ماكرون يحاول حجب الشمس بالغربال مجدّداً
تقرير إخباري:
رغم التراجع الحاد لفرنسا وقوى الغرب الأطلسية في القارة الإفريقية، الذي تعدّدت أسبابه وتنوّعت وفي مقدمها زيادة وعي شعوب تلك القارة، وإدراكهم أن الوقوف مع هذه القوى ينافي كل مبادئ الوطنية، بعد انكشاف استراتيجيتهم القائمة على التحالف غير المتكافئ مع الدول لنهب خيراتها بحجة المحافظة على أمنها واستقرارها السياسي والعسكري والاقتصادي، ولم يُثمر سوى مزيد من الغرق في مستنقع الإرهاب والأزمات، نلحظ الآن سعياً حثيثاً لباريس إلى التشبّث بالقارة مجدّداً رغم لفظها رسمياً وشعبياً.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيقوم بجولة إلى الكونغو، والكونغو الديمقراطية، والغابون، وأنغولا، وكأنه يحاول نفي الواقع وعدم تصديقه في أن الاستعمار الفرنسي ذهب إلى غير عودة، مدّعياً أنه سيطرح استراتيجيةً جديدة، ومحاولاً التسويق لفرنسا مغايرة لتلك الاستعمارية الراسخة في أذهان الشعوب، وفي الوقت نفسه تصوير روسيا ونفوذها في إفريقيا على أنه نوع من الاستعمار الجديد، مع العلم أن ثلاثة من تلك الدول التي سيزورها ماكرون “باستثناء الكونغو الديمقراطية” رفضت التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يطالب بانسحاب روسيا من أوكرانيا.
ويدّعي الرئيس ماكرون في استراتيجيته أيضاً أنه سيقيم شراكة اقتصادية مع دول إفريقيا تحت عناوين برّاقة مثل “الحفاظ على المناخ، والحفاظ على غابات حوض الكونغو، وتطوير المشاريع الزراعية”، وبالطبع يخفي غاياتٍ أخرى من أهمها منافسة روسيا، والرغبة في نهب النفط والغاز، والمعادن الثمينة التي تستخدم في صناعة الرقائق، وغيرها من ثروات تلك القارة.
كذلك ينافس ماكرون الصين وحتى الدول العربية، بل أية دولة تريد إقامة علاقات عادلة ساعية لتنمية إفريقيا بشكل حقيقي.
إن ما يزيد من شعور فرنسا بالخطر هو خسارتها جلّ قواعدها العسكرية في القارة السمراء، وخاصةً بعد الفشل الذريع لـ”عملية برخان” في بوركينا فاسو والساحل الإفريقي عموماً، وما تبعه من مظاهراتٍ شعبية مناهضة لفرنسا ووجودها، ومطالبة بدخول القوات الروسية وقوات فاغنر إلى البلاد للوقوف معها ضدّ خطر الإرهاب التكفيري المستشري بفعل ممارسات فرنسا وشركائها من المخابرات الغربية.
من جهةٍ أخرى، فرنسا قلقة من المنافسة الأمريكية لها ضمن القارة رغم أن الأخيرتين قلقتان من تعمّق الشراكات الصينية الإفريقية والروسية الإفريقية، ولاحظنا كيف سارعت واشنطن إلى عقد قمة أمريكية إفريقية كما حذرت رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى من التعاون مع قوات فاغنر، وما تبع ذلك من قيام دول الاتحاد الأوروبي “وبإيعاز من واشنطن” بفرض عقوباتٍ بحقّهم بذريعة قيامهم بانتهاكاتٍ في إفريقيا، رغم كل ما تحظى به تلك القوات ومجموعاتها الاقتصادية من دعم وتأييد رسمي وشعبي.
إن جميع هذه التحرّكات الفرنسية والغربية يوماً بعد يوم تعرّي حقيقة السياسة الغربية ونظرتها للشعوب الأخرى على أنها أدنى منها، فالرئيس الفرنسي في هذا الوقت تحديداً يحاول الهروب من أزماته الداخلية المشتعلة إبان الحرب الأوكرانية محاولاً التوسّع كغيره من الدول الغربية المأزومة، وفي طليعتها ألمانيا التي زار مستشارها، أولاف شولتس، مؤخراً أنغولا، باحثاً عن “موطئ قدم لنهب ثرواتها”، كما نلحظ التركيز الفرنسي والأطلسي الشديد على وسط القارة السمراء لإنشاء ما يعتقدون أنه سدّ في مواجهة التمدّد العسكري الروسي، والاقتصادي الصيني في القارة، الذي من شأنه تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدى تلك الشعوب، ما يجعل إعادة استعمارها غربياً أمراً مستحيلاً.
بشار محي الدين المحمد