بعد عام من الحرب الأوكرانية.. ماذا بعد؟
سمر سامي السمارة
انقضى عام على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة التي حرّض عليها الغرب. وقد وصف هذا العام بأنه عام المواجهة الصعبة بين روسيا والغرب الذي توحّد لـ”إلحاق هزيمة إستراتيجية ساحقة بموسكو”، كما صرّح بذلك مسؤولون كثيرون في الولايات المتحدة وأوروبا وحلف شمال الأطلسي.
لم يعد خافياً على أحد أن تفاقم الوضع في أوكرانيا، فضلاً عن عودة النازية الجديدة هناك، قد اختاره الغرب منذ عام 2014 لشنّ حرب غير مباشرة ضد روسيا على حساب أرواح المدنيين الأوكرانيين، كما لم يعد خافياً، أيضاً، أن تعاون موسكو لإيجاد حلّ سلمي للنزاع في أوكرانيا من خلال “اتفاقيات مينسك”، لم يتمّ تجاهله من قبل الغرب فحسب، بل تمّ استخدامه لضخ المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، وزيادة إمكاناتها العسكرية لتعميق الصراع المسلح، وإمكانية الاستيلاء على الأراضي الروسية، الأمر الذي أكدته علناً ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، الدول التي تدّعي أنها “ضامنة السلام في أوكرانيا”!.
من خلال تاريخه الإجرامي، لم يكشف الغرب لموسكو فحسب، بل للعالم أجمع، قبل بدء العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، عن وجهه العدواني الصريح، وتجاهله التام للاتفاق، ما يثير الشكوك حول إمكانية أي اتفاق للتوصل إلى حلّ سلمي للنزاع الأوكراني الحالي في ظل هذه الظروف. وكان واضحاً للجميع منذ فترة طويلة أن الغرب غير قادر على التوصل إلى اتفاق، ويكفي الإشارة إلى نتائج الحرب العالمية الثانية، حين شنّ “الموقعون” الغربيون نفسهم حرباً أيديولوجية على موسكو بعد تحقيق السلام.
كما ظهر هذا العجز نفسه مؤخرا،ً من خلال سلوك “زعيمة العالم الغربي” عندما دمر الرئيس السابق ترامب، الاتفاقية الدولية متعدّدة الأطراف مع إيران بشأن برنامجها النووي، والتي وقع عليها أيضاً الجانب الأمريكي.
ومع ذلك، لم يبدِ حلفاء واشنطن الغربيون أي اعتراض على قرارات الرئيس الأمريكي، إذ لا يجرؤ أي من القادة الغربيين اليوم، وكبار ساسة الاتحاد الأوروبي على انتقاد واشنطن، لكنهم يردّدون يومياً ما يسمح لهم البيت الأبيض بترديده. وبالمثل، لم يتفاعل أي من القادة الغربيين، دون “موافقة” واشنطن، مع مبادرات موسكو للسلام، في أواخر عام 2021، والتي كان من الممكن أن تمنع الأعمال العدائية الحالية فوق الأراضي الأوكرانية والخسائر البشرية الفادحة.
وبحسب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لقي أكثر من 3000 مدني مصرعهم خلال سنوات النزاع المسلح في دونباس قبل عملية موسكو الخاصة في شرق أوكرانيا. وفي عام 2014 وحده، وفقاً لبعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة، قُتل 2082 شخصاً، وأصيب أكثر من 4000 مدني من الأطفال والبالغين في الأراضي التي أعلنت الاستقلال عن نظام كييف الإجرامي.
كانت نتيجة رفض الدول الغربية لمبادرات السلام مع موسكو في عام 2021، استمرار النازيين الجدد في قتل المئات من المدنيين الأوكرانيين، من بينهم عدد كبير من المواطنين الروس، الذين تقع مسؤولية سلامتهم ومنع العدوان المسلح ضدهم على عاتق السلطات الروسية بموجب القانون الروسي، دون عقاب في شرق أوكرانيا، ومع ذلك، وحّدت الولايات المتحدة الغرب في مهاجمة روسيا والسعي إلى فرض عقوبات غير قانونية.
وبحسب “بلومبرغ”، فإن التكلفة التقديرية للمواجهة بين الدول الأوروبية وموسكو تبلغ تريليون دولار، وخاصة مع وجود الآلاف من تدابير العقوبات القائمة. ففي عام 2022 فقط، أصدر الاتحاد الأوروبي تسع حزم من العقوبات.
وبحسب محللين أمريكيين، فإن اقتصادات المملكة المتحدة وألمانيا هي الأضعف بين الاقتصادات الضالعة في هذا الصراع، حيث قدّرت وزارة المالية الألمانية، أن خسائر شركة “يونيبر” وحدها، تجاوزت الـ50 مليار دولار. كما أدت أزمة الطاقة التي فرضتها واشنطن من أجل الاستيلاء على سوق الغاز الروسي في أوروبا، وما أعقبها من أزمة مالية واقتصادية، إلى إفلاس الآلاف من المصنّعين الأوروبيين ودفعت الملايين من المواطنين لمواجهة الفقر.
في الوقت نفسه، وفقاً لما يتفق عليه العديد من المحللين ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية، فإن الصراع في أوكرانيا يثري الولايات المتحدة، وخاصة الدوائر الصناعية العسكرية الأمريكية، فقرار واشنطن بإرسال المزيد من المعدات العسكرية والذخيرة إلى أوكرانيا يجبر “المصدّرين” الأوروبيين لهذه الأسلحة على زيادة الإنفاق على أسلحة إضافية من الولايات المتحدة نفسها، وذلك على نفقة الميزانية الوطنية والتخفيضات في البرامج الاجتماعية الأوروبية. وفي هذا الصدد، أصبح المسؤولون الأوروبيون في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما المتمتعين بالحماية الأمريكية، مثل رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين، والممثل السامي للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل فونتيل، “مروّجين” نشطين لسياسة الولايات المتحدة.
بصرف النظر عن الإثراء اللا محدود على نفقة أوروبا، فإن سياسة البيت الأبيض في عسكرة الأحداث تعتبر سبباً رئيسياً في تفاقم حدة الأزمة في أوكرانيا، الأمر الذي تسبّب بمصرع عشرات الآلاف من المدنيين والجنود الأوكرانيين.
حتى اليوم، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الصراع في أوكرانيا هو أكبر صراع عسكري في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، لا يزال من الصعب تحديد حجم الكارثة من حيث عدد القتلى والمصابين في المعارك. وبحسب البنتاغون، قُتل أو أُصيب أكثر من 100000 جندي من القوات المسلحة الأوكرانية خلال العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وفي عام 2022، أنفقت الدول الغربية بالفعل ما يقدّر بنحو 150 مليار دولار على المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ومع ذلك، على الرغم من كلّ هذه الخسائر البشرية والمالية والاقتصادية، تواصل الدول الغربية، التابعة لإملاءات واشنطن، دعم نظام كييف الإجرامي، وإمداده بمزيد من الأسلحة والذخيرة.
حتى وقت قريب، اقتصر ردّ روسيا على سياسة العقوبات الغربية العدوانية، على الردّ بعقوبات ضد الدول المعادية. ومع ذلك، يرى المراقبون أن الوضع تغيّر مؤخراً، وأصبح من الضروري الآن بشكل موضوعي أن تفرض روسيا عقوبات مبادرة على المحرّضين على الصراع في أوكرانيا.