مجلة البعث الأسبوعية

الفرق المتخصصة كشفت فساد التنفيذ في مباني جبلة

“البعث الأسبوعية” ــ فداء شاهين

أيقظت الزلازل العديدة متنوعة الدرجات التي ضربت البلاد وراح ضحيتها الآلاف من الأطفال والرجال والنساء وشردت الملايين، مشاعر الخوف والذعر والقلق من تكرار الهزات الشديدة التي كانت حديث الساعة لجميع الناس، كبيرهم وصغيرهم، لجهة مصير أبنيتهم، وهل تصمد وتتحمل ارتجاج وتأرجح الزلازل، سواء المناطق المرخصة منها أو التي تعج بالمخالفات، لتطرح تساؤلات عن أسباب انهيار الأبنية في مناطق معينة أكثر من مناطق أخرى، وخاصة أنه ليس خافياً على أحد أن تجار البناء نشطوا في السنوات الأخيرة قبل الحرب بشكل كبير حتى أن “التعهدات” أصبحت الطريق السريع للبعض للغنى وجني المال على حساب أمان الأبنية وحياة القاطنين.

 

أعمدة خلبية وتقارير

ولم تخف عميد المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية الدكتورة هالة حسن الوضع المأساوي للأبنية التي كشفت عليها مع فرق جامعة دمشق لتقييم المباني المتضررة في منطقة جبلة (الرميلة، العسالية )، وخاصة أنها مناطق زراعية تحوي عدة أنهار ونسب عالية جداً من المياه الجوفية، وبالتالي لا تصلح للسكن، إلا أن قسما كبيرا من الأبنية حصل على موافقات وتراخيص وشيدت الأبنية بزمن قياسي على طول الطريق وبحسب المعنيين في المنطقة أن الأبنية نظامية بما يسمى على الشيوع.

أما التجاوزات والإشكاليات الأخرى – بحسب حسن – في عدد الطوابق العالية، والبناء المتصل ببعضه، فلا مجال لفاصل زلزالي “تمدد”، فالموجات الزلزالية عندما تصل إلى الأرض تحدث ثلاث مركبات: اثنتان أفقيتان تؤثران على المنشأة، أما الشاقولية فتؤثر على الأساسات. وبالرغم من وجود الرخصة الموافق عليها من قبل نقابة المهندسين والمدققة من اللجان الزلزالية، إلا أنه يتم اختصار التنفيذ على أرض الواقع، وتجاهل الاشتراطات الزلزالية بهدف توفير 30 %.

وتابعت حسن: المنطقة الواحدة كشفت سوء التنفيذ بوجود بعض المباني التي بقيت قائمة ولم تنهار فجملتها الإنشائية جيدة، وبالقرب منها أبنية أخرى انهارت وتهدمت ويعود ذلك إلى الجملة الإنشائية التي تختلف بين متعهد وآخر، والخطر في التعديلات التي أدخلت على البناء بتحويل البلكون إلى غرفة وبالتالي التسبب بأحمال زائدة على المبنى، كما أن الأعمدة كانت مبنية من البلوك وليس من الأسمنت المسلح، وهنا الكارثة مع وجود أعصاب متعرجة غير منتظمة، إضافة إلى الغش في الخلطة الأسمنتية التي قد تكون جبلت بأسمنت منتهي الصلاحية، وتمت مشاهدة أدراج لأبنية جديدة في منطقة العسايلة غير آمنة انكسرت بالسكان الذين كانوا يريدون النجاة من المبنى، إضافة إلى التأسيس من دون الوصول إلى الترب الصلبة، مع إضافة طوابق مخالفة، وكذلك تسليح تثبيت الأعمدة بقضبان من 6 ملم و10 ملم، وهي غير مخصصة للتثبيت، بل هي أساور توضع على قضبان التثبيت فقط. والمستغرب أنه في بعض المناطق، بيع تقرير ميكانيك التربة 2.5 (مقاومة التربة) الذي هو جاهز على الورق لمن يريد شراؤه بينما لا تتحمل التربة على أرض الواقع، خلافاً للمعلومات المباعة في التقرير، وكذلك لم تسلم الأبنية الحكومية منها.. وبناء وحدة استصلاح الأراضي حصل فيه انهيار على القص، وأعلى العمود وميلان، ولا يمكن تدعيمه ويجب هدمه.

 

دراسات خلبية

وأشارت حسن إلى أن مقاومة الزلازل تتطلب التسليح والتثبيت بقضبان الحديد بالاتجاهين، وأن تكون هناك دراسة جيولوجية للمناطق السكنية، فلا يوجد رقابة على تنفيذ البناء في ظل العدد الكبير للمتعهدين، ويصبح المهندس والمواطن الحلقة الضعيفة، وتمارس الضغوط على المهندس في حال اعترض ما على سوء التنفيذ، فيتم استبداله من قبل المتعهد، والمفروض أن يكون هناك رقابة شديدة على التنفيذ ولا تكون الدراسات الزلزالية خلبية، ومن الواضح أنها كانت في معظمها خلبية على الواقع، أما على المخططات فهي نظامية، ومن المفروض بناء المناطق التنظيمية على موقع يصلح للبناء وخاصة أن التربة المشبعة بالمياه غير صالحة للبناء، وتؤدي إلى انهيار سريع في البناء.

 

زلازل على مدار الساعة

وأوضح رئيس قسم الزلازل في المعهد، ومدرس في قسم الجيولوجيا في جامعة دمشق، الدكتور محمد داود، أن الزلازل تحدث في سورية ليلاً ونهاراً حتى من قبل زلزال 6 شباط، ولكن هي دون مستوى الشعور البشري، وأقل من 4 درجات، وحتى الزلازل التي رافقت النشاط الزلزالي في تركيا تحرضت عنها في لبنان وعلى الساحل السوري، ولم يشعر بها سوى سكان المناطق الشمالية.

والنشاط الزلزالي ما دون 4 درجات موجود شبه يوميا، وهو غير متركز بمنطقة معينة، ويتوزع من جنوب سورية إلى شمالها، وهذا مؤشر يستوجب من المؤسسات الحكومية النظر به للتخفيف من آثار الكارثة بتدقيق عمليات البناء. فحتى في المناطق التي يحصل فيها ترخيص، يصمم المبنى 4 طوابق فيصبح 8 طوابق، كما يجب الالتزام بالرخصة، ولكل موقع جيولوجي خواص مختلفة عن الموقع الآخر، والمشكلة ليست في الزلزال بل في الإنشاء.

وهناك في الأراضي السورية – بحسب داود – مجموعة من البنيات الجيولوجية النشطة زلزالياً والتي تسمى بالصدوع، أهمها منظومة صدوع البحر الميت التي تبدأ من خليج العقبة وتتجه شمالاً حتى الأراضي التركية، وتلتقي في جنوب شرق تركيا مع ما يسمى بصدع شرق الأناضول، وتلتقي أيضا في تلك النقطة مع صدع شمال الصفيحة الأفريقية الذي يمر بقبرص واليونان، ويكمل شرقا حتى جنوب الأراضي التركية وهو ما يسمى بالقوس القبرصي.

إذا لدينا في سورية ثلاثة بنيات تكتونية نشطة (منظومة البحر الأحمر، والقوس القبرصي، وصدع شرق الأناضول) تلتقي جميعها في المنطقة الشمالية الغربية من شمال اللاذقية باتجاه الشمال لواء اسكندرون حتى أضنة، ديار بكر، وغيرها، وتشكل شمالاً سلسلة جبال طوروس، وهذه الجبال ناتجة عن تصادم الصفيحة العربية المتجهة شمالاً والصفيحة الأفريقية بالصفيحة الأوراسية التي تشكل تركيا الجزء النشط زلزالياً منها، فهي محدودة جنوباً بصدع شرق الأناضول وشمالاً بصدع شمال الأناضول الذي يمتد من الحدود التركية الإيرانية، وحتى اسطنبول الذي حدث عليه الزلزال المدمر في مدينة ازمير عام 1999.

وبين داود أن جميع المناطق الجبلية مرتبطة بوجود صدوع زلزالية نشطة وهذه ظاهرة على مستوى العالم وهي أكثر مناطق العالم نشاطاً بشرياً، أما في وسط سورية فهناك السلسلة التدمرية التي تشكل نطاق طي تدمري مخلع تكتونياً زيحتوي على أنواع مختلفة من الصدوع ويظهر نشاطا زلزالياً خفيفا حتى بين الفترة والأخرى، وكان أكبر زلزال سببه هذا النطاق التدمري عام 1996، في ليلة عيد الميلاد، وكان قدره 5,4 درجات، أما في الوسط تأتي منظومة صدوع نهر الفرات وفي الشمال الشرقية بنية جبل عبد العزيز سنجار، وهذه أهم البنيات التكتونية النشطة زلزالياً في سورية وعليها يتركز 95% من النشاط الزلزالي المستمر، إضافة إلى صدوع مرافقة لها متعامدة، موازية، مائلة عليها، منها صدوع الزبداني، سرغايا، راشيا، بيروت، حاصبيا، الكرمل، الهرمل في فلسطين، حيث أن هذه الصدوع ناتجة عن الحركة الكبيرة التي أدت إلى تشكل الأغوار والانهدامات من خليج العقبة والسلاسل الجبلية في المنطقة الشمالية.

 

تباعد سنوي

وتابع داود: هذه الصدوع نشطة زلزالياً، وإذا نظرنا إلى خريطة الرصد الزلزالي التي يعدها المركز، سنجد أن هناك صدوعا نشطة متحركة باستمرار، وسبب هذا النشاط هو التصدع الكبير في وسط البحر الأحمر والذي يسمى “صدوع التباعد” تؤدي إلى تباعد الصفيحة الأفريقية عن الصفيحة العربية بمقدار 4 سم سنوياً في كلا الاتجاهين: 2 باتجاه الجزيرة العربية و2 باتجاه الصفيحة الأفريقية، وهذه الحركة تصل إلى البنيات النشطة في سورية الطبيعية (الأردن، فلسطين، لبنان، سورية)، وتتخامد هذه الحركة من 2 سم سنوياً في جنوب شرق السعودية واليمن إلى 1.5 ملم سنوياً على امتداد مجموعة صدوع البحر الميت. وهنا فإن الانهدام الرئيسي إضافة إلى صدوع الزبداني وسرغايا وراشيا واليمونة وصدع بيروت كلها تتحرك بين 1 و1.5 ملم سنوياً باتجاه الشمال، وهذه الحركة الدائمة تؤدي إلى تراكم إجهاد على طرفي الصدوع تختزنه الصخور ما دامت قادرة على ذلك، وعندما تتجاوز الطاقة المخزنة حد الاحتمال للصخور تتحرك كتلتا الصدع بشكل مفاجئ مؤدية إلى حدوث زلزال. ويتفرغ عن ذلك جزء كبير من الطاقة، ولكن 80% من الطاقة المحررة نتيجة الحركة الزلزالية تذهب على شكل احتكاك حراري بين الصخور، و20% فقط منها ينتشر على شكل أمواج زلزالية في كلا الاتجاهات يؤثر على النشاط البشري والمنشآت والأراضي الزراعية، وهذا سبب وجود الحركة المستمرة والنشاط الزلزالي في المنطقة، وما دام البحر الأحمر في توسع فالنشاط الزلزالي في تشكل.

وأشار داود إلى أن زلزال تركيا مرتبط بالبحر الأحمر لأن الطاقة تدفع على الصفيحة العربية باتجاه الصفيحة الاوراسية وتشكل زلازل طوروس، ونتيجة الضغط الكبير على الصفيحة الأوراسية، وتركيا جزء منها، تتحرك شبه الصفيحة التركية باتجاه الغرب لذلك يوجد نشاط زلزالي كبير جداً وتصدعات في بحر ايجة واليونان وقبرص وتلك المناطق.

ولفت إلى أن هذه البنيات ضمن سورية كانت نشطة سابقاً عبر التاريخ منذ 1500 سنة، وهناك دراسات وتقارير رسمية وصفت الزلازل في سورية، وعلى الأقل حصل 20 زلزالاً كانت شدتها الزلزالية بحدود 10 درجات، أو ما يسمى بالقدر الزلزالي ما بين 7 و7.2، و7.3. فالقدر الزلزالي هو قيمة مقاسة من الأمواج المسجلة بأجهزة الرصد الزلزالي. وما دام أن هذه الصدوع ضمن الأراضي السورية أدت إلى حدوث زلازل كبيرة في الماضي، وما زالت على حركتها ونشاطها المستمر الذي يسمى “الزحف التكتوني”، سيحصل تحرك باتجاه الشمال بمقدار 1.5 ملم، فالموقع الجغرافي يتغير بهذه القيمة سنويا. وما دامت هذه الصدوع ولدت زلازل، والقشرة الأرضية نشطة، هناك توقعات بحدوث زلازل في المستقبل، ولكن لا أحد يستطيع التوقع بموعد حدوث الزلزال، وكل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى المحطات عبارة عن تكهنات منجمين.

 

النووي والطبيعي

وأوضح داود أنه بالنسبة لتجارب التفجير النووي لا يوجد احتمال لحدوثها فهي تولد زلازل ما دون 5 درجات فقط، ولهذه التفجيرات وكالة دولية خاصة، لها شبكة رصد زلزالي تراقب التفجيرات النووية حصرا، ومن يخالف تعليمات وكالة حظر استخدام الأسلحة النووية. أما الزلزال الطبيعي فهو ناتج عن حركة الصخور الأرضية حتماً، كما أنه لم يتولد عن أضخم السدود في العالم زلزال تجاوز 5 درجات، فبنية السد الاستراتيجي مصممة لتحمل زلازل بقدر 9 درجات، علماً أن عملية الإملاء والإفراغ صيفاً وشتاء للسدود، حسب حاجة الزراعة، قد تحدث خللا في التوازن الهيدروليكي في المنطقة، وبالتالي تغيرا في الاجهادات المطبقة على الصخور أسفل الطبقة المائية، فينشأ عنها زلازل 2، 3، 5 درجات لا أكثر، علماً أن الطاقة المحررة من الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 شباط تعادل انفجار 500 قنبلة نووية دفعة واحدة من مقياس القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

وختم داود: التسونامي له ثلاثة شروط: تكون البنية البحرية أو شاطئية، أو بين اليابسة والشاطئ. وعن إمكانية حدوثها في سورية أكد أنها تحصل في حال وقع زلزال كبير في قبرص تخريب كبير على الشواطئ، أما زلازل اليابسة البعيدة عن البحر فلا تسبب التسونامي، علماً أن صدوع الانزياح الجانبي لا تولد زلازل سوى 5.7 درجات، وصدوع التباعد بين الصفائح لا تولد زلازل أكبر من 6 درجات في الحد الأعلى، في حين صدوع تقارب أو تصادم الصفائح فتؤدي إلى حدوث زلازل من كافة القيم حتى 10 درجات، وبالنسبة للبراكين في السويداء، والزبداني، ودير الزور والرقة، فهي خامدة منذ ملايين السنين.