شح الهطل ينذر بأزمة محاصيل.. فما العمل؟
قسيم دحدل
على مدار اثني عشر عاماً متتالية، حرب إرهابية مدمّرة للبشر والزرع والحجر، ثم كورونا، فحرب اقتصادية: حصار وعقوبات، فزلزال، والآن بوادر ماثلة تُنذرُ بتعرّض موسمنا الزراعي الحالي للجفاف، هذا رغم ما تجود به السماء اليوم من غيث رباني اسعافي قد يقلص مساحة التشاؤم الزراعي لصالح التفاؤل في التعويض والتحسن النسبي في المؤشرات المطرية المسجلة حتى تاريخه…
واقع مركّب من القضايا الثقيلة جداً، ترخي بظلالها، الأمر الذي يوجّب علينا العمل بأكثر من المستطاع، كي نمنع ما أمكن من آثار وتداعيات الجفاف الذي يضرب سورية، منذ العام 2013، وزادت حدّته هذا العام، الأمر الذي زاد من مخاوف القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، حيث ارتباط الثاني بالأول، نتيجة لانحسار الأمطار وتراجع كمياتها في أغلب المناطق.
ولو رجعنا إلى أرقام وإحصائيات الهاطل المطري في سورية، فسنجد أنها تشير إلى أننا مقبلون – حتى اللحظة – على جفاف لا تُحمد عواقبه، على صعيد إنتاج المحاصيل الزراعية، سواء البعلية أم المروية، حيث انخفاض الهطل وانحساره وصل إلى مؤشرات تقتضي الاستعداد عاجلاً لا آجلاً لدرء تداعيات المستجدات من متطلبات أمننا الغذائي.
ولعلّ مراجعة سريعة لتراجع متوسط الهطل المطري في عدد من المحافظات، تشكل مؤشراً كافياً لضرورة التحوط من المشكلات الزراعية والغذائية القادمة، ففي عام ٢٠١٣ كان المتوسط المطري في ريف دمشق ٢٦٢ مم ليتراجع للعام الجاري إلى ١٨٩ مم، وفي درعا كان نحو ٢٥٨ مم ليتراجع إلى ١٨٤ مم، وفي القنيطرة تراجع من ٧٧٥ مم إلى ٤٤٧ في الموسم الحالي، كذلك في حماة تراجع من ٦٥٣ مم إلى ٣٩٥ مم، وفي حمص من ٥٣٥ مم إلى ٤١٠ مم، وطرطوس من ١١٩٣ مم إلى ٧٢١ مم، وفي اللاذقية تراجع من ١٠٤٣ مم إلى ٥٥٩ مم، وفي حلب من ٣٧٥ مم إلى ١٧٩ مم، والحسكة من ٢٥٨ مم إلى ١٣٦ مم، أما في الغاب فتراجع متوسط الهطل من ٩٥١ مم إلى ٥٢٤ مم وفي السويداء من ٢٨٤ مم إلى ١٩٧ مم.
وبحسب مصادر، فقد حدثت عدة ظواهر خارجة عن المألوف، أدّت إلى حصول خسائر كبيرة، نتيجة لشدة التغيّرات المناخية، وما الأحداث المتطرفة مناخياً الحالية في سورية إلاَّ نتيجة الارتفاع المستمر في معدل درجات الحرارة وانخفاض معدل الهطل المطري مع اضطراب في توزعه وتراجع الموارد المائية وشحها.
ولعلّ الموسم الحالي يؤشر لأمور مقلقة جداً على الأمن الغذائي، حيث شهد حالة هطل مطر لمرة واحدة وكانت غزيرة، ومع ذلك فهذا غير كافٍ لأن المحاصيل الزراعية تحتاج إلى تواتر الهطلات لريها وتحقيق عملية نموها كما يجب، وعليه فإن الانقطاع المطري لا يزال سيئاً حتى الآن ولا شك أنه سيترك أثراً سلبياً، وعليه فالمحاصيل البعلية ستخرج حكماً من دائرة الإنتاجية للموسم الحالي، كما ستتأثر المحاصيل المروية.
وكان رئيس اتحاد الفلاحين صرّح مؤخراً بأن الانحباس المطري يهدّد بخسارة المحصول البعلي من القمح بنسبة 100% علماً أن نسبته بالإنتاج تعادل 25% و75% للمروي، كما لفت إلى أنه من الممكن أن تضطر سورية لاستيراد العدس والحمص قبل رمضان.
تراجع الهطولات لا شكّ انعكس سلباً على ريّ المحاصيل بنوعيها، وكذلك على السعات التخزينية للسدود والمياه الجوفية، ما يعني أننا بحاجة لإدارة مائية مختلفة كلياً عما سبق، قادرة على الاستغلال الأمثل لكلّ نقطة ماء وقطرة غيث، وبآليات متطورة تتيح أقصى درجات الاستفادة من ثروتنا المائية، وهذا لا يعني استبعاد المياه العادمة أو المالحة، وإنما التركيز عليها أيضاً في عمليات إعادة الفعالية لمحطات المعالجة والتنقية، حتى نتمكّن من استثمارها للحدّ الأقصى في ريّ الزراعات المناسبة لهذا النوع من المياه.
كلّ ما تقدّم سيحتاج لجهود كبيرة ومخلصة على الصعيدين العلمي والعملي، تأخذ بالحسبان ضرورة وأهمية بناء منظومة مائية تستند إلى داتا معلوماتية متكاملة لإمكانياتنا المائية بمختلف أشكالها وتموضعها وكيفية إدارتها، وفق أسس وقواعد صحيحة مستندة لأحدث ما توصلت إليه إدارات المياه في العالم.
كما نأمل ألا تكون الكوارث عامل إحباط وحجة جاهزة، كي نعلّق عليها عدم مقدرتنا على تنفيذ المطلوب، مع علمنا وإدراكنا بكبر العمل المراد تحقيقه وكبر تكلفته وما يحتاجه من كفاءات متخصّصة وكوادر خبيرة ومشاريع استثمارية زراعية ومائية عمادها توطين الري الحديث بأكبر نسبة، والزراعة الكثيفة بكلّ أبعادها.
Qassim1965@gmail.com