بعد فشلها في الساحل الإفريقي.. فرنسا تتشبّث ببقايا نفوذها
تقرير إخباري:
يتابع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشروع بلاده الفاشل في نفض غبار الفترة الاستعمارية عن فرنسا في القارة الإفريقية، مدّعياً أن “عصر فرنسا الإفريقية قد انتهى”، وأن الشعوب الإفريقية تحاول وصف بلاده بصفاتٍ ليست فيها بسبب “عدم مجاراة ذهنياتها للتطوّر الحاصل”، وقبل زيارته لأربع دول هي؛ الكونغو والكونغو الديمقراطية وأنغولا والغابون، أعلن ماكرون النظرة الفرنسية إلى القارة السمراء بشكل يوحي بأن باريس تقدّم نفسها على أنها دولة محايدة، وكأنه لا يوجد أي صلة بينها وبين ماضي إفريقيا الصعب، وبأنها فقط كانت طرفاً محايداً يحاول إنقاذ الأوضاع عبر محاورة الحكومات لا أكثر، متناسياً أنها كانت تنصّب الرؤساء، وتدعم حركات المعارضة إن لم نقل التطرّف والتكفير، وتعاقب الأنظمة السياسية المعاندة لسياساتها المتغطرسة، كما أنها ربطت اقتصاد 13 بلداً إفريقياً باليورو ووضعت أعضاء دائمين فرنسيين في مجالس البنوك المركزية لتلك الدول التي تحوّلت اقتصاداتها إلى العدم.
يزور ماكرون هذه الدول ليقول: إنه يبحث عن علاقات ثنائية فقط مع الدول الإفريقية، ويدعو لشراكة متجدّدة بين فرنسا وإفريقيا، في جولته الـ18 للقارة التي سيجدّدها كل ستة أشهر، حيث يجري محادثات مع الدول الأربع بحجّة توقيع اتفاقيات للحفاظ على المناخ، وحل خلافات بين الكونغو ورواندا حول إقليم شمال كيفو الغني بالثروات المعدنية، دون أن تصدر منه إدانة لرواندا أو القوى التكفيرية فيها التي نشأت وارتكبت المجازر في كنف فرنسا، واعداً بأن بلاده قد تفرض عقوباتٍ على رواندا مستقبلاً إن رفضت حل الخلاف وإيقاف نشاطاتها لدعم الجماعات المتطرّفة في الكونغو الديمقراطية، ما يدلّ على أن فرنسا تلعب على وتر الخلاف ولا ترغب في حلّه كعادتها.
أما الشارع الكونغولي فقد سار على نهج سابقه في مالي وبوركينا فاسو، حيث خرج بمظاهراتٍ في كينشاسا تندّد بزيارة ماكرون، وترفع صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورايات روسيا ومجموعة فاغنر، وذلك بعد مساعيهم الحثيثة في تغيير الوضع الأمني والسياسي السيّئ في منطقة الساحل الإفريقي بعد طول فساد من فرنسا، وحتى الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي توجّه للرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحفي جمعهما بطلب الكفّ عن متابعة فرنسا والدول الأوروبية للدور الأبوي في إفريقيا؛ إذ تحدّد ما هو مناسب لهم وتملي ما تريد عليهم، مطالباً إياه بالسعي نحو الشراكة وإبداء الاحترام لجميع دول القارة.
ويرى محللون أن الرئيس الفرنسي اختار الموعد والمكان لزيارته بعد قيام هذه الدول بالتصويت ضدّ قرارٍ للأمم المتحدة يهدف إلى فرض عقوباتٍ على روسيا، وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إليها، حيث يحاول ماكرون الحفاظ على الرمق الأخير لنفوذ باريس في هذه الدول بعد الفشل الذريع والانسحاب العسكري لبلاده من منطقة الساحل الإفريقي.
حتى اللحظة ماكرون يصول ويجول، لكن على المقلب الآخر الشعوب الإفريقية تواصل قول كلمتها بمنتهى الوعي لفرنسا وكل القوى الغربية: “جرّبناكم كثيراً ولم تصلوا بنا إلى أيّ حلول”.
لقد بات واضحاً ميل تلك الشعوب مع حكوماتها نحو التوجّه شرقاً عبر توثيق تعاونها العسكري والأمني مع روسيا ومجموعة فاغنر، والاقتصادي الاستثماري مع الصين، ما حقّق تطوّراً ملموساً وسريعاً لا يمكن التشكيك فيه.
بشار محي الدين المحمد