محمد فوزي.. الفنان الأصيل لا يرحل أبداً
ولد الفنان محمد فوزي في طنطا، أبوه الشيخ “الحو” قارئ القرآن الكريم، صاحب الصوت الرقيق، فلا عجب، إذاً، أن يرث أولاده جميعاً مطربون (هدى سلطان، هند علام، محمد فوزي).
عندما جاء محمد فوزي إلى القاهرة، كان يعلم أن المكان الذي يحاول أن يعرض فيه مواهبه هو أي صالة منوعات، وخشي أن يقصد “صالة بديعة مصابني”، فيصدم بالرفض، لأنه ليس مشهوراً كما توهّم، فلجأ إلى صالة “رتيبة وإنصاف رشدي” التي كانت في ساحة رمسيس، فلم يجد قبولاً فحسب، بل وجد فاطمة رشدي نفسها التي عشقته من أول نظرة، وهكذا بدأ محمد فوزي لمعان النجومية من أول ظهوره، وقد اهتمت فاطمة بشخصه، ولكنها لم تهتمّ بأن تقدمه للسينما خوفاً من أن “يطير الكروان من قفصها”، ولكن “الكروان” الذي لا يطيق القفص طار فعلاً، وحلّق في سماء السينما بدلاً من سقف المسرح، وبقيت فاطمة رشدي حضناً فارغاً من الحبيب، كالقفص الفارع من الكروان.
حياة محمد فوزي في الأقفاص التي دخلها بإرادته كانت سعيدة أثناء وجوده فيها، وبعد خروجه منها، لأنه لم يسبّب لأي قفص متاعب بعد مغادرته له، بل كانت علاقاته كلها مع زوجاته علاقة مودة دائمة، وهذه طبيعة الفنان الحق (عدم جرح المشاعر)، والقدرة على تحويل الحب بأي شكل من أشكاله إلى صداقة وأخوة.
حافظ فوزي بشكل فني رائع على طابع اللحن التراثي القديم بإضافات جديدة هي نسيج محكم، وتركيبة فنية متقنة وطابع أصيل جعل من اللحن وحدة متناغمة يعزّز جديدها قديمها في إبداع ما بعده إبداع. وكان أبرع من قدّم الاستعراضات الغنائية في الأفلام التي كانت من إنتاجه، أو إنتاج غيره، وقد ساعدته على ذلك خفة ظلّه وحسن اختيار كلمات الأغاني المناسبة لهذه الاستعراضات النادرة، وكان يحسن اختيار كلمات أغاني هذه الاستعراضات ويتفنن في تلحينها، حيث تحمل مقاطعها وفواصلها الجمل الموسيقية المناسبة والمتوافقة مع الإيقاع الراقص الضابط لها، وكان مجدداً دائماً في كل أعماله، يساعد مخرج الفيلم على إبداع لقطاته وتصويرها على أكمل شكل، وكان بسيطاً في أغنياته ما ساعدها على الانتشار وإعطائها شعبية كبيرة جعلتها تعيش طويلاً على كل لسان عربي. والغريب أن ألحان وأغاني محمد فوزي ظلت حيّة بل وربما أكثر حيوية مما كانت قبل رحيله، والذي نستطيع أن نقوله: إن الفنان الأصيل لا يرحل أبداً إلا إذا رحلت ذاكرة الاستماع الأصيل مع الزمن غير الأصيل،
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، لقد ترك إرثاً غنائياً مازال باقياً في ذاكرة الأجيال.
رحيم هادي الشمخي