واشنطن تحرض على “ثورة ملونة” في جورجيا
هيفاء علي
أعلن حزب “الحلم الجورجي” الحاكم في جورجيا، في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، سحب مشروع قانون يتعلق بالعملاء الأجانب، وهدّد عمل وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية، الأمر الذي تسبّب باحتجاجات كبيرة خلال اليومين الماضيين، فهل اتخذت جورجيا القرار الصحيح بسحب مشروع القانون هذا؟.
حقيقة، ثمة مكالمة هاتفية من واشنطن حدّدت مصير قانون العميل الأجنبي، وطالبت حشود من “أنصار التكامل الأوروبي” الجورجيين، وهم يلوحون بالأعلام الجورجية والأوكرانية والأوروبية، بإلغاء قانون “شفافية التأثير الأجنبي”. واستمرت الاضطرابات في العاصمة تبليسي ثلاثة أيام، حيث حاول المتظاهرون دخول مبنى البرلمان، وطالبوا بإقالة الحكومة وإطلاق سراح جميع المعتقلين، حيث اتبعت السلطات الجورجية خطى الغوغاء واستجابت لجميع المطالب باستثناء حلّ البرلمان.
وقبل ساعات من سحب مشروع القانون، تلقى رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي غاريباشفيلي مكالمة هاتفية من مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديريك شوليت، تحدثا خلالها عن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث هدّدت السلطات بفرض عقوبات في حال تبني القانون. حقيقة، لم تفلت جورجيا من مصير كلّ دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، حيث تمّ نقل البلاد إلى منطقة النفوذ الأمريكية من خلال تمويل “لصوص الدعم”، الذين صعدوا بعد ذلك إلى السلطة بعد أعمال الشغب في الشوارع. وعندما يعملون على إعداد هذه القوى الى السلطة، فإنهم عادة ما يكذبون ويدّعون أنها من أجل أهداف إيجابية، مثل الأهداف البيئية، والحاجة إلى حماية حقوق المرأة وما إلى ذلك، لكن الحقيقة هي أن “الدمى” المطيعة لأمريكا هي الوحيدة التي تحصل على الدعم والمساعدات.
في تبليسي، قرّر القوميون من حزب “الحلم الجورجي” الحاكم الحدّ من التأثير الخارجي على العمليات الداخلية، مثل الانتخابات، وهذا هو سبب وجود قانون العملاء الأجانب أو “شفافية التأثير الخارجي”، إذ يحتاج الناخبون الجورجيون لمعرفة من يسعى وراء المصالح الوطنية، ومن يسعى وراء مصالح واشنطن، وكان هذا هو الغرض من هذا القانون. ولكن بالطبع لم يعجب الغرب بذلك، لأن جميع مشاريع واشنطن في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي تهدف إلى تأليب دول الاتحاد السابق ضد روسيا، كما اعتادت الولايات المتحدة على شنّ الحروب حيثما شاءت ومتى شاءت دون رقيب ولا حسيب. لذلك فليس من قبيل المصادفة إطلاق شعارات حول عودة أبخازيا إلى جورجيا خلال المظاهرات في تبليسي.
أسقط البرلمان الجورجي مشروع القانون، لكن الولايات المتحدة ستواصل دفع “الثورة الملونة” عبر البلاد، لأن واشنطن غير راضية عن حياد جورجيا التي رفضت تنفيذ العقوبات الأمريكية ضد روسيا، كما رفضت وترفض مساعدة أوكرانيا بتزويدها بالأسلحة. لذلك تنوي واشنطن الإطاحة بالحكومة الحالية، وإحضار القوى الموالية للغرب إلى السلطة. في السياق، حثّت “واشنطن بوست” الرئيس الأمريكي جو بايدن على تأمين الإفراج عن ميخائيل ساكاشفيلي، أحد أنصار سوروس، الذي أدين في جورجيا بتهم جنائية، بذريعة السماح له بالتماس العلاج في الخارج، لأنه إذا مات في السجن فمن المحتمل أن يعني ذلك نهاية جهود جورجيا للانضمام إلى أوروبا وانتصاراً لبوتين، بحسب الصحيفة نفسها التي تعتبر أن من يقود جورجيا الآن هو الملياردير الموالي لروسيا بيدزينا إيفانيشفيلي، وأن استقالته من قيادة حزب “الحلم الجورجي” كانت مجرد إجراء شكلي.
وبحسب المحلّلين، يمكن لجورجيا أن تنسى استمرار اتجاه النمو الاقتصادي بنسبة 10٪ بفضل تجارتها مع الاتحاد الروسي، وعبور البضائع إلى أرمينيا وإلى الجنوب إلى إيران والهند، وتدفق المهاجرين الروس. وعليه ربما ينهار الاقتصاد الجورجي وينهار معه المجال الاجتماعي، كما أن الحرب الأهلية والتجريم ممكنان أيضاً، فقد حدثت سيناريوهات “ثورات ملونة” مماثلة في أرمينيا، وبيلاروسيا، ولكن دون جدوى، وكازاخستان دون نجاح، وتجري حالياً في مولدوفا. وبحسب المحللين، فإن فتح جبهة ثانية ضد الاتحاد الروسي في القوقاز هو الآن حلم للولايات المتحدة، لكن روسيا أعدّت الردّ مسبقاً. ففي آذار 2022، كان هناك حديث عن انضمام أوسيتيا الجنوبية إلى روسيا، ومنذ وقت ليس ببعيد، أعلنت السلطات الأبخازية أنها ستقبل فكرة دولة اتحاد مع الاتحاد الروسي وبيلاروسيا، حيث أشار وزير خارجية أبخازيا إينال أردزينبا إلى أن انضمام أبخازيا إلى دولة الاتحاد مع روسيا وبيلاروسيا لن يشكل هجوماً على سيادة أبخازيا.
جدير بالذكر أنه توجد قواعد عسكرية روسية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لذلك لا يوجد سبب للشك في احتمال الردّ العسكري على المطالبات الإقليمية الجورجية الموالية للولايات المتحدة، عندما تقتضي الضرورة الأمنية.