دراساتصحيفة البعث

لا علاقة لأوكرانيا بأزمة الركود التضخمي

هيفاء علي

بينما يواصل الاحتياطي الفيدرالي أسرع دورة لرفع أسعار الفائدة منذ أزمة الركود التضخمي عام 1980، هناك سؤالان رئيسيان يدوران في أذهان الاقتصاديين حول العالم، وهما: متى سيحدث الركود؟ ومتى سيتراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن التضييق؟.

بحسب المحلّل الاقتصادي الأمريكي، براندون سميث، فإن الإجاباة بسيطة ومعقّدة في آن معاً، فقد وصل الركود بالفعل، ولن يتراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي، على الرغم من أنه من المحتمل أن يتوقف عن تشديد السياسة لفترة من الوقت، فالتعريف الفني للركود في الولايات المتحدة هو ربعان متتاليان من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي، وقد حدث ذلك في عام 2022، ما دفع بايدن والاقتصاديين الدمى في وسائل الإعلام الرسمية المهيمنة إلى تغيير التعريف. كما تجاهل الاحتياطي الفيدرالي أيضاً الإشارات الانكماشية طوال العام الماضي، حيث تشير الأدلة إلى أن البنك المركزي وإدارة بايدن حاولوا إخفاء الانكماش بأرقام مزيفة.

خلال السنوات القليلة الماضية، أشار المحلل الأمريكي إلى أن فخ الاحتياطي الفيدرالي المتدرج هو سلاح وليس خطأ في السياسة، وأن المؤسّسة ستدخل مرحلة التشديد النقدي وتواصل رفع أسعار الفائدة، وتقلص الميزانيات العمومية. وقد أثبت هذا التوقع دقته حتى الآن، حيث تشير الأدلة إلى أن عناصر الثقب الأسود المالي قد تمّ إنشاؤها بالفعل.

في السياق، أصدر بنك سانت لويس الفيدرالي بيانات تشير إلى أن الولايات المتحدة تدخل الآن في حالة ركود، وقد تمّ إصدار هذه البيانات قبل حلول العام الجديد ظاهرياً في محاولة لتجنّب المزيد من الاهتمام الإعلامي. كما تأتي هذه الأخبار أيضاً بعد فترة وجيزة من مراجعة بنك فيلادلفيا الفيدرالي لأرقام نمو الوظائف للربع الثاني، وخفض مليون وظيفة من تقديراته الأصلية.

ربما أخطأ الاحتياطي الفيدرالي عمداً في الإبلاغ عن نمو الوظائف، لأن البنك المركزي يريد الاستمرار في تشديد السياسة النقدية، ويحتاج إلى أرقام إيجابية لتبرير رفع أسعار الفائدة. والسؤال الذي يجب طرحه الآن هو لماذا تصرّ المؤسسة بعد أكثر من عقد من المال السهل والتيسير الكمي على تفجير الفقاعة الآن؟.

لا إجابة على هذا التساؤل، ولكن يمكن القول إن الانهيار سيكون مذهلاً، ومن المرجح أن يبدأ هذا الحدث في التسارع في شهر آذار المقبل بعد وقت قصير من وصول بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى سعر فائدة بنسبة 5٪. هل هذا يعني أن البنك المركزي سيعود إلى إجراءات التحفيز؟. لا، ليست هذه هي القضية، إذ يعتقد المحلل الأمريكي أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيوقف رفع أسعار الفائدة نحو 5٪ لفترة من الوقت، لكن التحفيز لن يعود مرة أخرى. كما لا يعني التوقف المؤقت في الارتفاعات أنها لن تستأنف التشديد إذا ظلّ التضخم مرتفعاً، ذلك أن هدف التضخم الرسمي للاحتياطي الفيدرالي هو 2٪، وهو هدف لايزال بعيداً.

إن كمية الدولارات المتداولة في جميع أنحاء العالم هائلة، والتضخم لن يختفي في أي وقت قريب، فعلى سبيل المثال، شهد سوق الإسكان في الولايات المتحدة ما لا يقلّ عن 10 أشهر متتالية من انخفاض المبيعات بسبب ارتفاع المعدلات، ومع ذلك لا تزال قائمة الأسعار مرتفعة بشكل غير عادي. كما يعاني كلّ قطاع من قطاعات السوق الاستهلاكية تقريباً من اختناق الأسعار المرتفعة، كما أن أسعار الفائدة المرتفعة لم تفعل شيئاً يذكر لخفضها. لذلك، تسبّب بنك الاحتياطي الفيدرالي في أزمة الركود التضخمي في المقام الأول، والآن أصبح “حلهم” جاهزاً لجعل الأمور أسوأ، فالبنك المركزي يتسبّب عمداً في أزمة اقتصادية، وكل أفعاله تدعم هذه النظرية وقد اعترف صندوق النقد الدولي بأن 30٪ على الأقل من العالم على وشك الدخول في ركود في عام 2023، وأن السيناريو سيكون “أصعب” من العام الماضي.

ليس من المستغرب أن صندوق النقد الدولي لا يزال يحاول إلقاء اللوم على وباء كورونا والحرب في أوكرانيا لتبرير التطورات الاقتصادية التي تتحمّل البنوك المركزية، والحكومات الفاسدة المسؤولية الكاملة عنها. مع العلم أن هذا النوع من الكوارث لا يحدث في غضون عام أو حتى عامين، بل في بعض الأحيان يستغرق الأمر عقداً أو أكثر لتضخيم الفقاعة المالية الضخمة التي أبقت الأسواق في عام 2020، ويتطلّب الأمر تخطيطاً استراتيجياً لتفجير تلك الفقاعة بطريقة تتزامن مع حرب إقليمية، ولا علاقة لأوكرانيا بالتطورات الاقتصادية الحالية، إذ بدأت أزمة الركود التضخمي قبل وقت طويل من اندلاع الحرب، ولا علاقة لأزمة كورونا بالأزمة المالية أيضاً، بل تدرك المؤسّسة المصرفية جيداً منذ سنوات أن هناك تراجعاً كبيراً، لكنها اختارت التحدث عنه علناً في اللحظة الأخيرة فقط، بحسب المحلل.