الانسحاب .. ليس في الطلب بل في المسوغ
علي اليوسف
عندما يقدم نائب في الكونغرس الأمريكي مشروع قرار يُلزم الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب القوات الأمريكية من سورية، فهذا يعني أن هناك مستند قانوني يلزم قوة الاحتلال بالامتثال للقانون. هذا المستند يدعى قانون “صلاحيات الحرب” الأمريكي عام 1973، والذي يحد من قدرة الرئيس على بدء أو تصعيد العمليات العسكرية في الخارج، وهو ما لجأ إليه النائب الجمهوري مات غيتز في مشروع قراره الذي قدمه في 22 شباط الماضي.
صحيح أن على مجلس النواب التصويت في غضون 18 يوماً على مشروع القرار لكونه يتعلق بقضايا الحرب والسلم بموجب القانون الأمريكي، إلا أن مسوغات طلب الانسحاب هي الكلمة الفصل في هذا المشروع، وليس الطلب بحد ذاته، فالمسوغ الذي ارتكز عليه النائب الجمهوري، بعيداً عن الصراعات مع الحزب الديمقراطي، هو أن رئيس بلاده “ليس لديه فهم معرفي للصراع السوري”.
في الجانب القانوني، فتح هذا المشروع الباب مجدداً في أروقة الإدارة الأمريكية، بل كشف عن عدم شرعية الوجود الأمريكي على الأراضي السورية وفق القانون الأمريكي ذاته، ناهيك عن انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تنتهك القوانين الدولية فقط، بل تنتهك قوانينها الخاصة، خاصةً أن الكونغرس لم يوافق بأي شكل من الأشكال على تواجد القوات المسلحة الأمريكية في سورية، ولم يأذن أبداً باستخدام القوة العسكرية في سورية، بحسب النائب الأمريكي نفسه لوسائل الاعلام بعد تقديم مشروع قراره.
أما في الشأن المعرفي الذي لا يملكه بايدن، يعود الاحتلال العسكري الأميركي لسورية إلى العام 2015 حين قررت إدارة أوباما العودة العسكرية إلى الشرق الأوسط، دون غطاء قانوني أممي، ولا دعوة من الحكومة السورية. وحتى عندما تولى ترامب مقاليد البيت الأبيض، لم يُبد حماساً لاستمرار الوجود الأميركي العسكري في سورية، لأنها، في رؤية ترامب للأمور، ليست منطقة نفوذ أميركي.
في نيسان 2018، أعلن ترامب عزمه سحب القوات الأميركية من سورية. ولكن ترامب كان يعرف، قبل اتخاذ القرار، أن المشاورات لن تساعده في اتخاذ القرار، نظراً لأن وزارة الدفاع، بصورة خاصة، لن تؤيد خطوة الانسحاب، فالطبيعة المفاجئة والشخصية البحتة للقرار، كانتا السبب الرئيس خلف استقالة الجنرال ماتيس، ومعارضة القرار في الكونغرس على نطاق واسع، واستقالة المبعوث الأميركي برت ماكغورك.
ما يهم الآن هو معرفة ما إذا كان الانسحاب الأميركي العسكري من سورية شاملًا- إذا تم تبني القرار في الكونغرس، أم أن الرئيس سيخضع في النهاية للضغوط، ومعرفة ما إذا كان الأميركيون سيقومون، قبل انسحابهم، باستعادة السلاح الذي قاموا بتسليمه للميليشيات الانفصالية، لأن الانسحاب، بهذا المعنى، سيرافقه انشقاق العناصر العربية المنضوية في إطار ما يسمى “قوات قسد” الانفصالية، وسيعزز معنويات أبناء العشائر العربية المعارضين للاحتلال الأمريكي وحلفائه في مدن الأغلبية العربية، شرق وشمالي شرق سورية.
من زاوية النظر الاستراتيجية الأوسع، يصب الانسحاب الأميركي في مصلحة سورية، إذ ليس من المستبعد أن يجعل الخلل الناجم في ميزان القوى على المديين القصير والمتوسط في المطالبة بخروج القوات التركية من الأراضي السورية. وعليه، إذا حصل الانسحاب، الآن، فهذا يعني بلاشك أن الأميركيين أداروا ظهرهم لـ “شركائهم”، مع القناعة إن مشروع القرار هذا لن يتعدى النقاش داخل أروقة الساسة الأمريكيين، فالأمريكيون هم أرباب شريعة الغاب، وكل ما يتحكم بتواجدهم حول العالم، هو نهب الثروات، واللعب بمصير الشعوب خدمة للمصالح الجيوسياسية الاقتصادية بعيداً عن أي إنسانية أو قوانين أو شرائع.