الزلزال “ينبش” ملف مخالفات البناء من إدراج المتواطئين
البعث الأسبوعية- رفعت الديك
قفز ملف الأبنية المخالفة إلى الواجهة بعد أن كان طي النسيان أو طي التناسي إلا أن فاجعة الزلزال وما خلفه من كوارث جعلت من الضروري فتح هذا الملف وإن كانت السيطرة عليه شبه مستحيلة لجهة إعادة الأمور على ما كانت عليه ولكن يبقى من الضروري السيطرة على القادم من المخالفات ومنعها
ورغم أن الهزات الأرضية كانت خفيفة في السويداء وغير مخيفة إلا أنه وجدنا حالة حراك في أروقة المجالس المحلية والتي بدأت تتحسس خطر مخالفات البناء التي أغلقوا أعينهم عنها لعدة سنوات وبدأت الأصوات تعلو مطالبة بفتح هذا الملف.
تشويه بصري
في صورة بانورامية واحدة لمدينة السويداء يجد المشاهد مدى التشويه البصري الذي أصاب المدينة جراء مخالفات البناء التي “فقست” خلال سنوات قليلة حيث شهدت المدينة وفي غيرها من مناطق المحافظة خلال السنوات القليلة الماضية حركة عمرانية كبيرة داخل وخارج المخططات التنظيمية، هذه الأبنية المخالفة الطابقية والبرجية والتي وصل عددها إلى ٢٣٠٠ مخالفة أدت إلى خلل في النسيج العمراني للمدينة، ويمكن أن تشكل خطراً على المواطنين القاطنين فيها كونها لم تخضع للإشراف الهندسي، ونشير هنا إلى الأبنية التي قصد أصحابها من ورائها الاتجار بها كيفما كان غير آبهين بما تشكله من خطر وهمهم الوحيد جني المزيد من الأموال والأرباح، والمتابع لهذا الموضوع يرى أنه لا تكاد تخلو حارة من حارات مدينة السويداء أو زاوية من زواياها إلا وأذرع تجار الأزمات قد امتدت إليها بهدف تحقيق أمانيهم البنائية. إن هذه الأبنية المخالفة تعوق توسع المخططات التنظيمية للمدن، إضافة لإعاقتها أيضاً دراسة البنى التحتية مثل الطرق والصرف الصحي وخطوط التوتر وشبكات المياه والهاتف إذا ترك تجار الأزمات يسرحون ويمرحون كما يحلو لهم وفسح المجال أمامهم لاستباحة ما تبقى من أراض غير معدة للبناء سيكون له منعكسات سلبية على المواطن بالدرجة الأولى، وثانياً تفريغ نظام الضابطة من مضمونه كونه أصبح غير معمول به من قبل هؤلاء المخالفين لقانون البناء أولا ولضابطة البناء ثانيا.
يشير هنا رئيس لجنة قمع المخالفات في مجلس مدينة السويداء المهندس بشار أبو علوان إلى أن مخالفات البناء وصلت العام الفائت إلى 40 مخالفة بناء ليصبح مجموع المخالفات المرتكبة منذ بداية الأزمة ولتاريخه 2300 مخالفة، حيث نظمت بحق أصحابها الضبوط القانونية اللازمة، و بالتالي إحالتها على القضاء
مشيراً إلى أن المجلس قام بحصر جميع المخالفات المرتكبة، وقد تمت إحالة أضابيرها كلها للقضاء المختص، وتم الفصل بعدد من القضايا والتي على أساسها ستتم تسوية أوضاع أصحابها لوجود بعض المخالفات غير قابلة للتسوية، عدا عن ذلك فقد قام المجلس بوضع إشارات منع تصرف للمخالفات غير القابلة للتسوية،وإشارات حجز للمخالفات القابلة للتسوية.
أبنية هشة
يردد الكثيرون بأن الأبنية المقاومة للزلازل غير موجودة في سورية، ولكن عندما نجد أبنية تفقس بين ليلة وضحاها متجاوز منشئيها كافة الأنظمة والقوانين الهندسية هنا لا تتحدث عن مقاومة الزلازل بل هي غير قادرة على مقاومة عاصفة ثلجية
يرى هنا نقيب المهندسين في السويداء حسان فهد أنه حتى هذا التاريخ لم يتم التعامل مع مخالفات البناء في المدينة بالشكل الصحيح وخاصة أن كثيراً منها جرى تشييدها من دون إشراف من نقابة المهندسين أو العودة لها، الأمر الذي يشكل بالمطلق خطراً كبيراً على حياة المواطنين المقيمين في هذه الأبنية لعدم سلامتها الإنشائية.
وأشار إلى أن عشرات الأبنية البرجية المخالفة اكتسحت ساحة المدينة إضافة لعدم تقيدها بعدد الطوابق وبمرائب السيارات على الإطلاق وهو مخالفة صريحة لنظام ضابطة البناء ومنهم أيضاً من اعتدى على الأملاك العامة، إضافة لافتقاد الأبنية جميع المواصفات البنائية والهندسية، فمعظمها بنيت بأيدي نجاري البيتون الذين أغلبهم غير منتسب لنقابة المقاولين، فهذه المخالفات جاءت بسبب استغلال الأزمة التي تمر بها البلاد، الأمر الذي أبقى أضابيرها البنائية خالية تماماً من التراخيص النظامية التي تخولهم بالبناء.
وهذا الأمر فرض واقعاً إنشائياً ينذر بكارثة حقيقية في حال حدوث أي زلزال في المنطقة (لا سمح الله)، وخاصة أن ارتدادات الزلزال الذي ضرب البلاد أدت إلى حدوث تشققات في كثير من البيوت والمباني القديمة منها والمشيدة حديثاً بحسب إبلاغات بعض الأهالي للنقابة والطلب بالكشف الحسي على تلك الأبنية، مؤكداً ضرورة التنسيق بين النقابة والمحافظة لتشكيل لجان مختصة للكشف على الأبنية وخاصة المخالف منها وإجراء التجارب على تلك الأبنية للضرورة.
ولفت فهد إلى أن المخالفات التي تم تشييدها على أرض مدينة السويداء تصنف كالتالي: مخالفات مرتكبة قبل صدور المرسوم التشريعي رقم /٤٠/ لعام ٢٠١٢ وهي قابلة للتسوية، ومخالفات مرتكبة بعد صدور هذا المرسوم وتلك المخالفات غير قابلة للتسوية على الإطلاق، والمسألة المهمة التي لم يغفلها فهد أن متعهدي الأبنية المخالفة لم يتوقفوا عند مخالفتهم للأنظمة والقوانين الناظمة للبناء، فقد عمد الكثيرون للتجاوز على الأملاك العامة وتلك المخالفات غير قابلة للتسوية.
المقاولين أبرياء حتى..
قد يكون متعهدو البناء هم المتهم الأول في تلك المخالفات وما يترتب عليها من آثار ليس آنية فحسب فهي جريمة لا تسقط بالتقادم كباقي الجرائم ولها أثر رجعي حتى لو بعد حين إلا إذا كان هناك تواطؤ بين المقاولين والبلديات لإخفاء معالم الجريمة أو التخفيف منها عبر حصرها بالوجيبة أو ضابطة بناء أو تعدي على أملاك الدولة دون النظر في الحالة الإنشائية لها ويتم الاكتفاء بتسوية أو غرامة مالية.
يقول نقيب المقاولين في السويداء نبيل زين الدين إنه قبل تاريخ 17/10/2022 نقابة المقاولين غير مسؤولة عن أي بناء مخالف أو تمت إشادته بشكل عشوائي ساحة المحافظة لأنه لم يكن لنقابة المقاولين صفة شرعية لمتابعة موضوع الرخص مع نقابة المهندسين ومجالس المدن والبلدات، إلا أنه بعد ذلك التاريخ وبناء على توصية من نقابة المقاولين جاء قرار رئاسة مجلس الوزراء أن يكون للنقابة الدور الفعال بأي بناء سيتم تشييده بحيث لا يحق لأي مقاول مزاولة المهنة ما لم يكن مسجلاً في أحد فروع النقابة على ساحة المحافظات، وذلك لضمان سير العمل بأي مشروع منذ لحظة الحفر وإنشاء القواعد حتى الإكساء، حيث تم إرسال كتاب بهذا الخصوص إلى محافظ السويداء ومجالس المدن والبلدات للتعاون بهذه القضية.
وأشار زين الدين إلى أنه بعد ذلك القرار أصبحت النقابة مسؤولة عن أي بناء يتم تنفيذه من أي مقاول وليس الأبنية التي يتم تنفيذها من المتعهدين غير المنتسبين إلى النقابة أو المهندسين المصنفين مع ضرورة الفصل بين المقاول والمتعهد لأن النقابة تبدي مسؤوليتها عن أعمال المقاولين المنتسبين إلى النقابة فقط، ويمتلكون أوراقاً ثبوتية تؤكد انتسابهم إلى النقابة وما دون ذلك فإن المسؤولية تقع على مجالس المدن والوحدات الإدارية حصراً.
زلزال الفساد
إذاً أصبح اليوم مناسباً لفتح ملف مخالفات البناء بشكل جدي وفعلي ليس فقط بتنظيم الضبوط وتكديسها في الإدراج بل لوضع آلية حقيقية لمعالجة هذا الملف الذي ينذر التساهل فيه بويلات قادمة لا محالة فالهزات الأرضية وان كانت لم تحدث انهيارات في مدينة السويداء إلا أنه خللاً أصابها بدون أدنى شك ينذر بضرورة المعالجة قبل وقوع كارثة تجعل قاطنين تلك الأبنية يقعون في المحظور.