ثقافةصحيفة البعث

غراتزيا بونازيا تختزل فجائعية الزلزال في أمسية “القدر والحياة”

ملده شويكاني

لم يكن اختيار المايسترو ميساك باغبودريان السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، “القدر يطرق الباب”، لتكون ضمن برنامج أمسية “القدر والحياة”، التي قدمتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، في دار الأوبرا، لعظمتها التي تظهر عبقرية بيتهوفن فقط، وإنما لما تحمله من أخطار القدر، القدر الذي واجهه السوريون بشجاعة وإيمان إثر الزلزال المدمّر، ودلّ على تماسك الشعب السوري وتلاحمه كتلة واحدة، كما قال المايسترو باغبودريان: “كنّا يداً بيد لننهض ببلدنا”.

دقات الساعة 

وهذا ما دفع المؤلفة الإيطالية غرانزيا بونازيا لتأليف مقطوعة خاصة بعنوان “سورية الأصل المبهر للحضارات” عبّرت فيها عن نكبة الزلزال، وعن تكاتف السوريين وآمالهم. فكانت افتتاحية الأمسية التي شدّت انتباه الجمهور إلى ذاك الصوت الهادر القادم من بعيد يدقّ ناقوس الخطر، ويستحضر المشاهد الفجائعية للزلزال المدمّر الذي أصاب بعض المحافظات السورية.

 واتسمت المقطوعة بالدمج بين صوت بعض الآلات المسجلة إلكترونياً والعزف المباشر، بمشاركة جزء من آلات السيمفونية بتوليفة الوتريات والهورن والتيمباني مع البيانو، فامتدّ الصوت الهادر مع ضربات خافتة للتيمباني، ومن ثم دخول الهورن والمؤثرات الصوتية، ليأتي صوت التشيللو الرخيم مع توليفة الفرقة وصولاً إلى تدرّج الوتريات حتى السكون، وانطلاقة ثانية بالعودة إلى الخوف والبيانو ودقات الساعة وضربات التيمباني بمشهدية تعبيرية موسيقية اختزلت وصوّرت هذه المأساة.

نوري الرحيباني  

المحطة الثانية كانت “تحية إلى روح المايسترو السوري المغترب نوري الرحيباني”، المؤلف الموسيقي وقائد الأوركسترا، الحاصل على وسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى لقيادة الأوركسترا، وقد قاد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية مرات عدة، وألّف سيمفونيات ومقطوعات اختار منها باغبودريان مقطوعتين من عمله “صور موسيقية من الشرق”، فاكتملت توليفة الفرقة السيمفونية بآلات النفخ الخشبية والنحاسيات والإيقاع، وعزفت مقطوعة “طريق الحرير” بدور كبير لآلات النفخ الخشبية مبتدئة بالوتريات ثم فاصل صغير للكلارينيت، إلى حوارية بين الكلارينيت والتشيللو وبين الفلوت والوتريات، لتمضي الألحان مع توليفة الفرقة وقد تخلّلها هدوء لحني في مواضع، وتميّز الفلوت بالقفلة.

البوق والزخم الموسيقي

أما المقطوعة الثانية “القافلة عند الفجر” فكانت مختلفة بالنمط اللحني، فبدأت بزخم موسيقيّ يوحي بتخيّل مسير القافلة بتتالي ضربات التيمباني والنحاسيات بدور البوق خاصة، إلى الوتريات وآلات النفخ الخشبية ومن ثم التصاعد الموسيقي بتناغم آلات الفرقة والتوازي بين الخط الوتري والنحاسيات.

جهد مكثف

كما شغلت السيمفونية الخامسة لبيتهوفن سلم دو مينور – مصنف رقم 67 – الحيّز الأكبر من الأمسية، وبدت مهارة العازفين وتفاعل المايسترو باغبودريان بقوة مع تتابع حركات السيمفونية المعبّرة عن أخطار القدر، فعكست مشاعر بيتهوفن بين الحزن ومعاناة المرض والتحدي والإصرار متضمّنة أيضاً قوة الانتصار، فتخللتها ضربات حادة ومتتاليات وسرعة بالعزف وتكثيف وتري بالنقر على القوس، وتميّزت بدور الباصون في مواضع وانضمام آلة كونترباصون ببعد صوتي أكبر، إضافة إلى انتقالات بالأبعاد الصوتية.

ورغم أن هذه السيمفونية مألوفة، إلا أنها استحوذت على إعجاب جمهور الأوبرا بالإبهار بالعزف، فبدأت بحركة حيوية براقة مع الوتريات وآلات النفخ الخشبية بدور الفلوت والتيمباني ومن ثم التصاعد الموسيقي مع النحاسيات، تلتها حركة معتدلة السرعة، ثم حركة حيوية، لتختتم بحركة حيوية سريعة جداً تطلّبت جهداً مكثفاً للموسيقيين بتقنية العزف السريع.

أمسية “القدر والحياة” مثل كلّ الأمسيات السابقة التي أكدت على دور الموسيقا بالمجتمع كونها شريكاً فعلياً بالأزمات.