ثقافةصحيفة البعث

رنا حتمل: صالات الفن تسوّق للفن الغريب والمتفرد

ملده شويكاني

سينوغرافيا مسرحية بكلّ عناصرها، متألقة بفنية الإضاءة، ليست على خشبة المسرح، وإنما في لوحة الفنانة التشكيلية د. رنا حتمل، التي تجسّد مشهداً مسرحياً بحوارات خفية بين ثنائية الأنثى والرجل توحي بمعاني الاحتماء والاحتواء، تتناغم مع الألوان الحارة ولاسيما الأحمر حيناً، وبألوان متنافرة حيناً آخر، وثمّة بوح للذات في لوحات أخرى تفسّره حركة الشخوص الانفعالية وإيماءتها، تتكامل مع دلالات الأشياء مثل الكرسي والسرير والنافذة والغراب.

والملفت تقسيمات اللوحة إلى أجزاء، وهذا يعود إلى مسار رنا حتمل بدمج الرسم بالتصميم الهندسي، كونها حاصلة على شهادة دكتوراه في هندسة العمارة.

رنا حتمل ابنة الفنان التشكيلي الراحل ألفريد حتمل الذي تأثر بالفنّ الإيطالي خلال إقامته في روما، وكرمت ذكراه وزارة الثقافة مع المكرمين الراحلين في الموسم الخامس لأيام التشكيل السوري في العام الماضي. وقد تأثرت رنا بوالدها من زاوية ما بتناولها الكثير من الإنسانيات، وإن اختلف أسلوبها، حالياً تقيم في كندا بعد أن أقامت معارض عدة في دمشق وبيروت ودول عدة، وكان لـ”البعث” معها هذا الحوار:

لماذا اخترت الأسلوب التعبيري بدمج الرسم بالتصميم الهندسي بمشهدية تمثيلية؟.

أسلوبي يتبع حصيلة ما اكتسبته من الممارسة الفنية والدراسة الأكاديمية، ويبدو أنني تأثرت بطريقة التصميم المعماري، فأبدأ بمشروع ما عن طريق وضع فكرة ورسمها، ومن ثم الفكرة تتطوّر حتى تصل لتكوين العمل الفني أو اللوحة.

وباعتقادي أن كلّ عمل فني يسعى لإيصال فكرة ما قد تكون هادفة أو لا تكون، وأنا أعبّر عن الفكرة التي تشغلني بالطريقة التعبيرية، وهنا راقتني مشهدية التمثيل، وكأن الشخصيات في اللوحة تقف على خشبة المسرح والعناصر مثل الكرسي والنافذة والغراب وغيرها تعمل على خدمة الموضوع أو الفكرة. أما عن استفسارك حول تلوين الغراب بالأبيض، فقد تقصّدت ذلك حسب موضوع اللوحة.

يبدو تأثرك بوالدك من خلال تعمقك بموضوعات إنسانية.. فما تعليقك؟

والدي الفنان ألفريد حتمل هو معلمي، كنت أمضي الساعات وأنا أراقبه، وقد شجّعني وأعطاني الحرية وهيّأ لي الأجواء المناسبة، فتأثرت بأسلوبه طبعاً بطريقته الخاصة بتعامله مع اللون، وإن بدت الموضوعات التي أعمل عليها مغايرة وألواني التي أستخدمها متنافرة ومتضادة وليست متجانسة.

كيف كانت الانطباعات العامة حول معرضك الأخير الذي أقيم في كندا بعد معارض عدة لك في دمشق وبيروت؟.

معرضي الفردي الأخير كان في تورنتو عام 2017 وبرأيي ما زالت فكرة الفن الأكاديمي (التصوير الحرفي) هي الفكرة السائدة عن الفنون وتحديداً الرسم حتى الآن، وأقصد أن الناس عامة تعجب بالعمل الفني وفق درجة اقترابه من الصورة التي نلتقطها بكاميرا مثلاً، طبعاً لا أعني الجميع، لكن يبدو لي أن الفن بات كمالياً أو أكثر من كمالي، لأن الكماليات نستطيع اقتناءَها من فترة إلى أخرى.

وأرى أن الناس تشعر بقطيعة تامة بينها وبين الفنون، ويعود ذلك لأن الفنون بالغت في تفردها، وكلما كانت غريبة ومتفردة أكثر كانت مقبولة لدى صالات الفنون ومسوّقي الفن والمقتنين وفق مفهوم (الصناعة الثقافية)، في حين أن الجمهور العام بعيد عن فهم واستساغة الفنون التي تقدّمها هذه الجهات، إضافة إلى ذلك القطيعة أيضاً مع الفنون بسبب الأوضاع الصعبة التي نمرّ بها وضيق سبل المعيشة.

هناك فنانون الشباب ومعاصرون يعتمدون على المشهد الرقمي.. ما رأيك بهذا الأسلوب؟

حتى الآن لم أجرّب التعامل مع فن الديجيتال، ربما لأن لديّ أسلوباً أعمل عليه وأطوره ولم أصل لمرحلة الإشباع، لكن بالتأكيد لا نستطيع الوقوف في وجه التطور، وكل اتجاه له إيجابيات وسلبيات وهو اتجاه قائم ويتطوّر بسرعة كبيرة ولا يمكن تجاهله.

كيف تشرحين مشروعك الجديد الذي يأخذ الطابع التمثيلي التشكيلي؟

أعمل على مشروعي منذ سنة تقريباً بعنوان “حب”، والمشروع سلسلة مثل حلقات مسلسل، تدور أحداثه حول شخصيتين رئيسيتين (هو وهي)، وكلّ حلقة تمثل حالة أو مشهداً، وتبقى الشخصيتان الرئيسيتان ثابتتين على غرار “المتصل– المنفصل” والخلفية والحالة متغيّرة، إذ استعرت فكرة أو حالة من أغنية عربية معروفة مثل “حبك مفرحني” و”فوق النخل” و”شباك حبيبي” و”أنا وحبيبي في جنينة والورد مخيم علينا” “الليلة ياسمرا” وغيرها، وهو موضوع مطروق، لكنني قصدت التحدث عنه ربما كمحاولة للتفاؤل أكثر، والتأكيد على استمرارية الحياة، رغم أننا جميعاً نمرّ بحالات حزن نتيجة ما شهدته سورية أثناء سنوات الحرب الإرهابية والحصار ما لا يمكن احتماله ولا تجاهله، ومن ثم حدثت نكبة الزلزال المأساوية بعد ثلاث عشرة سنة من الأزمة وخسارات بالأرواح والأوابد والبيوت.

هل ستجسدين نكبة الزلزال في لوحاتك.. ولاسيما أنك تطرقت بفنية غير مباشرة إلى الحرب الإرهابية؟.

على الفن أن يعكس الواقع ويحمل رسالة إن كان هناك من يسمع أو لا، حتى لو كان من الصعب قياس مدى فاعلية الفن على الناس في غمرة الأحداث والمآسي التي نمرّ بها.