تناقضات النظام “المبني على القواعد الإمبريالية ” العالم على أعتاب حقبة جديدة تبشر بنهاية إمبراطورية الولايات المتحدة
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
يتدهور النظام النيوليبرالي تحت وطأة العديد من التناقضات الداخلية، والظلم التاريخي، وانعدام الجدوى الاقتصادية.
إن ما يدلل على ذلك، هو إعلان مجلس العلوم والأمن التابع لنشرة علماء الذرة تحريك عقارب ساعة يوم القيامة المصممة للتنبؤ بمدى قرب البشرية من الإبادة المروعة- عند 90 ثانية، منتصف الليل. ويعد هذا أقرب توقيت إلى الوقت الرمزي لإبادة البشرية والأرض منذ عام 1947، ومن هنا طالب القادة في جنوب الكرة الأرضية بوقف إثارة الحروب حول أوكرانيا وضد الصين.
وكما قالت رئيسة وزراء ناميبيا سارا كوغونجيلوا أمادهيلا: “إننا نشجع على حل سلمي لهذا الصراع، بحيث يمكن للعالم بأسره التركز على تحسين ظروف الناس في جميع أنحاء العالم بدلاً من إنفاقها على حيازة الأسلحة وقتل الناس وخلق الأعمال العدائية”.
وتماشياً مع الإعلان عن ساعة يوم القيامة والتأكيدات التي أطلقتها أمادهيلا، لابد من تسليط الضوء على التناقضات في “النظام المبني على القواعد الإمبريالية”، حيث قام بصياغة هذه التناقضات كل من كيريتوي أوبوكو زعيم حزب الإصلاح في غانا، ومانويل بيرتولدي زعيم اجتماعي أرجنتيني من منصة الحركات الاجتماعية في جبهة باتريا غراندي، بالإضافة إلى مداخلات من كبار القادة السياسيين والمثقفين من جميع أنحاء العالم، بهدف الدعوة للحوار.
ابتدأ الحوار بأن الجميع يدخل الآن بداية حقبة جديدة نوعياً من تاريخ العالم، فقد ظهرت تغيرات عالمية كبيرة في السنوات التي تلت الأزمة المالية الكبرى لعام 2008، حيث يمكن ملاحظة ذلك في مرحلة جديدة من الإمبريالية والتغيرات في تفاصيل التناقضات بين الإمبريالية المحتضرة، واشتراكية ناجحة ناشئة بقيادة الصين.
اشتد هذا التناقض بسبب نهضة الصين السلمية، ولأول مرة منذ 500 عام، تواجه القوى الإمبريالية الأطلسية قوة اقتصادية كبيرة غير بيضاء يمكنها منافستها.، حيث أصبح هذا التناقض واضحاً في عام 2013 عندما تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين من حيث تعادل القوة الشرائية مثيله في الولايات المتحدة. واللافت أن الصين حققت هذا الهدف في فترة أقصر بكثير من الغرب، مع تفوق بالتعدد السكاني ومن دون استعمار، أو استعباد للآخرين، أو القيام بحروب عسكرية.
وبينما تؤيد الصين العلاقات السلمية، تزداد عدائية الولايات المتحدة بشكل ملحوظ، وللتذكير فقد قادت الولايات المتحدة المعسكر الإمبريالي منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانية، بعد أن أخضعت الولايات المتحدة استراتيجياً القطاعات المهيمنة في البرجوازية الأوروبية واليابانية. في بداية الأمر، سمحت الولايات المتحدة للقوتين الفاشيتين خلال الحرب العالمية الثانية، اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وألمانيا رابع أكبر اقتصاد بزيادة إنفاقهما العسكري بشكل كبير في أعقاب الحرب الأوكرانية.
بالطبع كانت النتيجة إنهاء العلاقة الاقتصادية بين أوروبا وروسيا، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الأوروبي، وتحويل المزايا الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة. وبالرغم من استسلام معظم النخب السياسية في أوروبا للتبعية الكاملة للولايات المتحدة، فإن بعض القطاعات الكبيرة من رأس المال الألماني تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الصين، أي أكثر بكثير من نظرائهم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، تضغط الولايات المتحدة الآن على أوروبا لخفض مستوى علاقاتها مع الصين.
بدأ مركز الاقتصاد العالمي في التحول، حيث تمثل روسيا وجنوب الكرة الأرضية بما في ذلك الصين، الآن 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والذي يُقاس بتعادل القوة الشرائية. ومنذ عام 1950 حتى وقتنا الحاضر، انخفضت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 27 في المائة إلى 15 في المائة.
كما كان نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يتراجع منذ خمسة عقود، وقد انخفض الآن إلى حوالي 2 في المائة فقط سنوياً. ولم يعد لديها أسواق جديدة كبيرة للتوسع فيها، حيث يعاني الغرب من استمرار الأزمة العامة للرأسمالية بالإضافة إلى عواقب تراجع معدل الربح لفترة طويلة.
وفيما يلي تناقضات النظام “المبني على القواعد الإمبريالية “:
- التناقض بين الطبقات الحاكمة
شهدت هذه العلاقة تغيراً جذرياً منذ تسعينيات القرن الماضي مع ذروة القوة والغطرسة أحادية الجانب للولايات المتحدة،. واليوم تزداد التصدعات في التحالف بين النخبة الحاكمة لمجموعة السبع والجنوب العالمي. ومع ذلك، فإن هذا التناقض لم يزداد حدة لدرجة أنه يمكن أن يكون نقطة محورية للتناقضات الأخرى، على عكس التناقض بين الصين الاشتراكية وكتلة الدول السبع الكبرى بقيادة الولايات المتحدة.
- التناقض بين الطبقة الحضرية والريفية
يزداد هذا التناقض حدة، فعلى الرغم من أن الغرب يتمتع بقوة ناعمة قادرة على تعزيز مصالحها في الجنوب العالمي بين جميع الطبقات، إلا أنه وللمرة الأولى منذ عقود، خرج الشباب الأفارقة لدعم طرد القوات الفرنسية في مالي وبوركينا فاسو في غرب إفريقيا. ولأول مرة، تمكنت الفئات الشعبية في كولومبيا من انتخاب حكومة جديدة رفضت وضع البلاد كموقع تابع لقوات الجيش والاستخبارات الأمريكية.
كما تقف نساء الطبقة العاملة في طليعة العديد من المعارك الحاسمة للطبقة العاملة والمجتمع ككل، وينتفض الشباب ضد الجرائم التي ترتكبها الرأسمالية بحق البيئية. كما أصبحت أعداد متزايدة من الطبقة العاملة تقوم بتعريف نضالاتها من أجل السلام والتنمية والعدالة على أنها مناهضة للإمبريالية بشكل صريح. وهم الآن قادرون على رؤية أكاذيب أيديولوجية “حقوق الإنسان” الأمريكية، وتدمير البيئة من قبل شركات الطاقة والتعدين الغربية، وعنف الحرب والعقوبات الأمريكية الهجينة.
- التناقض بين رأس المال واحتياجات الطبقات الشعبية
هذا التناقض هو نتيجة لانخفاض معدل الربح، وصعوبة اجتذاب رأس المال لزيادة معدل استغلال الطبقة العاملة إلى مستوى كافٍ لتمويل متطلبات الاستثمار المتزايدة والبقاء في المنافسة.
خارج المعسكر الاشتراكي، في جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة تقريباً، وفي معظم بلدان الجنوب – مع بعض الاستثناءات، خاصة في آسيا – توجد أزمة استثمار، حيث نشأت أنواع جديدة من الشركات التي تشمل صناديق التحوط مثل شركة “بريدغووتر أسوشييتس”، وشركات الأسهم الخاصة مثل شركة “بلاك روك”، حيث سيطرت “الأسواق الخاصة” على أصول بقيمة 9.8 تريليون دولار في عام 2022. وتبلغ قيمة المشتقات، وهي شكل من أشكال رأس المال الوهمي والمضارب، 18.3 تريليون دولار في القيمة “السوقية”، لكنها تبلغ قيمتها الإسمية 632 تريليون دولار، وهي قيمة أعلى بخمس مرات من إجمالي الناتج المحلي العالمي الفعلي.
ظهرت فئة جديدة من الاحتكارات التي تعتمد تأثير الشبكات القائمة على تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك “غوغل، وميتا، وأمازون” الخاضعة للسيطرة الأمريكية الكاملة لفرض الرسوم الاحتكارية، حيث تسيطر الاحتكارات الرقمية الأمريكية، تحت الإشراف المباشر لوكالات الاستخبارات الأمريكية، على هياكل المعلومات في العالم بأسره، خارج عدد قليل من الدول الاشتراكية والقومية.
وفرت هذه الاحتكارات الأساس للانتشار السريع للقوة الناعمة للولايات المتحدة في العشرين عاماً الماضية، كما جذب المجمع الصناعي العسكري، تجار الموت، المزيد من الاستثمارات.
وتؤدي مرحلة التراكم الريعي المكثفة القائمة على المضاربة والاحتكار لرأس المال إلى تعميق إضراب رأس المال ضد الاستثمارات الاجتماعية الضرورية.
في ظل النيوليبرالية، شهدت جنوب إفريقيا والبرازيل تحولاً هائلاً عن التصنيع، كما تجاهلت الدول الإمبريالية المتقدمة بنيتها التحتية، مثل شبكة الكهرباء والجسور والسكك الحديدية. وقامت النخب العالمية بتوفير تخفيضات هائلة في معدلات الضرائب، وكذلك الملاذات الضريبية القانونية لكل من الرأسماليين الأفراد وشركاتهم لزيادة حصتهم من فائض القيمة.
لقد أدى التهرب الضريبي للشركات وخصخصة قطاعات واسعة من القطاع العام، إلى تدمير الخدمات العامة الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والنقل لمليارات الناس. كما أسهم في زيادة قدرة الشركات الغربية على التلاعب والحصول على دخل فائدة مرتفع من أزمة الديون “المصنعة” التي تواجه الجنوب العالمي. وفي أعلى المستويات، يضارب المنتفعين من صناديق التحوط مثل جورج سوروس ويدمرون تمويل بلدان بأكملها.
اشتد التأثير على الطبقة العاملة، حيث أصبح عملهم محفوفاً بالمخاطر بشكل متزايد، وانتشرت البطالة الدائمة التي تدمر أعداداً كبيرة من شباب العالم ، كما تنتشر اللامساواة الاجتماعية والبؤس واليأس بشكل كبير.
- التناقض بين الطبقات في الجنوب العالمي
يتجلى هذا التناقض بشكل مختلف تماماً حسب البلد والمنطقة، ففي البلدان الاشتراكية والتقدمية، يتم حل التناقضات بين الناس بطرق سلمية ومتنوعة. ومع ذلك، في العديد من البلدان في الجنوب العالمي حيث كانت النخبة الرأسمالية تعمل بشكل كامل مع الشركات الغربية، تمتلك الثروة نسبة صغيرة من السكان، بينما ينتشر البؤس بين الأوساط الفقيرة، حيث يفشل نموذج التنمية الرأسمالية في خدمة مصالح الأغلبية.
بسبب تاريخ الاستعمار الجديد والقوة الغربية الناعمة، توافقت الطبقة الوسطى في معظم دول الجنوب الكبرى مع الغرب، حيث تُستخدم هيمنة الطبقية للبرجوازية المحلية والطبقة العليا من البرجوازية الصغيرة لمنع الطبقات الشعبية التي تشكل الغالبية العظمى للسكان، من الوصول إلى السلطة والنفوذ.
- التناقض بين الإمبريالية والدول المدافعة عن السيادة الوطنية
تنقسم هذه الدول إلى أربع فئات رئيسية: الدول الاشتراكية، والدول التقدمية، والدول الأخرى التي ترفض السيطرة الأمريكية، والحالة الخاصة لروسيا. لقد خلقت الولايات المتحدة هذا التناقض العدائي من خلال أساليب الحرب الهجينة مثل الاغتيالات، والغزو، والعدوان العسكري بقيادة الناتو، فضلاً عن العقوبات، والحرب التجارية، وحرب الدعاية المستمرة الآن القائمة على الأكاذيب الفاضحة.
تعتبر روسيا بوصفها فئة خاصة، حيث عانت من قتل أكثر من 25 مليون شخص على أيدي الغزاة الفاشيين الأوروبيين عندما كانت دولة اشتراكية. اليوم، أصبحت روسيا – التي تمتلك موارد طبيعية هائلة – مرة أخرى هدفاً للإبادة الكاملة كدولة من قبل الناتو. ولا يزال هدف الولايات المتحدة إنهاء ما بدأته في عام 1992، المتمثل بتدمير القدرة العسكرية الروسية بشكل دائم، وإنشاء نظام دمية في موسكو من أجل تفكيك روسيا على المدى الطويل، واستبدالها بالعديد من الدول التابعة الضعيفة للغرب.
- التناقض الطبقة العاملة والبرجوازية
على الرغم من أن هؤلاء العمال يظهرون بعض علامات التمرد على أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن البرجوازية الإمبريالية تلعب على وتر التفوق الأبيض لمنع وحدة أكبر للعمال في هذه البلدان. وفي هذه اللحظة، لا يستطيع العمال تجنب الوقوع فريسة للدعاية العنصرية للحرب، لذلك انخفض عدد الأشخاص الحاضرين في المناسبات العامة ضد الإمبريالية بشكل حاد خلال الثلاثين عاماً الماضية.
- التناقض بين الرأسمالية الغربية وحياة الإنسان
من الواضح أن المسار الحتمي لهذا النظام هو تدمير الكوكب والحياة البشرية، والتهديد بالإبادة النووية، والعمل ضد احتياجات البشرية التي تهدف لاستعادة الهواء، والماء والأرض على كوكب الأرض، ووقف الجنون العسكري النووي للولايات المتحدة التي ترفض خطط السلام. في المقابل، يمكن لجنوب الكرة الأرضية بما في ذلك الصين، مساعدة العالم في بناء الثقة وتوسيع “منطقة سلام” والالتزام بالعيش في وئام مع الطبيعة.
مع هذه التغييرات في المشهد السياسي، نشهد صعود جبهة غير رسمية، تتكون من تقارب الشعور الشعبي بأن هذا النظام العنيف هو العدو الرئيسي لشعوب العالم ضد النظام الإمبريالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. ومن الرغبة الشعبية لعالم أكثر عدلاً وسلاماً ومساواة، و نضال الحكومات الاشتراكية أو القومية والقوى السياسية من أجل سيادتها، بالإضافة إلى رغبات دول جنوب الكرة الأرضية الأخرى للحد من اعتمادها على هذا النظام.
إن القوى الرئيسية ضد النظام الإمبريالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة هي شعوب العالم والحكومات الاشتراكية والقومية. ومع ذلك، يجب توفير مساحة لدمج الحكومات التي ترغب في الحد من اعتمادها على النظام الإمبريالي.
جدير بالقول أن العالم يقف حالياً على أعتاب حقبة جديدة سنشهد فيها نهاية إمبراطورية الولايات المتحدة العالمية، حيث يتدهور النظام النيوليبرالي تحت وطأة العديد من التناقضات الداخلية والظلم التاريخي وعدم الاستقرار الاقتصادي.
ومن المؤكد أنه بدون وجود بديل أفضل، سينزلق العالم نحو المزيد من الفوضى، لذا يمكن القول أن هذه الحركات أحيت الأمل في إمكانية وجود طريق آخر غير هذا الصراعات الاجتماعية.