ثقافة العمل السائدة تحاصر “المشروعات الصغيرة” في طرطوس.. ومطلب بإحداث صندوق لتمويلها
دارين حسن
انتشرت المشاريع الصغيرة والمتوسطة وازدادت بشكل واضح خلال السنوات العشر الأخيرة في محافظة طرطوس، حيث امتهنت ربات المنازل صناعة الحلويات وتجفيف الفواكه وحفظ المؤونة، ومنهن من اتجهن إلى مشاريع الخياطة والحياكة والتطريز وصناعة الملابس الصوفية، لما لتلك المشاريع من فوائد مادية ومعنوية للأسرة> ولم تقتصر المشاريع الصغيرة على النساء بل شارك فيها الشباب من مختلف الفئات العمرية من خلال تصنيع المنظفات وتعبئة المواد الغذائية، وغيرها الكثير من المشاريع التي لا تحتاج لرأس مال كبير وأدوات، إنما لجهد وإتقان من يقوم بها، لتساهم في إيجاد مورد مادي “منقذ” لحياة الأسرة في ظل متطلباتها العديدة وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
برامج دعم عديدة
رئيسة فرع هيئة التشغيل في طرطوس ورود سليمان أوضحت أن الهيئة تعمل وفق برامج عديدة من أجل دعم وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى العمل على تأهيل رواد الأعمال وتدريب طالبي العمل من أجل التشغيل المضمون، عدا عن إقامة المعارض والأنشطة الترويجية وحاضنات الأعمال وتعزيز قدرات المرأة، وبرنامج تحسين مستوى معيشة الأسرة العاملة.
وبيّنت سليمان أن جميع البرامج تهدف إلى تأهيل وتدريب أصحاب المشاريع والراغبين في العمل ضمن القطاع الخاص، وبالتالي دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لافتة إلى أن جميع الخدمات التي تقدّمها الهيئة مجانية لجميع المسجلين.
وبحسب سليمان بلغ عدد الدورات التدريبية 106 دورات شملت عدة مجالات، منها تربية نحل وزراعة فطر والبروكار وتقطير أعشاب وصناعة صابون غار وصناعات غذائية وصيانة موبايل وصيانة أجهزة إلكترونية وكهربائية وتمديدات كهربائية وصحية، كذلك تركيب ألواح شمسية والتحكم الآلي ICDL، والتحليل المالي الائتماني، والتحليل الإحصائي وسكرتاريا تنفيذية وحلاقة نسائية وتمريض وصناعة منظفات ومحاسبة تجارية وتجارة إلكترونية، إضافة إلى دورات إعداد مدرّب لذوي الاحتياجات الخاصة ومونتاج، وزراعة منزلية وخياطة وغيرها.
وانطلاقاً من أهمية إيصال برامج الهيئة لكافة المناطق والشرائح وبسبب قلة المواصلات وارتفاع أجور النقل، قام فرع الهيئة باستهداف الريف البعيد، حيث تمّ تنفيذ دورات في قرى صافيتا وبانياس والقدموس والشيخ بدر والدريكيش في مجالات منوعة، كمشاريع زراعة فطر وتربية نحل وصناعات غذائية وصناعة منظفات.
الجرحى ضمن دائرة الاهتمام
وكان لجرحى الحرب حصة كبيرة من البرامج المذكورة، وفق ما أشارت سليمان، حيث تمّ تنفيذ دورات للجرحى في مجال المونتاج وصناعة المنظفات وتأسيس المشروع، كما كانت لهم مشاركة في جميع المعارض المجانية التي أقامتها الهيئة في المحافظات ضمن جناح خاص بجريح الوطن، مبينة أنه سيكون هناك اتفاق قريباً مع برنامج جريح الوطن لتقديم دعم لجرحى الحرب لمن يرغب بإنشاء مشروع.
وقالت سليمان: نقوم بقبول طلبات الراغبين بإقامة مشاريع ليصار إلى تنفيذ دورة في مجال تأسيس المشروع لهم، حيث يتمّ إعطاؤهم خلال هذه الدورة معلومات حول كيفية اختيار المشروع وتحديد نقاط الضعف والقوة لكل فكرة مشروع، وبالتالي تتكوّن لديهم صورة واضحة عن إمكانية تنفيذ فكرة مشروعهم على أرض الواقع.
تشبيك
ولفتت سليمان إلى أن عدد المستفيدين الإجمالي من خدمات الهيئة، منذ بداية عملها منتصف عام ٢٠١٨ وحتى نهاية عام ٢٠٢٢، بلغ 2100 مستفيد، وتسعى الهيئة دائماً للتعاون والتشبيك مع كافة الجهات المعنية في دعم المشاريع، إذ تمّ التشبيك مع كل من الأمانة السورية للتنمية في مجال تنفيذ عدد من الدورات التدريبية لأبناء المجتمع المحلي في مناطق طرطوس، إضافة إلى المشاركة في إقامة مهرجان الدريكيش الذي أقيم خلال عام 2022. وأشادت سليمان بقرار وزارة التجارة الداخلية الذي يتضمن منح السجل التجاري للمشاريع المسجلة لدى الهيئة لمدة خمس سنوات بشكل مؤقت لحين تحديد عنوان للمشروع، مبينة أن ذلك القرار من شأنه تقديم الدعم التسويقي للمشاريع.
صعوبات العمل
ولم تخفِ سليمان أن صعوبات عديدة تعترض أصحاب المشاريع الصغيرة، وتتمثل بتأمين الضمانات المصرفية، وارتفاع نسبة مساهمة المستفيد من إجمالي التكلفة الاستثماريّة للمشروع، والتي لا تقلّ عن 50% من إجمالي التكلفة، مقرّة بأن رواد الأعمال الشباب لا يستطيعون تأمينها، بحسب قولها، وأن هناك صعوبات أخرى تتعلق بغياب ثقافة العمل الحر الخاص لدى غالبية الشباب ورغبة الغالبية العظمى بالعمل لدى القطاع العام والخوف من العمل الحر الخاص، بالإضافة إلى صعوبات إدارية بالحصول على الترخيص المطلوب كون المحافظة زراعية والحيازات صغيرة، عدا عن غياب المناطق والمدن الصناعية واقتصارها على المنطقة الوحيدة المتوفرة حالياً، ونقص اليد العاملة والخبيرة، والضرائب المفروضة، وصولاً إلى صعوبة تسويق المنتج.
مقترحات وحلول
وفي إطار الحلول الممكنة، اقترحت سليمان إحداث صندوق مختص بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسّطة يرتبط بالهيئة، وذلك لتمويل المشروعات القائمة وقيد الإنشاء بشروط تتناسب ووضع هذه المشروعات واحتياجاتها، وتفعيل عمل مؤسّسة ضمان المخاطر المحدثة بالقانون رقم /12/ لعام 2016 حيث تمّ وضع أنظمة العمل الخاصة بها، وتشجيع إنشاء مؤسّسات أخرى لضمان قروض المشروعات الصغيرة والمتوسّطة في القطّاع الخاص، ومنح المشروعات الصغيرة والمتوسّطة قيد الإنشاء ترخيصاً مؤقّتاً (أو إذناً بالعمل) لمدّة خمس سنوات.
وهنا لفتت سليمان إلى أن فرع الهيئة حصل على موافقة المحافظ بمنح المشاريع الريفية رخصة مؤقتة لمدة سنة مجانية، مشيرة إلى أن مدة الخمس سنوات ستعمل أكثر على تشجيع المشروعات التي تعمل ضمن القطّاع غير المنظّم للانتقال إلى القطّاع المنظّم، وخاصة إذا تمّ العمل على تخفيض رسوم التراخيص التي تستوفى من هذه المشروعات، وإعفاء المشروعات الصغيرة من الضرائب والرسوم خلال السنوات الخمس الأولى من عمر المشروع، وإنشاء تجمّعات أو حاضنات حرفيّة أو صناعيّة خاصّة بهذه المشروعات.
ودعت سليمان إلى أن تكون الهيئة طرفاً رئيسياً لرفد شركات ومؤسّسات القطّاع الخاص بالعمالة اللازمة لها، بحيث يقوم المواطنون الراغبون بالحصول على فرصة عمل ضمن القطّاع الخاص بالتقّدم بطلب لدى فروع الهيئة، والتعميم على أصحاب شركات ومؤسسات القطاع الخاص بالتوجّه للهيئة في حال رغبتهم بيد عاملة، وذلك أسوة بوحدة الترشيح المركزي المشكّلة في مديريات الشؤون الاجتماعيّة والعمل الخاصّة بترشيح المسجّلين للتوظيف لدى الجهات الحكوميّة.