مجلة البعث الأسبوعية

“بيبي قصتي”.. كتاب الافتراءات والأكاذيب والقصص الملفقة

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

يقول أسعد أبو خليل، المفكر والكاتب اللبناني الأمريكي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، إذا كنت لا تهتم بانتهاكات حقوق الإنسان، وكنت نصيراً لجرائم الحرب، فإن مذكرات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الصادرة مؤخراً ” بيبي قصتي” تناسبك تماماً.

من الواضح، أن مذكرات رئيس الوزراء اليميني المتطرف ممتعة للقراءة لكل من يشعر بالارتياح تجاه عنصريته وتشويه صورة السكان الأصليين.

في هذه المذكرات، نحن إزاء “زعيم” صهيوني يفتخر بانتهاكاته لقوانين الحرب، مثل تفجير طائرات مدنية لبنانية عام 1968، وبقيوده العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة لأنهم أكثر عرضة للجريمة من الشعوب الأخرى، بحسب مذكراته.

هذا الكتاب مثل الكتب السابقة لـ نتنياهو، سيقرؤه الصحفيين وصناع القرار الأمريكيين على حد سواء، فقد كان نتنياهو دبلوماسياً صغيراً عندما كان وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز يدعوه لإجراء مناقشات مطولة حول السياسة الخارجية، وكيفية إخضاع العرب.

وللإشارة، تساعد هذه المذكرات في شرح الطريقة التي يتبعها صناع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإذا كتب عربي عن أصول سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكيف يصوغ القادة “الإسرائيليون” بشكل أساسي الخطط والسياسات الأمريكية لهم، فسيتم اتهامك تلقائياً بمعاداة السامية.

لذلك، عندما ادعى نتنياهو مرات عديدة في مذكراته، أن الإدارات الأمريكية تبنت رؤيته اليمينية المتطرفة، كان صادقاً في ذلك، و من هنا علمنا أن اتفاقيات “أبراهام” التي أعلنها الرئيس السابق ترامب بدأت بالفعل كمبادرة من نتنياهو.

في مذكراته، يؤكد نتنياهو المعروف بميله إلى الالتفاف على الحقيقة، والكذب والإقتراء، أن حرب 1967 كانت حتمية، لأن “العرب كانوا سيخوضونها” بينما كانت “إسرائيل” هي التي شنت تلك الحرب. وفي الساعات الأولى من الحرب، حاولت الحكومة “الإسرائيلية” أولاً تضليل إدارة جونسون من خلال الادعاء الكاذب بأن مصر بدأت ذلك بإطلاق الطلقات الأولى.

مستمتع في اللهب

كان نتنياهو فخور جداً بـ “مهمة” تفجير الطائرات المدنية اللبنانية عام 1968، لدرجة أنه اختلق عملية تفتيش دقيقة للطائرات في منتصف الليل، عندما كانت الطائرات رابضة والمطار مغلق، لضمان عدم وجود مدنيين على متن الطائرة قبل تنفيذ العملية، حيث حاول إضفاء طابع إنساني على جرائم الحرب التي ارتكبها.

وبحسب مذكراته، كان مستمتعاً عندما رأى المطار مشتعلاً بألسنة اللهب الهائلة، كان الأمر كما لو أنه جاء من فيلم، حيث ذكر عرضاً أن شقيقه كان في الفريق الذي داهم بيروت في عام 1973، وقتل قادة مدنيين وعسكريين فلسطينيين، مدعياً أن هؤلاء القادة كانوا يخططون لشن هجمات على “إسرائيل”، بينما كان أحد الضحايا الشاعر كمال ناصر، والذي لم يحمل سلاحاً في حياته، هكذا بدأت حرب نتنياهو.

كتب نتنياهو في مذكراته عن ارتباط اليهود بالأرض، بما في ذلك اليهود الأوروبيين الذين لم يروا الأرض المقدسة من قبل، لكنه لا يستطيع فهم ارتباط السكان الأصليين الفلسطينيين بأرضهم، فهذا هو جوهر العنصرية الصهيونية التي لا تزال تدعم العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين.

كان تحليل نتنياهو للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية بسيط، فبغض النظر عما تفعله “إسرائيل”، وبغض النظر عن عدد الحروب والغزوات التي تشنها، فإن التحالف مع الولايات المتحدة سيتحقق من تلقاء نفسه. إنه يعتقد بشكل صحيح أن رؤساء الولايات المتحدة سوف يقفون إلى جانب “إسرائيل” مهما حدث ومهما كانت سياساتها.

 الوصول إلى القمة

تكشف المذكرات إلى أي مدى يمكن للصهاينة الأمريكيين ذوي النفوذ الوصول إلى أعلى المناصب في الحكومة الأمريكية. وفي السياق ذاته، قرر والد نتنياهو، أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة كورنيل في ذلك الوقت، رفض السياسة الخارجية الأمريكية تجاه “إسرائيل” في عام 1974. لذلك اصطحب ابنه لمقابلة وكيل وزارة الخارجية السابق للرئيس ليندون جونسون للشؤون السياسية، يوجين روستو، حيث رتب روستو للقاء الإثنين مع بول نيتزي والأدميرال إلمو زوموالت.

هل لنا أن نتخيل أن يتمتع أستاذ عربي أمريكي وابنه بمثل هذا النوع من الوصول؟. حتى يومنا هذا، توصد الأبواب بوجه العرب الأمريكيين الذين يختلفون مع السياسة الخارجية الأمريكية، ولا يستثنى منهم سوى من يشيد بحروب الولايات المتحدة وسياستها.

حتى أن والد نتنياهو التقى بالجنرال دوايت أيزنهاور عام 1947 للدفاع عن الحكومة الإسرائيلية اليمينية، وكان أيزنهاور “معجباً بما فيه الكفاية” لذلك طلب منه تكرار عرضه بالكامل أمام اجتماع كامل لهيئة الأركان العامة للجيش.

البدايات في الولايات المتحدة

في ثمانينيات القرن الماضي، بدأ نتنياهو العمل في السفارة “الإسرائيلية” في واشنطن. وبطبيعة الحال، كان لديه حق الوصول إلى أعلى مستويات السلطة في الإدارة الأمريكية، وقد اعترف بتجنيد أشخاص معنيين لنشر “مقالات افتتاحية” مؤيدة “لإسرائيل” وتدحض إي انتقادات تطالها.

كان نتنياهو ضيفاً منتظماً ومطلوباً في البرامج الإخبارية التلفزيونية الأمريكية، وقد أخبر القراء أن “أطقم الكاميرا” الأمريكية كانت تمنحه إشارة الإعجاب بعد ظهوره على قناة “أي بي سي نايت لاين” وكان شولتز، وزير الخارجية في ذلك الوقت، يدعوه وهو مجرد موظف في السفارة “الإسرائيلية” لأخذ رأيه حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

كان يتعين على أي سفير عربي الانتظار شهوراً قبل أن يلتقي بضع دقائق مع وزيرة الخارجية، شارك شولتز.وفي أول لقاء له عن الفلسطينيين قال نتنياهو عن الفلسطينيين: “هؤلاء ليسوا بشراً”، في غضون ذلك، كان الرئيس رونالد ريغان يقرأ كتاب نتنياهو عن الإرهاب ويوزعه على مساعديه.

 تبجح ببيبي

يسعى نتنياهو لإظهار نفسه أمام القراء بأنه بطل عسكري، وأنه مثقف وسياسي، كما أنه مسلي ويستطيع تقديم التوقعات، إذ يخبر، على سبيل المثال، عن كيفية انهيار الكتلة السوفيتية، على الرغم من عدم تقديم أي أدلة تؤيد إدعاءه.

ومن الأكاذيب والقصص الملفقة التي أوردها في مذكراته، ثرثرته حول مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وكيف جمع المراسلين العرب وطرح عليهم أسئلة، ودحض كل حججهم حول الصراع. والحقيقة، لم يُعقد مثل هذا المؤتمر الصحفي، ويتذكر المشاركون أن المراسلين العرب قاطعوا بالفعل المؤتمر الصحفي للقادة والدبلوماسيين “الإسرائيليين” في ذلك الوقت.

يدعي نتنياهو أن جميع الدبلوماسيين العرب في الأمم المتحدة، حيث كان سفيراً “لإسرائيل” يجهلون الحقائق في الشرق الأوسط، في حين أن كتابه مليء بالأخطاء وعدم الدقة والأكاذيب والقصص الملفقة.

لا يستطيع القارئ لمذكراته أن يتجاهل عنصريته الواضحة للعيان، حيث تعمد نتنياهو الإشارة غير مرة إلى السكان الفلسطينيين الأصليين في الأرض المقدسة على أنهم مجرد “عرب يغتصبون الأرض”، ويؤكد بجرأة أنه “ليس اليهود هم من يغتصبون الأرض من العرب، بل العرب هم من يغتصبون الأرض من اليهود، اليهود هم السكان الأصليون والعرب هم المستعمرون “.