مجلة البعث الأسبوعية

عيد المعلم.. دعوة للتعبير عن شكرنا وإعجابنا في تكويننا سلوكياً ومعرفياً

جُمان بركات

المعلم في عيده ليس ككل إنسان عادي يمر عيده ثم يطو زخم العلاقة والحب والعطاء الخاص به في اليوم التالي، المعلم طقس حياتي يومي يعتري حياتنا كالتفاصيل الأخرى التي تشكل أساسيات ومكنونات وجودنا، فهو الملهم والموجه والقدوة والمربي والمعطي، كزمرة دم أو سلبي معطي عام لكل من يحتاج من نبراسه قبساً

وفي عيده نتذكر كل من مر في رحلتنا الحياتية وأعطانا من لدنه نبضة روح، لن نقول كل عام وأنت بخير بل أنت الخير في كل أعوامنا

قصة نجاح

دخل معلمٌ مكان معلمٍ آخر غادر لإكمال دراسته العليا، بدأ في شرح الدرس فسأل سؤالاً لطالب من الطلاب ضحك الجميع لجوابه.

ذهل المعلم وأخذته الحيرة والدهشة –ضحكٌ بلا سبب– لكن خبرته التدريسية علّمته أن وراء الأكمة ما وراءها، أدرك من خلال نظرات الطلاب سر الضحك وأن الطلاب يضحكون لوقوع السؤال على طالب غبيّ في نظرهم.

خرج الطلاب، ونادى المعلم الطالب وكتب له بيتاً من الشعر على ورقة وناوله إياه، وقال: يجب أن تحفظ هذا البيت كحفظ اسمك ولا تخبر أحداً بذلك. في اليوم التالي كتب المعلم بيت الشعر على السبورة وقام بشرحه، مبيّناً فيه المعاني والبلاغة ثم مسح البيت، وقال للطلاب: من منكم حفظ البيت فليرفع يده، لم يرفع أي طالب يده باستثناء ذلك الطالب رفعها باستحياء وتردّد، أجاب الطالب بتلعثم، وعلى الفور أثنى عليه المعلم ثناءً عطراً وأمر الطلاب بالتصفيق له، والطلاب بين مذهول ومشدوه ومتعجب ومستغرب، وتكرّر المشهد خلال أسبوع بأساليب مختلفة وتكرّر المدح والإطراء من المعلم والتصفيق الحاد من الطلاب.

بدأت نظرة الطلاب تتغيّر نحو الطالب، وبدأت نفسية الطالب تتغيّر للأفضل وأصبح يثق بنفسه ويرى أنه غير غبيّ -كما كان يصفه معلمه السابق- وشعر بقدرته على منافسة زملائه والتفوق عليهم، ثقته بنفسه دفعته إلى الاجتهاد والمثابرة والمنافسة والاعتماد على الذات، وعند اقتراب موعد الاختبارات النهائية اجتهد وثابر ونجح في جميع المواد، ودخل المرحلة الثانوية بثقة أكثر وهمّة عالية، وزاد تفوقه وحصل على معدل أهّله لدخول الجامعة، أنهى الجامعة بتفوق، واصل دراسته حصل على الماجستير والآن يستعد لمواصلة الدكتوراه.

هي قصة نجاح كتبها الطالب بنفسه في إحدى الصحف، معبراً عن امتنانه وتقديره لمعلمه، وفي النتيجة يمكن القول إن الناس نوعان نوع يحفز ويشجع يأخذ بيدك يمنحك الأمل والتفاؤل يشعر بشعور الآخرين صاحب مبدأ ورسالة، ونوع آخر محبط  ليس له مهمّة سوى وضع العراقيل والعقبات أمام كل جاد، في الحقيقة كان الطالب ضحية هذا النوع من الناس، إلا أن المدرّس كتب النجاح للطالب.

المعلم

للمعلم دور كبير في إنشاء جيل واعي ومتعلّم، فهو حامل للقيم والمبادئ الإنسانية، وقادر على الابتكار، المعلم هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع هو الذي يخرج الناس من الظلام إلى النور، ويخرج أجيالاً مفعمة بالمعرفة والمعلومات بما يعود على المجتمع بالفائدة والتطوير، ويوم “المعلم” هو تقدير منا وتكريم لدوره النبيل في تعليم الأبناء.

حينما تبدأ قدما الطفل الصغير بارتياد أبواب المدرسة ومقاعد صفوفها ليبدأ رحلته الطويلة مع العلم والتعلم سيكون بالطبع كيان متعدد الأسماء والأشكال قد دخل حياة الطفل وشارك أهله في عملية تربيته وتعليمه وتهيئته ليصبح رجل المستقبل الموعود، ولا تقف حدود هذه المشاركة عند التعليم فقط فهي عملية متكاملة مخططة ومرتبة لتوصل الابن إلى الغاية المرجوة وليحقق الهدف الذي يطمح إليه.

أصبح الأستاذ مرشداً ووصياً بطريقة ما على حياة الأبناء يوجههم ويهذبهم ويعلمهم ويساعدهم في تخطي مشكلاتهم، فقد يعرف عنهم في بعض الجوانب ما لا يعرفه الأهل عن أبنائهم، مما يؤهله ليكون موجهاً نفسياً وتربوياً ومعرفياً وإدراكياً وحياتياً يتشاطر مع الأهل تكوين التلميذ وتوجيهه وتربيته بطريقة صحيحة تدعم بنيانه النفسي والعقلي والاجتماعي فيضمن لنفسه مستقبلاً واعداً بكل ما يتمناه الأهل –والمعلم معهم- لأبنائهم من حياة ناجحة وعطاء يسهم في تعزيز بنية المجتمع وتطوره.

ومثلما يلتزم الابن بوفاء تجاه أهله وأسرته لابد له من أن يحس بمشاعر الوفاء قولاً وفعلاً تجاه معلمه -بالجمع وفق توالي السنين والمراحل والعلوم- وكم من قصص عرفناها عن هذا الوفاء الذي لا يعبر عن الامتنان فقط بل يتجاوزه إلى شكل من التقديس كرد جميل للدور الذي أسهم به في تربية الأجيال وصناعتها وتحقيق طموحاتها، ولن تشكِّل حالات نكران الجميل الشاذة نموذجاً مقبولاً عند غالبية الأبناء.

لا أزال أذكر معظم المعلمين الذين درسوني في المراحل المختلفة المبكرة والثانوية والجامعية، وأدين لهم بما قدموه لي من علم ومعرفة واكتشاف لآليات العيش والمستقبل والحياة وجدواها، حتى مع أولئك الذين لم يفلحوا في طريقة تعاملهم مع التلاميذ فأعطوا ما يعدّونه العلم الوحيد بصورة مرعبة، ولم يقدِّروا –لقصور في منهجيتهم- أن في وسعهم شرح أفكارهم بطريقة تتيح المجال للعقل للتفكير والحكم بدل الفرض والإلزام بناء على الترهيب والوعيد. مع ذلك، فهذا القليل لم يسوّد بياض الصفحة التي أحملها لهؤلاء المعلمين الذين أثروا حياتي مثلما فعل أبي وأمي وأهلي وأصدقائي ومعارفي في مسيرتي الحياتية. ومن هنا، وبهذه المناسبة العزيزة المنتَهَزَة -عيد المعلم- ندعو أنفسنا للتعبير عن شكرنا للمعلم وإعجابنا بدوره وإسهامه في تكويننا سلوكياً ومعرفياً.

وهي فرصة أيضاً لنستعيد قول شوقي –صياغة ومعنى- في الوفاء للمعلم (قم للمعلم وفه التبجيلا) لتأكيد تقديرنا لجهد من أفنى حياته في سبيل دفعنا إلى الأمام لنكون بناة مستقبل جديد مشرقٍ قوامه العلم والحضارة والتقدم، وبعيدٍ كل البعد وبالسنوات الضوئية عن الجهل والظلمات والتخلف والفوضى، وهل هناك من ينطبق عليه ذلك الوصف أكثر من المعلم، يقول أحمد شوقي: أرأيت أشرفَ أو أجلَّ من الذي ​​يبني وينشئ أنفساً وعقولاً.

توريث الفن وأسلوب المنح

حدثني صديق لي كيف أنه كان مذهولاً بكل ماحوله حين وفد العاصمة ليدرس الفنون الجميلة، وكان يشعر باليتم والخوف من الأيام ويتوجس خيفة من كل ما يحيطه حتى وجد يد حانية من أهم فناني قصص الأطفال ورسومها ليعطيه من وقته وخبرته وجهده بطريقة آسرة ساحرة ومحبة غامرة حفرت في وجدانه وعلمته الكثير من المنح الحياتية وأهمها توازنه مع نفسه- ثم دربه ليكون مساعداً له في مجلة أطفال مهمة في البلد ليصبح هذا الطالب في ما بعد مشرفاً على الرسوم فيها مكان معلمه- وقد أخذ على نفسه العهد القديم أن يتعامل مع كل الوافدين الجدد لهذا الدرب وفن الرسم للأطفال بنفس طريقة وأسلوب معلمه الذي ورثه حب العطاء وصنع في قلبه الكثير من المنح الجميلة ليعطيها لمن بعده.

صعوبات

“أثر الفراشة لا يُرى.. أثر الفراشة لا يزول” وللمعلم دور ملحوظ في التأثير على الفرد والمجتمع، إذ تنجم بعض النتائج العظيمة جراء كلمة تحفيزية وجهها المعلم لأحد الطلاب.

في الجزء الثاني من الفضول الأربعة ضمن حلقة “أربع عيون” أو الآنسة كفاية وهي واحدة من الحلقات المميزة التي تتكلم عن دور المعلم في حياتنا مهما كبرنا في السن، ضيوفها ثناء دبسي وعبدالرحمن آل رشي الذين لعبا دور المعلمين المعزومين عند طلبتهم بعد سنوات طويلة حيث أصبح الطلبة آباء وأمهات لشباب في الجامعة وتفاجئ الجميع كيف أن الطلبة السابقين رغم تجاوزهم سن الأربعين إلا أنهم مازالوا يتصرفون أمام أساتذتهم باحترام وتقدير شديد قد يصل لدرجة الخوف وقبل لقاء الآنسة كفاية قمن الأمهات باستعادة المناهج المدرسية تحسباً لأي سؤال مباغت وكأنهم أطفال على مقاعد الدراسة لم يمر عليهم الزمن.

في الحقيقة، إن بناء الأجيال ورفعة المجتمعات والبلدان، تكمن في الدور الذي يلعبه المعلم، فإذا أردنا صنع مجتمعاً علينا صناعة المعلم، والتأكيد على مكانته السامية في المجتمعات، وتعليم الأبناء وتعزيز سبل احترامه، وتقدير دوره والمحافظة على هيبته، فضلاً عن توفير سبل الرعاية الكاملة والامتيازات الوظيفية التي ينبغي أن تكون من الدرجة الأولى، فالمجتمع بمضمونه ومخرجاته واتجاهاته مسار يحكمه المعلم بحكمته وقدرته على بناء الأجيال وإخلاصه وحبه لمهنته ورسالته، ورغم ذلك فهو يعاني من صعوبات كثيراً في مهنته المقدسة خاصة بعد افتقاده حيزاً كبيراً من احترامه أمام طلبة اليوم، وقيدته اللوائح ومنحت الطالب الحقوق كافة، والمشكلة الحقيقية لدى عدد كبير من المعلمين تكمن في عدم تطبيق مبدأ المساواة في تقييم الأداء والجهود بين المعلمين بعضهم البعض، وأكثر هموم المعلم اليوم تتلخص في كيفية المحافظة على تطوير مهاراته، في ظل الزحف التكنولوجي، وحتمية مواكبة المتغيرات من أجل البقاء، حيث تمثل التكنولوجيا منافساً قوياً لاستمرارية المعلمين في العملية التعليمية بعد نجاحها في أداء العديد من مهام المعلم.