ماذا وراء طرد الوفد الإسرائيلي من قمّة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا؟
“البعث الأسبوعية” – طلال ياسر الزعبي
لا تزال قضيّة طرد الوفد الإسرائيلي من قاعة اجتماعات القمّة الإفريقية تتفاعل في الأوساط الإسرائيلية، حيث رأت حكومة العدو في ذلك خضوعاً لإملاءاتٍ من الجزائر وجنوب إفريقيا اللتين تصرّفتا بإيعاز من طهران حسب زعمها.
فإسرائيل التي غضبت من المشهد المخزي الذي تعرّضت له المبعوثة الإسرائيلية شارون بار لي، وتمّ نقله على الهواء مباشرة في قمّة إفريقيةٍ تحمل شعار “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية”، حاولت توزيع الاتهام بين الجزائر تارة وجنوب إفريقيا طوراً، بالوقوف وراء ما جرى، ثمّ استحضرت الدور الإيراني الذي على ما يبدو بات يشكّل هاجساً كبيراً لحكوماتها المتعاقبة، حيث راحت تفسّر جميع إخفاقاتها في علاقاتها الدولية على أنها نتيجة طبيعية للضغط الإيراني في هذا الاتجاه، وذلك دون إعارة أيّ اهتمام لأسباب أخرى تقف خلف ذلك.
فما هي خلفيات ما جرى؟ وإلام يشير قرار الطرد، وما هو مصير صفة المراقب في الاتحاد، التي لا تزال تثير لغطاً حتى اليوم؟.
من الواضح بالفعل أن حصول “إسرائيل” في المنظّمة الإفريقية على صفة مراقب عام 2021، أثار موجة احتجاجاتٍ كبيرة من أعضاء رفيعي المستوى، وخاصة الجزائر ودولة جنوب إفريقيا، اللتين أكّدتا مراراً أن منح إسرائيل العضوية يتعارض مع مواقف الاتحاد الداعمة للقضية الفلسطينية.
وكان رئيس مفوّضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، صدّق في العام الماضي على منح إسرائيل صفة مراقب معتمد في الاتحاد، ما أثار موجة استياء كبيرة بين أعضاء الاتحاد الإفريقي، وخلافاً كبيراً داخل الهيئة التي تقدّر أهمية التوافق في الآراء، ومطالَبة الفلسطينيين بسحب الاعتماد من إسرائيل، الأمر الذي دفع الهيئة إلى تشكيل لجنة خاصة مكوّنة من عدّة رؤساء لبحث مسألة سحب الاعتماد.
الاتحاد الإفريقي قطع الطريق على جميع المحاولات الإسرائيلية السابقة، بالقول: إن قرار منح إسرائيل صفة مراقب بالمنظمة معلّق، وبالتالي لم تتم دعوتها لحضور قمّته، حيث قال رئيس مفوّضية الاتحاد الإفريقي: “يعني ذلك أن الوضع معلّق حتى يحين الوقت الذي يمكن أن تتداول فيه هذه اللجنة، ولذلك لم نوجّه دعوة إلى مسؤولين إسرائيليين لحضور قمّتنا”، مضيفاً: إن تحقيقاً يجري في حضور الدبلوماسية الإسرائيلية.
غير أن الاتحاد الإفريقي، الذي أكّد في اختتام دورته العادية الـ36، الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع ضد الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلي، واستهجن في إعلان القمّة استمرار التعنّت الإسرائيلي، والحكومات المتعاقبة برفض المبادرات والدعوات المتكرّرة من القيادة الفلسطينية ومن المجتمع الدولي، للانخراط في مفاوضات سلمية، مشدّداً على دعمه طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، العمل الحثيث على وضع خطة دولية لإنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين، كان واضحاً جدّاً في التركيز على مكانة ومركزية قضية فلسطين العادلة، وثبات الموقف الداعم لها، ولقراراتها في المحافل الدولية، وحثّ الدول الأعضاء كافة على الاستمرار بتقديم الدعم للقضية الفلسطينية، ورفض استباحة إسرائيل للحقوق والحريات الأساسية للشعب الفلسطيني، وترسيخ نظام الأبارتهايد، وأعرب عن ترحيبه بتبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77، “طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين والآثار المترتبة على هذا الوجود والممارسات غير القانونية المرتبطة به”، مجدّداً دعمه توجّه دولة فلسطين إلى تجديد طلبها للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وداعياً الدول كافة إلى قبول هذه العضوية، ودعم الانضمام إلى المنظمات والمواثيق الدولية.
وكذلك دعا الدول الأعضاء كافة إلى احترام الوضع التاريخي في مدينة القدس، وضرورة الحفاظ على الوضع القائم، وأدان الممارسات الاستعمارية الإسرائيلية التي تطبّق نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يميّز بين السكان الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس العرق والدين، ويمنح للإسرائيليين تفوّقاً في الحقوق والامتيازات على أصحاب الأرض الفلسطينيين، كما أدان استمرار إسرائيل بتنفيذ سياسة الإعدام الميداني، والاعتقال الإداري والتعسّفي، وإساءة المعاملة والإهمال الطبّي للأسرى الفلسطينيين، وغير ذلك من القضايا الحساسة المتعلّقة بالقضية الفلسطينية، بما فيها رفضه العدوان الإسرائيلي الهمجي والمستمر على قطاع غزة، معرباً عن بالغ القلق تجاه تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، ومؤكداً رفضه بشكل قاطع الاستهداف المتعمّد للمجتمع المدني الفلسطيني.
إذن، ربما تحاول الحكومة الإسرائيلية المأزومة داخليّاً تفريغ جزء من الضغوط التي تتعرّض لها في الخارج، وطبعاً ستجد من السهل جدّاً عليها تعليق هذه الأزمة على الشمّاعة الإيرانية، أو حتى على شمّاعة الجزائر وجنوب إفريقيا، لكن الأمر الذي لا شك فيه أن المزاج العام في إفريقيا بدأ يتحرّك بطريقة لا تتناسب مع طموحات الكيان الصهيوني، حيث يتّضح أن لدى الجزائر وجنوب إفريقيا قدرة كبيرة على توجيه الرأي العام السياسي في إفريقيا وفقاً لهما، بمعنى أن الدولتين بالفعل لديهما نفوذ كافٍ لفرض رأيهما على الآخرين، بصرف النظر عن حجم المعارضة الإفريقية الكبيرة لوجود “إسرائيل” في المنظّمة على أيّ صيغة كانت، فقد تمكّنت الدولتان من نسج تحالفاتٍ قوية في الخارج، وخاصة مع الصين وروسيا وإيران، ومثل هذا الأمر لا يروق كثيراً للدول الغربية التي تنظر إلى ذلك بعين الريبة، فضلاً عن تخوّف الحكومة الصهيونية من أن يساعد ذلك في سحب القارة بأكملها إلى هذه التحالفات وخسارة إمكانية إيجاد موطئ قدم قويّ لها في القارة.