“فلسفة علم النّفس” يبحث في علم النّفس الشّعبي والحجج المؤيّدة وطروحات أخرى
نجوى صليبه
في كلمته، يوضّح المترجم الدّكتور سامر عبد العزيز عمران أنّ جورج بوتاريل وبيتر كاروثارز قد ألّفا كتاب “فلسفة علم النّفس” لطلّاب السّنوات الجامعية المتقدّمة ذات الصّلة أو بداية الدّراسات العليا، ومن ثمّ أصبح الهاجس أن يكون الكتاب متاحاً للقارئ المهتمّ لا المتخصّص فقط، مبيّناً بعض النّقاط التي حافظ عليها أثناء التّرجمة كما وردت. يقول: حافظنا بشكلٍ رئيسي على أسلوب الكتابة الخاصّ بالمؤلّفين، والذي يشمل الكثير من الجمل الاعتراضية وعلامات التّرقيم، إلى استخدام الخطً المائل بكثافة من أجل توجيه تركيز القارئ إلى كلمات وعبارات بعينها، ومن ثمّ رأينا أنّه من الضّروري أن نذكر بعض الملاحظات التي يجب على القارئ أن يكون مدركاً لها أثناء قراءة الكتاب حتّى يتمكّن من قراءته بسلاسة.
وفي تمهيدهما للكتاب الصّادر حديثاً عن الهيئة العامّة السّورية للكتاب – المشروع الوطني للتّرجمة، وضمن “سلسلة الكتاب الإلكتروني”، يذكر المؤلفان أنّ السّؤال حول الجمهور المستهدف كان سهلاً نسبياً، ففكّرا بطلاب الفلسفة وطلاب الدّراسات العليا المبتدئين بالعلوم الإدراكية بشكلٍ عام، لكنّهما في الوقت ذاته أملا بأن يتمكّنا من تقديم إسهامهما للمشكلات التي يناقشانها والتي يمكن أن تسترعي انتباه المتخصّصين وتساعد في دفع المناقشات إلى الأمام، منوّهين بأنّ مسألة محتوى الكتاب كانت أكثر صعوبةً، إذ يوجد الكثير من المواضيع التي يمكن مناقشتها تحت عنوان “فلسفة علم النّفس”، ويمكن تبنّي مداخل مختلفة عديدة لمناقشة هذه المواضيع، ذلك أنّ علم النّفس العلمي بحدّ ذاته هو عنوان جامع واسع يمتدّ من الصّيغ المختلفة لعلم النّفس الإدراكي، مروراً بالذّكاء الاصطناعي وعلم النّفس: الاجتماعي والسّلوكي والمقارن والعصبي وعلم الأمراض المتعلّق بعلم النّفس.
ويضيف المؤلّفان: اخترنا أن نتبنّى خطّاً باتّجاه النّهاية الأخيرة من هذا الطّيف، مركّزين على علم النّفس الإدراكي على وجه الخصوص، وتركيزنا الأساس العلاقات بين علم النّفس العلمي الإدراكي من جهة وعلم النّفس العرفي أو الشّعبي من جهة أخرى، بما أنّ البشر كائنات اجتماعية يمكن للمرء أن يتوقّع من علم النّفس أن يكون موضوعاً يبتدئ النّاس فيه بأفضلية أن يكونوا أصحاب الخبرة التي يوصف بها العامّة، ومع ذلك فإنّ هناك طرقاً عدّة قد يبدو فيها علم النّفس العلمي يهدّد أو يقوّض صورتنا الذّاتية بسهولة، إمّا بإثارة الشّكوك حول حقيقة وجود الحالات العقلية كما ندركها، أو عن طريق تحدّي واحدة أو أكثر من الصّور العزيزة على قلبنا عن أنفسنا.
ويقدّم المؤّلفان لكتابهما بأسلوب خارج عن المألوف، عنوان: “إقرار بالفضل” يعربان عن امتنانهما لطلّاب الجامعة والدّراسات الذين استعرضوا معهم الكتاب عبر مراحل إعداده المختلفة، وساهموا من خلال اعتراضاتهم في تحسينه، كما يشكران من وافق على استخدام النسّخة غير النّهائية كنصّ حلقة بحثية لطلّاب الدّراسات العليا في جامعة “تكساس” وتزويدهما بتغذية راجعة وافية ومفيدة، ويذكران بالأسماء الأشخاص الذين علّقوا بشكلٍ شفهيّ أو كتابيّ على بعض أو كلّ محتويات الكتاب.
يقسّم المؤلّفان الكتاب إلى ثمانية أقسام، ويشيران في الأوّل إلى وجود طموحين يهيمنان على فلسفة العقل في العالم النّاطق باللغة الإنكليزية في القرن العشرين، إذ كان يسيطر على معظم العمل في هذا المجال ضابطان هما: الطّبيعية ومعرفة علم النّفس، ويذكران العوائق التّي تحول دون فمهما وكذلك التّطورات الرّئيسية في فلسفة العقل التي تشكّل بيئة المتن الرّئيسي للكتاب، وتحت عنوان “التزامات علم النّفس الشّعبي” يبدأ المؤلّفان الفصل الثّاني بالتّساؤل عن كيفية ترابط هذا العلم مع علم النّفس العلمي، وعمّا إذا كانا بموقع التّكامل أم بموقع المنافسة، وإلى أي مدى يعملان على المستوى التّفسيري ذاته؟ ويوضّحان: هناك جدل بن الواقعيين بخصوص علم النّفس الشّعبي وخصومه.. إنّ علم النّفس الشّعبي ملتزم بأنّ النّاس لديهم حالات عمدية وبالادّعاء أنّ هذه الحالات العمدية هي صيغ من محتوى عمدي يتمّ فيه تقديم المواد الفعلية أو الممكنة لشخص ما بطرقٍ مختلفةٍ ويتمّ تصويرها بطرق مختلفة أيضاً، إضافةً إلى وجود ارتباطات نسبية مميزة بين الإدراك وبعض هذه الحالات المليئة بالمحتوى، مبيّنين أنّه لا يوجد مسوّغ لعلم النّفس العلمي لكي يتجاهل الحالات العمدية التي يسلّم فيها جدلاً.
وينتقل المؤلفان في الفصل الثّالث إلى دراسة كيفية تطور العقل البشري والبنية العامّة لتنظيمه، وتحت عنوان “الموديولارية والفطرية” يقولان: نحن نستخدم مصطلح الفطرية للدّلالة على طرح خاصّ بغريزية الإدراك البشري ينصف الدّرجة التي إليها هو مصوغ مسبقاً جينياً، ومن حيث التّركيب طرحنا هو أنّ العقل البشري منظّم ضمن تسلسلات من الأنظمة الفرعية أو الموديولات، والمؤيد الرّئيسي لموديولارية العقل كان “فودور”، لكن نسختنا تختلف إلى حدّ ما عن نسخته، ويجب التّركيز على أنّنا ننظر إلى الموديولات على أنّها نوعٌ طبيعيّ وأنّ ماهيتها بشكلٍ أساسي مسألة اكتشاف تجريبي لا اشتراطاً تعريفياً.
وبما أنّ البشر اجتماعيون ويتميّزون بالمرونة التي يمكن أن يتكيفوا فيها مع أنماط التّفاعل الجديدة التّعاونية والتّنافسية، يرى المؤلفان أنّه من السّهل معرفة لما علم نفسنا الشّعبي هو قدرة نفسية مهمّة بالنّسبة للحياة الفردية وبالنّسبة لنجاحنا كنوع، ويؤكّدان أنّه ليس علينا فقط قراءة عقول الآخرين فقط، بل يجب تقدير أنّ هذه القدرة بعينها تستخدم للتّفكير بشأن ما يحدث في عقولنا الخاصّة، مضيفين: بحثنا هذا دعمته أبحاث علم النّفس التّطوري والمباحثة بين الرّأيين المتنافسين: نظرية- نظرية ونظرية المحاكاة… إلى قولهم: تبقى صيغة موديولارية من نظرية- نظرية التّفسير الأكثر عقلانية لقدرات قراءة العقل البشري، وفي حين أنّ التّحفيز المقدّم نتيجة المفارقة مع النّظرية المحاكاتية المنافسة كان ثميناً، لكنّنا نعتقد أنّ نظرية- نظرية هي البرنامج البحثي الاكثر تقدّماً وأملاً وأنّهض من هذا البرنامج ما يجب تفضيله هو النّسخة الموديولاري- الفطرية، لكن يوجد دور للمحاكاة في حساب النّتائج والعلاقات بين المحتويات.
وتحت عنوان: “المحاكمة العقلية واللاعقلانية”، يبدأ المؤلّفان الفصل الخامس من الكتاب بالقول: ننظر في التّحدي المطروح على القناعة السّائدة من قبل الدّليل النّفسي على الّلاعقلانية البشرية المنتشرة، الذي يتعارض وطروحات بعض الفلاسفة بأنّ الّلاعقلانية المنتشرة مستحيلة.. نحن نناقش أنّ الحواجز الفلسفية على الّلاعقلانية، على ماهي عليه ضعيفة، ويضيفان: ما نصرّ عليه حقيقةً هو أنّ التّساؤلات الخاصّة بالعقلانية البشرية يجب التّعامل معها على أنّها مرتبطة بمجالات مختلفة، على الرّغم من أنّه حين ظهور خريطة موثوقة للبنية الموديولارية لإدراكنا، يمكننا أن نخمّن ما هي المجالات ذات الصّلة، ونصرّ أيضاً على أنّه إن كان للتّساؤلات المتعلّقة بالعقلانية نكهة معيارية، يجب أن تصبح عملية لكونها تمّ التّعامل معها على أنّها مرتبطة بالطّاقات والقدرات البشرية المحدودة.
ويخصّص المؤلّفان الفصل السّادس لمراجعة المباحثة المكثفة التي أثيرت بخصوص المفهوم المناسب لمحتوى من أجل علم النّفس الشّعبي والعلمي في فصول سابقة، كذلك يخصّصان الفصل السّابع لمراجعة الأنماط الثّلاثة الرّئيسية للمشروع القائم من أجل تطبيع علم الدّلالات اللغوية الإخبارية والغائية وتلك المتعلّقة بالدّور الوظيفي، بينما يخوضان في الفصل الثّامن في أشكال تمثيل المحتوى النّفسي في الدّماغ البشري، أو ما الذي يمكن أن تكون وسائط التّعبير عنه، ويقسمانه إلى قسمين رئيسيين، في الأوّل تتمّ مفارقة قصّة لغة العقل التّقليدية مع منافستها الارتباطية، وفي الثّاني يخوضان في المجال الذي يمكن أن تلعبه تمثيلات اللغة الطّبيعية في الإدراك البشري.
“الوعي التّخم الأخير” عنوان القسم التّاسع وفيه يناقش المؤلّفان أسباب الوعي ويقولان إنّ ليس ثمّة سبب كافٍ لذلك، مركّزين بشكل خاصّ على الوعي الظّاهراتي غير قادر على التّفسير الموضوعي المتوازن علمياً، وكذلك يناقشان كيف لوعي كهذا يمكن أن يُعطى تفسيراً إدراكياً من حيث إتاحته لأفكار التّرتيب الأعلى، ومن ثمّ ما كان يبدو كخلاف محتمل بين علم النّفس العرفي والعلم يتبيّن أنّه وهمي.