مجلة البعث الأسبوعية

في زمن الجموح نحو عمليات التجميل الانتقائية.. لا إحصائيات طبية والخبرة الاجتماعية تنصح بعدم المبالغة

دمشق _ حياة عيسى

يأخذ مسار الجموح المجتمعي نحو عمليات التجميل الانتقائية شكلاً من الإقبال الذي لم تحد منه كثرة الحالات غير الموفقة أو لنقل الفاشلة باعتراف الخاضعين لهكذا تجارب تحول فيها البعض لدمى وملامح جامدة لابل ومشوهة، لنكون أمام موجات من العمليات الكمالية بانعكاساتها على الفرد والمجتمع، سواءً لزيادة نسبة الرضا الشخصي أو القبول الاجتماعي المفترض.

ومع أن في خصوصية المشهد السوري خلال سنوات الحرب ثمة جراحة تجميلية أخذت أبعاداً أكثرعمقاً كالمحافظة على الحياة في بعض الأحيان وترميم أو استعادة الوظائف الفيزيولوجية في أحيانٍ أخرى، فقد أصبحنا أمام ضرورة طبية ملحة دون إهمال الناحية الجمالية وتقويم بعض العيوب التي تزداد مع التقدم في السن.

في هذا السياق لا يتجاهل العامة والعارفون بهكذا اختصاصات تلك الاختلاطات التي من الممكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية نتيجة تدخل الأيادي غير الخبيرة أو المختصة في عالم التجميل وإقحام أنفسهم في مجال يعتبر من أكثر المجالات الطبية حساسية، فالجراحة التجميلية – وفق الإجماع الطبي – اختصاص طبي وجراحي له أركانه ويشمل أربع محاور رئيسية تتضمن الترميم، الحروق، جراحة اليد، والجراحة التجميلية الانتقائية.

 

التداخلات الجراحية

تكمن أهمية الاختصاص من الناحية العلاجية – حسب  الدكتور ناجي حلاق أخصائي جراحة تجميلية وترميمية – نتيجة تداخله مع الكثير من الاختصاصات الطبية كالجراحة العظمية أو جراحة الأوعية والجراحة القلبية التي تحتاج أحياناً لتداخل ترميمي مكمّل لإنقاذ المريض، بالإضافة لدور الجراحة التجميلية في علاج التشوهات الخلقية عند الأطفال كشفة الأرنب، تبارز صيوان الأذن، والتشوهات الخلقية بكافة أنحاء الجسم.

أما من الناحية التجميلية الانتقائية فهو يعتبر اختصاص مهم جداً، لاسيما في العشرين سنة الأخيرة التي شهدت قفزة نوعية في مجال تلك الجراحات من خلال ارتفاع معايير السلامة وتطور التكنيكات ونوعية المواد والأجهزة المستخدمة بحيث نضمن الحصول على نتائج طبيعية ومرضية.

بين الرجال والنساء

وبالسؤال عن نسبة عمليات التجميل  فقد أكد الدكتور حلاق أنه حتى الآن لا يوجد دراسات إحصائية محلية لعدد الأشخاص الخاضعين لإجراءات طبية تجميلية، خاصة بوجود الإجراءات غير الجراحية كحقن مواد مالئة أو مرخية للعضلات.

علماً أنه وبحسب الإحصائيات العالمية فإن نسبة السيدات الخاضعات لعمليات تجميل أعلى من نسب الرجال رغم الارتفاع الكبير بنسب عمليات التجميل لدى الرجال، كتجميل الأنف وعمليات شفط الشحم وزرع الشعر وشد الوجه و الأجفان.

 

ويؤكد الدكتور حلاق على ضرورة عدم تحويل الجراحة التجميلية إلى سلعة وذلك بالحفاظ على الإطار الطبي وعدم الإنسياق خلف الدعاية غير الواقعية أحياناً والتي قد تؤدي لنتائج غير مرضية، منوهاً إلى أنه من حق المريض السؤال عن المؤهلات العلمية للطبيب وعن استطبابات التداخل وشروط إجرائه ومحدودياته.

نحو التوعية

أما فيما يخص المأمول من عالم التجميل لتطويره في المرحلة القادمة فقد لفت الدكتور حلاق إلى أنه يجب التوجه إلى التوعية حول الجراحة التجميلية والتصنيعية كاختصاص طبي وجراحي مستقل له هيكليته وقواعده العلمية المبنية على الدراسات والاحصائيات والخبرات المتراكمة، مع عدم إغفال ضرورة إجراء التداخلات بيد طبيب اختصاصي مؤهل ومدرب مع اتباع أعلى معايير السلامة والعقامة والتركيز على المعايير الجمالية  للحصول على نتيجة مثلى وطبيعية بعيداً عن الاختلاطات والنتائج الشكلية المبالغ بها.

 

ليس حالة ترف

وبالتوجه إلى الرأي الاجتماعي الذي تشكل حول عالم التجميل والجمال الذي أثبت أنه من الأهمية بمكان ما للتأكيد على الوعي الجماعي، كونه من أهم أشكال الوعي الإنساني، تبين الدكتورة رشا شعبان الخبيرة الاجتماعية في علم الجمال في حديثها أن الأمم خلدت نفسها من خلال الوعي الجمالي عبر اتساع رقعته من خلال علاقته بالوعي الفني كون الأخير جزء أساسي من الوعي الجمالي، علماً أن كل الحضارات كان لها بصمة جمالية جسدتها برسومها وأزياء النساء لديها، وكل ما ذكر يشير إلى أن الجمال ليس حالة ترف بل مؤشر حضاري تشير إليه الحضارات ورقي الأمم، فهو حالة إنسانية وليس تجارية استهلاكية.

 

الحالة الاستهلاكية

وتعلق شعبان على ما يجري اليوم في عالم التجميل بأنه اتجاه نحو الحالة الاستهلاكية التجارية وابتعاد عن الذوق أو التذوق الجمالي كون أدواته المتمثله بـ(البوتوكس، الفيلر، ابر النضارة، النفخ، الشفط) باتت تعتمد على الترويج لتلك المواد وليس الارتقاء بالجمال الأنثوي في بعض الحالات التي يتم فيها المبالغة في الاستخدام، ولكن في المقابل هناك ضرورة حقيقية لاستخدام تلك المواد أو لإجراء عمليات التجميل( كتصحيح ومعالجة الحروق، معالجة ارتخاء جزء من الوجه، تدلي الجفون).

 

الهوس التجميلي

وتطرقت شعبان إلى حالة عدم الرضا عن الذات التي تصيب بعض الفئات التي تعتبر هشة نفسياً نتيجة الشعور بالدونية والنقص اتجاه الآخرين، لذلك يجب التأكيد على ضرورة الرضا عن الذات، كون الجمال حالة تصالح مع الذات، ومن غير الطبيعي – حسب شعبان- الجري نحو التشبه بالدمى التي تفتقر للحياة، لذلك لابد من التصالح مع الذات والثقة بالنفس والرضا، مع التأكيد أن المرأة وأحاسيسها وكينونتها ترغب بالمحافظة على شبابها ولكن من غير المنطق أن يبقى العمر ثابت ومحدد كونه مناقض لقانون الحياة وحالة تحتاج لعلاج، بالجانب الآخر ليس من العيب المحافظة على الجمال ولكن بطريقة منطقية وجمالية، كون  الجمال هو جزء من كل والأجزاء لا تنفصل عن الكل، مع الإشارة إلى أن الجمال عملية تناسبية بين الجزء والكل، أحياناً يوجد عيوب في الجسد تكون متناسبة مع الجسد، وفي الجانب الأخر هناك عيوب ظاهرة تؤدي إلى تعرض أصحابها للتنمر، وهنا لابد من عملية لتشذيب الشكل بطريقة غير مبالغة.