعب الصناعيين، بل سدّدتها الحكومة ومن دون قصد إلى ملعبها، وباتت هي اللاعب والهدف في وقت واحد.
فعلى الرغم من أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بررت الإعلان عن رفع سعر المازوت الصناعي إلى 5400، بضرورة توحيد السعر، إلا أنها لم تكن موفقة في ذلك، بحسب الخبراء، بل وضعت الحكومة في خانة مسؤولية تحمّل نتائج هذا القرار من مراقبة وضبط وتوجيه الوفورات المتحققة من رفع سعر المازوت المدعوم إلى قنوات تصبّ في مصلحة المواطن “كرة الملعب”.
وعود بالتخفيض
وبحسب ما كانت أعلنته الوزارة عبر مكتبها الإعلامي، فإن جميع الفعاليات الاقتصادية، التي تقدم بيانات تكلفة، تقول إنها تشتري المازوت بسعر عشرة آلاف ليرة أو أكثر، وبالتالي فإن تأمين المازوت وفق كلفته الفعلية، والتي تبلغ حالياً ٥٤٠٠ ليرة، سوف تخفض بيانات التكلفة، وبالتالي ستخفض الأسعار ولا ترفعها. وأضافت الوزارة بأن هذا السعر سيتقرر وفق التكلفة الحقيقية كل شهر.
إذن، فنحن -حسب كلام الوزارة- على موعد مع انخفاض أسعار كل السلع والمواد كون ارتفاعها في السابق كان مبرراً بارتفاع بيانات التكلفة أولاً، وبأجور النقل ثانياً.
لكن الأمر بالنسبة للخبراء ليس كذلك، حيث يرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد أن الحديث عن المازوت الصناعي حساس جداً، نظراً لتأثيره الكبير على الاقتصاد وأسعار السلع والخدمات، وقد أظهرت التجارب السابقة أن أسعار السوق السوداء كانت ترتفع، وكانت تجرّ السعر الرسمي للمازوت الصناعي معها للارتفاع، وهو ما حصل هذه المرة مع فارق بسيط، وهو قيام بعض الشركات الخاصة بتوريد المازوت نتيجة الشح في السوق، وتمّ تسعيره بتاريخ 05/ 12/ 2022 بسعر ٥٤٠٠، فيما كان السعر الرسمي من شركة محروقات 3000 ليأتي قرار الرفع الرسمي تحت غطاء توحيد السعر إغلاقاً لباب المتاجرة بالمادة.
تبرير غير موفق
لكن التساؤل المهمّ، برأي د. محمد، والذي لابد من طرحه: هل ستكون وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قادرة على ضبط، أو منع بعض الصناعيين من الحصول على مخصصاتهم من “محروقات” والشركات الخاصة، ومن ثم بيعها بالسعر الرائج في السوق السوداء بأسعار مرتفعة تغنيهم عن القيام بعملهم الأساسي، الأمر الذي يراه البعض منهم “مربحاً أكثر”؟.
وأشار محمد إلى أن “مبرر” توحيد السعر هو أن بعض الفعاليات الصناعية كانت تضطر خلال الفترة الماضية إلى شراء مادة المازوت من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، ما يؤكد أن بيانات التكاليف التي كانت تقدم للوزارة لم تكن صحيحة ولم تكن حقيقية أيضاً. وبالتالي فإن “ضرورة توحيد سعر المازوت الصناعي” بين شركة محروقات والشركات الخاصة، ذريعة غير موفّقة، وكان يمكن الحدّ من تلاعب بعض الصناعيين بطرق أخرى مختلفة.
رفع حتمي
وعلى الرغم من أن حساب التكاليف ليس أمراً بسيطاً -كما يرى الخبير الاقتصادي- إلا أنه ليس مستحيلاً، ويمكن القيام به من خلال إعطاء كلّ شركة أو معمل كمية معينة من المازوت من الشركات الخاصة، وكمية معينة من شركة محروقات، وبالتالي معرفة حجم التوريدات والحاجة للمادة، بحيث يشكل الفارق بينهما حجم الشراء من السوق السوداء، وعلى أساس ذلك يمكن ضبط التكاليف.
ويلفت الخبير إلى أن كل التجارب السابقة أثبتت أن رفع سعر المادة في السوق الرسمية سيؤدي إلى رفعه في السوق الموازية بمعدل أكبر، خاصة وأن الحديث كان يتكرر سابقاً لدى كل الصناعيين، وهو أنه بمجرد توفر المادة لن يكون هناك رفع للسعر.. وهنا يأتي دور الرقابة التي يصفها الخبير الاقتصادي باليد الطولى من خلال قيامها بالتدقيق، والتأكد من كون الصناعيين والمعامل والفعاليات الاقتصادية التي تحصل على المازوت بهذا السعر تستخدمه بما هو مخصّص له، دون أن يكون هناك أية متاجرة أو بيع للمادة.
تخفيض العجز
يضيف د. محمد: إن رفع سعر المازوت سيخفض عجز موازنة الدولة كونه سيخفض حجم الدعم على المشتقات النفطية التي تستحوذ على حصة كبيرة من الدعم. ويختم متسائلاً: إلى أين سيتمّ توجيه الفارق في سعر المازوت؟ كان الحديث سابقاً أن المازوت بسعر 3000 ليرة مدعوم، وتكلفته 5400 ليرة، فكيف سنوجه المبلغ الموفر من الدعم؟.