الكفاءات الإدارية ..عندما توظف بشكل صحيح طاقات كامنة تبحث عن فرصة .. والبيروقراطية تعيق التوظيف الصحيح
دمشق- بشير فرزان
سنوات الحرب الطويلة أثرت بشكل كبير على كافة موارد الدولة وبناها التحتية ومن أبرزها العنصر البشري والفكري حيث شهدت استهدافاً واضحاً وصريحاً للكفاءات الموجودة والتي تعتبر الرافعة الكبرى للبناء والتحديث وجاء هذا الاستهداف بأشكال متعددة والتي كان اخرها الظروف الاقتصادية الصعبة التي أفرزتها حياة الحرب والحصار والعقوبات مما دفع كثير من هذه الكوادر إلى الانزواء أو الهجرة إلى الخارج حيث أصبحت حالة جمعية أثرت في أجزاء كبيرة منها على التنمية من خلال غياب الكفاءات البشرية والفكرية الوطنية.
غياب الإستراتيجية
يرى الدكتور تامر الرفيع ..أن الموارد الطبيعية الموجودة اليوم تناقصت كثيراً في ظل الحرب لعدة أسباب أهمها سيطرة الإرهابيين على مناطق وجود النفط والغاز وصعوبة استثمارها بشكل مناسب وإضافة إلى تأثر البنية التحتية في كثيرمن القطاعات إضافة إلى ابتعاد فرص العمل الموجودة اليوم عن متطلبات السوق السورية وسوء التخطيط الإداري وغياب القوانين المناسبة للتنمية الإدارية التي تساعد على توظيف موارد الدولة بالشكل الأمثل والابتعاد عن التخصص في العلوم الإدارية وتقديم أفكار ابتكاريه واعتماد سياسة الإلغاء للحصول على المكاسب الشخصية وعدم توظيف العامل البشري بالشكل المناسب نتيجة البيروقراطية والمحسوبية و غياب الفكر الإداري والاستثمار الصحيح للمورد الأكبر والاهم وهو العنصر البشري من ساحة الاستثمار مما أدى إلى تراجع وغياب الحالة الصحيحة في العمل .
ويضيف أن القطاعات الخدمية يقتصر عملها اليوم على تطبيق الإجراءات الإدارية اليومية مما يخلق خلل حقيقي في الإدارة لان الإدارة العليا لا تملك الإستراتيجية التنموية الصحيحة نتيجة إلغاء دور الآخرين على سبيل المثال : أصبح الوزير يقوم بمهام المعاون والمعاون يقوم بصلاحيات المدير العام والمدير العام بالأقل وهكذا أي اتجهت المهام إلى التراجع في العمل بدل التطور للحفاظ على المكتسبات في ظل غياب الاستراتيجيات الحقيقية للإدارة والعمل مما أدى إلى مشكلة إدارية في كل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وسيطرة المسؤولين في المؤسسات العامة على كافة القرارات ما أدى إلى زيادة الهدر بشكل كبير نتيجة الإجراءات اليومية الخاطئة وهو ما يمكننا تسميته بالبيروقراطية السلبية التي تؤدي إلى قتل الإبداع.
إدارة سليمة
ورأى انه لتحقيق إدارة سليمة لموارد الدولة المتاحة وخصوصا العامل البشري والفكري يجب القيام بعدد من الخطوات من أبرزها حصر الموارد الموجودة في الدولة وفي مقدمتها العامل البشري والفكري ودراسة الأولويات والاحتياجات وترتيبها من الأهم إلى الأقل أهمية وتخفيف القيود على التشريعات الموجودة التي تسبب عائقا أمام التنمية الصحيحة لأنها منفرة للاستثمار نظرا للعوائق الموجودة بين طياتها إضافة إلى التخطيط السليم لإدارة الموارد والمؤسسات من قبل الخبرات الإدارية والابتعاد عن المحسوبية لما فيها من اثر سلبي على قطاع التنمية .وإيجاد صيغ تشاركيه بين القطاع العام والخاص أو الخارجي من الدول الصديقة مع الاعتماد على رؤوس الأموال الوطنية لرجال الأعمال السوريين من خلال تمويل المشاريع وبناء صناديق استثمارية لخلق بيئة مناسبة وبسيطة بعيدة عن التعقيدات وضمن القانون وطبعا ذلك يتطلب الاعتماد على الجودة في الخدمة والأداء لتخفيف الفاقد وتوظيف الفكر والعنصر البشري بالشكل الأمثل من خلال اختيار قيادات تملك الإرادة الحقيقية للإصلاح والأعمار في كل القطاعات وضرورة وجود معايير دقيقة لاختيار هذه القيادات.
دليل البناء
واستشهد د.الرفيع بالتجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية كدليل على البناء من جديد على ركام ما تم تدميره من خلال طلب العالم الإداري (أوشي )بعد نهاية الحرب تدمير كل شيء وإعادة البناء وفق أسس علمية وسليمة على يد خبراء واختصاصين في الإدارة فأعادت اليابان بناء ما تدمر في فترة قياسية ويختم حديثه بالتأكيد على أن عدم توظيف الموارد الموجودة بشكل صحيح وخصوصا البشرية والإدارية والابتعاد عن التخصص وعدم تقديم أفكار ابتكاريه سيؤدي إلى التأخر في إعادة البناء وتأسيس غير سليم لما سيتم انجازه في الغد مما يعني البناء المهزوز الذي سيتصدع عند أول ريح تواجهه .
تغيير التفكير
الباحث الاقتصادي منير عماد تحدث عن دور العامل البشري في التنمية والاستثمار ووجوب تغيير طريقة تفكير الإدارات بشأن الموظف التي تعتبره كجندي بين حجارة الشطرنج يتم الاستغناء عنه متى شاءت، علماً بان هذا الموظف قد يكون درعاً حصيناً لأهم حجر في الرقعة بشرط توجيهه وقيادته بالشكل الأمثل لان أغلب الإدارات لا يعطي الموظف الحرية الإيجابية ويعتبرونه تكلفة وعبء على المؤسسة يجب الاستغناء عنه بأول فرصة متاحة ويخشون من تطويره وتدريبه خوفاً من عدم استمراره وقيامه بالانتقال إلى فرصة عمل أفضل ,لأنه لو تم أتباع سياسة التطوير المستمر بالإضافة للتحفيز عبر الإنتاجية والفعالية العالية للموظفين وإتباع نظام الحوافز المستمر والمكافأة فسوف نحافظ على الموظفين ويضيف عماد .. أن الكون لا ينتهي في حال الخطأ في العمل وأشار إلى ضرورة تصحيح الأخطاء عند فشل الإدارة وتلافيها وتصحيحها قبل تفاقمها كي لا تؤثر على جوانب العمل المختلفة والسعي إلى التميز لان المميز دائما يسعى للتميز على سبيل المثال :عندما تعامل الإدارة موظفيها على أنهم فاعلين فأنهم سيجتهدون للحفاظ على هذه الفعالية عبر شعار “النجاح يتطلب تحقيق ما يتوقعه الآخرين والتميز وجوب انجاز ما لا يتوقعونه ” ويختم الباحث الاقتصادي بالتأكيد على أن الإنسان أهم عنصر في صناعة التنمية وإعادة الاعمار لان الإنسان هو الخامة الحقيقية لأي عملية تنمية واستثمار واعمار ويرى أن سورية قادمة في المرحلة المقبلة على انفتاح اقتصادي كبير وبتواتر سريع بهدف إعادة الاعمار ولكي تتميز المؤسسات الاقتصادية المحلية يجب الاهتمام بالموارد الفكرية والبشرية لأنها مفتاح النجاح لأي مؤسسة .
العلاج الناجع ..
ترى العديد من الدراسات أن الطريقة المثلى لاستثمار الكفاءات الفكرية والبشرية في سورية يجب أن يتم وفق ضوابط ومعايير دقيقة تمت تجربتها من قبل في دول عانت من الحرب لذلك يجب البدء بالتخطيط السليم وإيجاد استراتيجيات متعددة تتعلق بالأحوال العامة الآمنة والمضطربة والطارئة والبناء عليها بيد كفاءات وطنية مدربة ولا يضير الاستعانة بخبرات خارجية من دول صديقة مثل روسيا وإيران والصين والاستعانة بتجاربهم الناجحة للانطلاق من جديد لان مفرزات الأزمة السورية خلقت حالة فريدة في الإدارة اجتهد بعض الدارسين على تسميتها بإدارة الأزمات الكبرى وان هي أخفقت في أماكن فلا يمكن تجاهل النجاحات التي تم تحقيقيها على بساطتها .