الصين تسعى إلى التوازن مهما زادت من قوّتها
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد:
تتحدّث واشنطن عن نفسها اليوم وكأنها تعيش مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي سبق أن قطفت كامل ثمارها لمصلحتها، وتذكّرنا في الوقت نفسه بتصريحاتها التي كانت تطلقها لدفع أوكرانيا نحو مزيد من التصعيد ضدّ روسيا، وسط تنصّل كامل من إمكانية دخولها في صدام مباشر مع روسيا، فكيف يمكن لأمريكا أن تتدخل بشكلٍ مباشر لأجل تايوان وهي لا تجرؤ حتى اللحظة على “الاعتراف” بها “دولة مستقلة”، كما أن تايوان لا تحظى بأدنى تأييد عالمي أو أوروبي لموضوع “الانفصال” عن الصين أو “الاستقلال”، ومهما حاولت الولايات المتحدة تضخيم موضوع تايوان إلا أنها لم ولن ترقى إلى مستوى أوكرانيا وأهميتها سواء لها أم لـ”الناتو” أو لأي دولة أخرى، حتى إن الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما زار أوكرانيا دخل إليها بطريقة لا تليق برئيس دولة تعدّ نفسها مهيمنة على العالم. وبالتالي، فإن التصعيد الأمريكي الراهن لا قيمة له على أرض الواقع، ولا يعدو كونه في توقيته الحالي محاولة للضغط على الصين لكي تقنع روسيا بعدم إتمام عمليتها الخاصة في أوكرانيا قبل تحقيق أهدافها التي باتت قاب قوسين أو أدنى، فمن المتوقع أن تكون زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا في نيسان القادم تهنئة للرئيس الروسي بالنصر على النازية الجديدة في أوروبا، الأمر الذي يعني الفشل الذريع وبداية الانهيار للهيمنة والقطبية في العالم.
وتؤكد الصين، مهما أبدت من المرونة، أن ذلك لن يصل إلى حدّ التساهل، وحتى لو تساهلت بموضوع العقوبات، لن تتقبّل خطاً أحمرَ كموضوع العبث بملف تايوان. وعلى الرغم من جميع الاستفزازات، ما زالت الصين تحتفظ بسياستها الهادئة والعقلانية، وتؤكّد أن الحوار هو الطريق لحل المشكلات بين جميع الدول، مهملةً عامل الوقت في قضية ضمّ تايوان إلى الوطن الأم، ومستبعدةً منطق القوة في ذلك، حيث إن موضوع تايوان هو أبسط وأقل تعقيداً من موضوع إعادة ضمّ هونغ كونغ الذي سبق أن نجح دون أي حرب. أما تايوان فموضوعها مختلف نظراً لوجود تأييد لدى الرأي العام الشعبي في العودة إلى الصين، ووجود مواطنين من الإقليم ضمن الصين يفوق عددهم المليون، ما يستبعد فرضية العمل العسكري لضم الإقليم مهما تم الترويج لذلك.
كذلك، تعمل الصين على إعادة هيكلة جيشها منذ أكثر من عشر سنوات، حيث زادت نسبة الاقتطاع من الناتج القومي المحلي إلى 1,7%، بهدف مواجهة التحديات الإقليمية التي تواجهها وسط الحضور الأمريكي الكثيف في المحيطين الهادئ والهندي، والتوتر في بحر الصين الجنوبي، إضافةً إلى كوريا الجنوبية، كما تؤكد بكين الوفاء بالتزاماتها الدولية كدولة تمثل قطباً هادفاً لإرساء السلام الدولي، وتنفي أن تكون تلك الزيادة في إنفاقها العسكري تمثل انجراراً نحو أي حرب تحاول واشنطن إشعالها، أو تصويرها عبر بعض مراكز الأبحاث والوسائل الإعلامية الغربية على أنها وشيكة كما يحدث في كل سنة.
ويتوقّع خبراء أن زيادة الصين لاقتطاعاتها لأغراض عسكرية قد تتجاوز الـ2% في حال مضت بمشروع إدخال تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي والروبوتات في المجالات القتالية، وهي مع ذلك نسب تبقى لا تتجاوز المعدلات العالمية، أو حتى نصف ما تنفقه الولايات المتحدة عسكرياً، ففي وقت أنفقت فيه الصين 320 مليار دولار في عام 2021، أنفقت أمريكا أكثر من 800 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن الرقم الأخير يهدّد بانهيار الداخل الأمريكي اقتصادياً واجتماعياً وخدمياً بشكل وشيك، قبل انهياره أمام النزاعات الخارجية والتوترات التي تشعلها حول العالم كطريقة للكسب والارتزاق.
ويُجمع الخبراء أيضاً على أن أي حرب بين أمريكا والصين ستعود بآثار كارثية، وخاصةً على واشنطن، وذلك أولاً بسبب بعدها عن مسرح العمليات، عكس الصين، والتفوّق الصيني الجوي والبحري في المنطقة، حيث يمكنها السيطرة جوياً على تحرّكات قد تقام ضمن تايوان، وتدمير آلاف الطائرات والسفن لحلفاء أمريكا وأية قوات قد ترسلها إن جنحت نحو الحرب، ناهيك عن امتلاك بكين أسلحة بالستية ورؤوساً نووية قادرة بسهولة على ضرب البر الأمريكي، إضافةً إلى تبوّئها المركز الأول في القوة البحرية العالمية من حيث عدد القطعات بعد صناعتها ثلاث حاملات طائرات، وهذا كله يعني أن أمريكا ستتكبّد مع حلفائها خسائر تفوق بأضعاف المرات أية مرابح قد تظن نفسها ستقطفها من حربها المزعومة في المنطقة.
من المسلّم به أن الحرب المشتعلة الآن ليست بين روسيا وأوكرانيا، والاستفزازات ليست بين تايوان والصين، بل إنها حرب أمريكية موجّهة نحو أي قوة قد تكسر قطبيتها، ولكن المسألة الأهم هي أن الصين تعمل جاهدةً على تحقيق التوازن الدولي، كما أن الصين تربط مستقبل العالم بأسره بوجودها كقوة، وهذا أيضاً ما سبق أن أعلنته روسيا وتلاقت فيه مع بكين، حيث يؤكّد الجانبان هدفهما في حفظ سلامة ووحدة أراضيهما، وصون الأمن والسلام حول العالم.