هل حان وقت الخراب الثالث؟
طلال ياسر الزعبي
يحاول اليمين المتطرّف الإسرائيلي الخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه بأيّ ثمنٍ كان، على خلفية الصراع القائم حول التعديلات القضائية الرامية إلى تبرئة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من قضايا الفساد التي تلاحقه، وذلك لأن البديل الماثل أمامه على حسب توقّعات أكثر السياسيين تفاؤلاً هو الحرب الأهلية، بالقياس إلى حجم الانسداد السياسي الموجود على الساحة، فضلاً عن حالة الاستقطاب الحادة داخل اليمين المتطرّف نفسه المنقسم على نفسه عمودياً.
فالمأزق السياسي الذي وصل إليه الكيان مؤخراً، بات يؤرّق المجتمع الصهيوني الذي بدأت تتبادر إلى ذهنه فكرة الخراب الثالث، وراح يسترجع جميع النظريّات والتنبّؤات التي تتحدّث عن زوال “دولة إسرائيل”، حيث إن الصراع القائم حاليّاً لم يعُد صراعاً بين اليمين المتطرّف التقليدي واليسار المعروف داخل الكيان، بمعنى أن هناك توجّهين: فاشية يمينية وفاشية دينية، أي أن الفاشية انقسمت على نفسها، وزادت حدّة التجاذبات والتناقضات بين أطرافها، حيث يحاول إيتمار بن غفير وزير ما يسمّى الأمن الصهيوني تشكيل مليشيات تحل محلّ الجيش في سابقة هي الأولى من نوعها في عمر الكيان الذي يعدّ الجيش مقياساً لوحدته، الأمر الذي ينعكس انقساماً عموديّاً داخل المجتمع سيؤدّي بدوره إلى انقسام مماثل في بنية الجيش، وبالتالي انهيار الركيزة الأساسية التي قام عليها الكيان، وهو ما حذّر منه زعيم المعارضة، يائير لابيد، من أنّ “إسرائيل سائرة نحو الخراب”.
ومن هنا، نستطيع أن نفهم أن الاعتداءات والمجازر اليومية التي تتصاعد اليوم في الضفة محاولة بائسة للهروب إلى الأمام، وصرف انتباه الإسرائيليين عن الصراع السياسي القائم، والإيحاء بأنه لا يزال هناك فائض قوة يمكن أن يشكّل رافعة حقيقية للكيان، حيث يحاول قادة الاحتلال الهروب من هذا الواقع عبر تصدير أزمتهم إلى الخارج، غير أن المشهد انقلب عليهم لأنهم لم يتمكّنوا من تسويقه وجاء بنتيجة عكسية.
وفي المحصّلة، لا يبدو هامش المناورة واسعاً أمام قادة الاحتلال للهروب من القلق الوجودي الذي يلاحقهم، حيث إن الحديث عن الحرب الأهلية لا يزال حديث الخاصة والعامة معاً، وبوادر التدمير الذاتي صارت واضحة جداً داخل الكيان، ولن تنفع نتنياهو كل محاولات القفز فوق هذا الواقع، فهل حان وقت الخراب الثالث؟.