ألوان سياسية وأيديولوجية مختلفة.. ماذا يحدث في “الكيان الصهيوني”؟ مظاهرات مليونية وعصيان مدني وعسكري.. والحرب الأهلية تلوح في الأفق
“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف
لم يشهد تاريخ الكيان منذ تشكيلة أياماً مثل هذه الأيام، فالوضع هو انفجار هوية بين اليسار الليبرالي، واليمين الديني، لأنه بالتدقيق في أسباب التظاهرات يتبين أن ما أشعل الغضب هو محاصرة الكتلة اليسارية الوحيدة المتبقية في المحكمة العليا من قبل التيار الديني، وهي التي كانت على الدوام تقف في وجه الصهيونية الدينية، ولم يتبق من هذه الكتلة اليسارية سوى المحكمة العليا، التي تريد حكومة بنيامين نتينياهو أن تلغيها بالتعديلات القضائية.
لهذا السبب خرجت المظاهرات ضد نتينياهو، وعمت جميع مدن ومناطق الكيان تحت شعار واحد “الديكتاتورية الاسرائيلية” التي يمثلها رئيس الحكومة نتنياهو، حيث يسيطر على المشهد السياسي في ما يسمى دولة الإحتلال الإسرائيلي حالة عصيان مدني وعسكري، وهناك جيش كامل من قوات الاحتياط يخرجون في المظاهرات، وحتى الكثير منهم أعلنوا أنهم لن يشاركوا في الخدمة العسكرية مرة أخرى، أي أن جميع القوات تريد أن تقيل نتنياهو.
وأمام هذا الوضع هناك عدة سيناريوهات بانتظار الكيان:
الأول: صراع داخلي على المستوى الاجتماعي والقضائي والسياسي وحتى الأمني، بما في ذلك انقسام الموقف في صفوف الشرطة والجيش الإسرائيلي وزيادة تعرض هذه الحكومة لضغوط خارجية أو تراجع في العلاقة معها.
الثاني: مشهد اشتباك العلمانيين والمتدينين، وبين الشرطة والمتطرفين، ونزول ميليشيات المتطرفين الى الشوارع وقيامهم بترويع المستوطنين، وأن يقدم المتطرفون على ارتكاب مجزرة جماعية بحق الفلسطينيين بهدف ترويع المستوطنين في محاولة لتلافي الصدام المباشر والحرب الأهلية.
الثالث: تصدير الأزمة نحو الخارج من خلال افتعال حرب إقليمية.
معالم المظاهرات على الكيان الصهيوني
لم تعد الأزمة الحالية في “إسرائيل” تقف عند حدود الانقسام السياسي، بل باتت أزمة على مستوى حركة المظاهرات الواسعة ضدّ نتنياهو، إحدى الشخصيات السياسية الإسرائيلية الأساسية، فقد تحوّلت المظاهرات التي بدأت في كانون الأول الماضي، بعشرات آلاف المستوطنين، إلى مظاهرات مليونية ضد سعي رئيس حكومة الاحتلال لإقرار تعديل قانوني يضّعف من سلطات القضاء، مقابل تعزيز سيطرته على مفاصل مؤسسات الكيان ومنها الأمنية والعسكرية.
لقد أحصت وسائل إعلام نزول أكثر من مليون مستوطن إلى شوارع المدن الأساسية في فلسطين المحتلة، وما بدا بارزاً أن المظاهرات لم تقتصر على فئات أو جماعات محددة، إذ شارك فيها ضباط سابقون في الجيش والأمن، وقضاة سابقون واقتصاديون وصحافيون وتقنيون وأطباء وتجار وطلاب جامعات وغيرهم، ما يعني أنّ تأثيراتها ونطاقها يستحيل ضبطها أو السيطرة عليها عبر الطرق الإسرائيلية المعتادة كـ”التعتيم” أو “العزل”، لأنها شاملة لمختلف قطاعات الاحتلال الاقتصادية وفئاته الاجتماعية.
والأهم من ذلك، لا تتخذ هذه المظاهرات صفة “دينية”، كما كان الحال في سنوات سابقة، مع احتجاجات بعض الجماعات الدينية كـ”الحريديم”، الذين رفضوا قوانين متعددة، كالتجنيد الإلزامي، والتي وقتها جرى احتواؤهم وعقد اتفاقات معهم لتهدئة الأوضاع.
من هنا، تقف حكومة نتنياهو أمام معضلة ذات طبيعة مختلفة عن سابقاتها، فمن غير المرجّح أن يكون بمقدور نتنياهو أن يلجأ إلى “عادته القديمة” بتقاسم المصالح وتوزيع الحصص، بهدف إسكات الفئات المعترضة عليه سواء من خصومه أو حلفائه، كما فعل، غير مرة، وآخرها كان في تأليف الحكومة.
والملفت أيضاً في هذه المظاهرات أنّ المعارضة بدأت تفكّر أكثر في إقحام المناطق البعيدة عن المركز بشكل متزايد في حركة الاحتجاج على حكومة نتنياهو، إذ عبر هذا الالتفات على خريطة توزع المظاهرات، تظهر مشكلة إضافية أمام سعي نتنياهو للسيطرة على الحركة الاحتجاجية المتصاعدة، حيث يبدو أنّ توزيع القوى الأمنية الإسرائيلية في عشرات المناطق، مع الحاجة إلى قوات كبيرة في المدن الرئيسية بسبب وجود عشرات آلاف المتظاهرين وإمكانية أكبر لحصول أعمال شغب أو مواجهات، تجعل الأمر مهمة مستحيلة.
وستكون أدنى أضرار محاولة القيام بها تحويل كيان الاحتلال إلى “كيان بوليسي”، وهو الاتهام الذي أجّج هذه الموجة من المظاهرات بالأصل، بسبب اتهام نتنياهو بالسعي للسيطرة على القوات المسلحة والأمنية من قبل معارضيه، ووصفه بـ”الديكتاتور”.
لطالما كانت أزمة القيادة لدى كيان الاحتلال هي إحدى أبرز مشاكله، ويبدو لافتاً أن هذه الحركة الاحتجاجية الواسعة غير منصاعة بمجملها لزعيم سياسي محدد يواجه نتنياهو، بل هي حركة شعبية بامتياز تعبّر عن غضبها على الأخير وسياساته المتبعة، بمعنى إذا تراجع نتنياهو فإن قراره سيُفهم من قبل المعارضة، وحتى من قبل مؤيديه، أنه انكسار أمام ضغط الشارع.
لذلك، في حال استمرّ الوضع، خاصةً أنه من غير المعلوم أنّ هذا الاحتجاج سينتهي بشكل حاسم وتام، فإن كل الملامح تشير إلى أن الكيان الصهيوني مقبل على “ثورة ملونة” حقيقية، مع ارتفاع منسوب الانقسام السياسي الحالي، خاصةً أنه قد يتخذ أشكالاً إضافية من الشرخ خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، لا سيما مع تفاقم مخاطر المواجهات بين المتظاهرين.
الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان
انتهى عام 2022، بتشكيل حكومة جديدة في “إسرائيل” والتي تعتبر الأكثر تطرفاً في تاريخ هذا الكيان، بعد أربع سنوات من أزمة سياسية داخلية أدلى خلالها الإسرائيليون بأصواتهم في خمس جولات انتخابية جرت في نيسان 2019، وأيلول 2019، وآذار 2020، وآذار 2021 ومن ثم تشرين الثاني 2022.
وأفضت نتائج الانتخابات الخامسة إلى حصول معسكر زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، على 64 مقعداً من أصل 120 في الكنيست الإسرائيلي، ليكلف بعد ذلك الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، نتنياهو بتشكيل الحكومة .
تتألف الحكومة الصهيونية من أحزاب تعرف باليمينية واليمينية المتطرفة، وهي حزب “الليكود” بقيادة بنيامين نتنياهو الذي حصل على 32 مقعداً في الكنيست، وحزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش، إلى جانب حزب “عوتسماه يهوديت” بقيادة ايتمار بن غفير، وحزب “نوعم” بقيادة آفي ماعوز، وهي ثلاثة أحزاب خاضت الانتخابات في تحالف تقني وانفصلت بعد ذلك.
وتوصف الأحزاب الثلاثة بالمتطرفة بمواقفها، وهي تعكس التيار الديني الصهيوني المتطرف الذي يشدد على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى تعزيز دخول جماعات يهودية الى باحات المسجد الأقصى.
منذ فوز بنيامين نتنياهو، أبرم رئيس الوزراء صفقات مع عنصريين وسياسيين أدينوا بارتكاب جرائم، ومنهم ايتمار بن غفير الذي بدأ مسيرته السياسية تابعاً لحركة “كاخ” التي أسسها الحاخام، مائير كاهانا، ويعرف بمواقفه العدائية والمتطرفة، ويواجه العشرات من التهم بالضلوع في أحداث شغب وتخريب ممتلكات وحتى التحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية، ما يعني في الأساس أن نتنياهو، الذي لا يزال يحاكم أيضاً بتهمة الفساد، كان يرغب في الحفاظ على هيمنته على السياسة الإسرائيلية، وهو ما كان ينذر بحرب داخلية على كافة المستويات.
بعد استلام هذه الحكومة المتطرفة مقاليد الحكم، ارتفع منسوب السجال حول التبعات المتوقعة للحكومة في ضوء تولي رئيسي حزبي “الصهيونية الدينية”، و”قوة يهودية”، بتسلائيل سموتريتش وإيتمار بن غفير المتطرفين حقائب وزارية ذات صلاحيات واسعة. وحينها برز تحذير وزير الأمن بني غانتس من أن تؤدي الإجراءات التي أجرتها الحكومة برئاسة نتنياهو لجهة توزيع الصلاحيات إلى إلحاق الضرر بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وقد تؤدي إلى تفكيك ما يسمى “جيش الشعب”. وبرز كذلك موقف منسوب إلى رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي الفريق أفيف كوخافي، رفض فيه أن يقوم وزير، ليس وزيراً للأمن، بتعيين ضباط من “الجيش” الإسرائيلي في مناصب مرتبطة بالساحة الفلسطينية. وإضافة إلى ذلك، علت أصوات في “إسرائيل” تقول إن نتنياهو يُضعف الجيش الإسرائيلي من خلال انتزاع جزء من قوته لمصلحة المستوطنين.
في الأيام الماضية، ارتفع السجال السياسي حول التبعات على الوضع الداخلي الإسرائيلي، لجهة تعميق حدة الاستقطاب والانقسام بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، لترتفع حدة السجال في الساحتين السياسية والعسكرية، وتنعكس سخونة على الساحة الإعلامية.
طبول الحرب الأهلية
خلال أسابيعه الأولى في الحكم، انتزع نتنياهو جزءاً من صلاحيات الجيش لمصلحة المستوطنين، واليوم يسعى لانتزاع صلاحيات القضاء، وكأنه يريد الاعتماد على المستوطنين المتطرفين في حماية حكومته، دون الأخذ في الاعتبار خطر عنف المستوطنين، خاصةً أنه يتزامن مع أشدّ الحكومات القومية والدينية تطرّفاً في تاريخ “إسرائيل” التي يقودها الآن متعصبون دينيون يسيطرون على الحقائب الوزارية الرئيسية مثل الشرطة والمالية والجيش.
ولعل المقياس في سير الكيان الصهيوني نحو الحرب الأهلية، هو أنّ العديد من رؤساء “الموساد” السابقين شجبوا الانقلاب القضائي لنتنياهو، وآخرهم داني ياتوم الذي قال: “في اللحظة التي تصبح فيها البلاد ديكتاتورية، ويتلقى الطيارون العسكريون أمراً من حكومة غير شرعية، أعتقد أنه سيكون من المشروع عصيانها”.
كما صرّح وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي السابق، عومر بار ليف، بأنّ التوقف عن الخدمة في “الجيش” الإسرائيلي الاحتياط أمر وارد في حال جرت الموافقة على ما سمّاه “الثورة القضائية”، ناهيك عن قيام ما يزيد على 100 ضابط في “منظومة العمليات الخاصة” التابعة للاستخبارات العسكرية، ومن بينهم ألوية، بالتوقيع على عريضة قالوا فيها محذرين: “إذا ما تواصل التشريع، فلن نستمرّ في الخدمة، ولن نخدم بعد ذلك في الاحتياط”.
حتى أن الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” يوفال ديسكين، انضم إلى المحتجين، محذراً من حرب أهلية وشيكة، وقال: “نحن على مسافة أسابيع قليلة، وقد نصل بعد ذلك إلى حرب أهلية. نحن في خضم موجة ليست سهلة، لكن لا تقلقوا، فإن أمننا الشخصي بيدي مجرم متهم، وبيدي وزير التيك توك الوطني”.
ولم يكن ذلك وصف ديسكين وحده، فقد هاجم رئيس المعارضة، يائير لابيد، بن غفير بقوله إن “وزير التيك توك” اختلطت عليه الأمور من جديد، وذلك بعدما أصدر الوزير المتطرف تعليماته للشرطة بألا تسمح بإغلاق الشوارع من قبل المتظاهرين، واصفاً إياهم بالفوضويين. وقال لابيد: “المتظاهرون ليسوا فوضويين، كما وصفهم بن غفير. الفوضى الوحيدة هي تلك التي تعاني منها أكثر الحكومات جنوناً في تاريخ إسرائيل”.
لقد أحصت وسائل إعلام يوم السبت الماضي، في مسيرة المظاهرات الأسبوعية ضد الحكومة، نزول نحو مليون مستوطن إلى شوارع المدن الأساسية في فلسطين المحتلة، وأبرزها القدس، وتل أبيب، وحيفا، وبئر السبع، وأشدود، وهرتسيليا، ونتانيا، حيث لا يستبعد أن تكون مظاهرات الأسابيع القادمة أكثر سخونة مع ارتفاع الغليان الشعبي، ولا يستبعد انزلاق المظاهرات نحو مواجهات وصدامات مع الشرطة، ووقوع إطلاق نار ومواجهات حقيقية تنزلق بالوضع الأمني إلى مربع الخطورة القصوى.
وما يعزز هذه الفرضية أن المظاهرات الحالية لا يقودها زعيم سياسي محدد ما يجعل القدرة على التحكم بها والمناورة سياسياً معها صعبة جداً، ناهيك عن أن الأزمة الحالية التي تمر بها حكومة نتنياهو تكشف عن تآكل حقيقي في منظومة الاحتلال ككل، ما يعني أن طبول الحرب الأهلية بدأت تقرع داخل الكيان.
السقوط يلوح في الأفق
كشفت استطلاعات رأي أجريت في الأيام القليلة الماضية، عن حدوث “انقلاب” في توجهات الإسرائيليين، وتراجع في شعبية نتنياهو، حيث اتضح من هذه الاستطلاعات أن أكثر من نصف المجتمع الإسرائيلي، يرغب في “تفكيك” الائتلاف اليميني المتطرف الذي أحدث فوضى في المناطق المحتلة منذ صعوده إلى السلطة.
إن تعاظم غضب المجتمع الإسرائيلي يلوح بـ تغيير دراماتيكي في علاقات القوى السياسية، حيث يقف نتنياهو عالقاً بين مجموعة من التحديات على كل الجبهات تقريباً، بداية من التطورات المعقدة التي تشهدها الساحة الفلسطينية، إلى الغضب الشعبي حيال خطة “الإصلاح القضائي”، مروراً بالتحديات الخارجية المتلاحقة، وصولاً إلى الانقسامات المتصاعدة داخل الائتلاف، التي بدأت تشتعل باستقالة مئير بروش، المسمى وزير شؤون القدس، وعضو في حزب “عوتسما يهوديت” المتطرف احتجاجاً على تجاهل نتنياهو مطالب الحزب، وذلك بعد ساعات من مقاطعة زعيم الحزب إيتمار بن غفير، عضو الكنيست المتطرف الذي يشغل منصب وزير الأمن القومي، اجتماع في الكنيست مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهدد بانسحاب حزبه بالكامل من الائتلاف، إذا لم يف بوعوده التي وعد بها مقابل دعمه في الانتخابات الإسرائيلية.
وتأتي استقالة وزير شؤون القدس بعد ساعات من استقالة آفي ماعوز عضو الكنيست المتشدد، ورئيس حزب “نوعام” من منصبه كنائب وزير في الحكومة الإسرائيلية، التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية الإسرائيلية والدولية، وطرح تساؤلات عما إذا كانت هذه بداية انهيار الائتلاف الحاكم بزعامة “نتنياهو”، أو “اللبنة الأولى لسقوط الائتلاف الحاكم”.
كما هدد حزب “يهدوت هاتوراه” الذي يرأسه الحاخام موشيه جافني، بأنه سيجري مشاورات بشأن الرد على عدم وفاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بوعوده المتفق عليها قبل عودته مجدداً إلى السلطة، وعلى رأسها بند “تدنيس حرمة السبت المقدس” وتدريس التعاليم اليهودية في المدارس العلمانية.
كل هذا الاستقطاب، وارتفاع الاحتجاجات ينذر بارتفاع وتيرة الصراع بين اليمين الديني المتطرف الحاكم من جهة، واليمين العلماني إلى جانب قوى اليسار من جهة أخرى. صحيح أن المظاهرات عادية حتى الآن، لكن العدد كبير ومقلق لنتنياهو وشركائه، ومشجع لليسار وأتباعه، خاصةً أن هناك مشاحنات داخلية وتحريضاً على القتل وإصراراً على مواجهة نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة بالقوة، حيث بات واضحاً أن قوى اليمين الديني لا يهمها سوى حسم الصراع على هوية الكيان وطابعه والعلاقة بين الدين والدولة ولاسيّما بعدما اتجهت الحكومة اليمينية بنسف استقلالية القضاء حتى يتسنى لهم طرح القوانين التي تضمن إمضاء رؤاهم الفقهية على المجتمع بأسره وتمريرها.
لذلك فإن النظام السياسي الإسرائيلي لم يعد قادراً على احتواء الخلافات وإداراتها، وقدرته على التماسك باتت متهاوية، خاصةً أن المظاهرات الكبرى التي اندلعت في أكثر من مكان داخل “إسرائيل”، ليست فقط من تنظيم “اليسار الإسرائيلي”، بل كانت مظاهرات وفعاليات شاركت بها ألوان سياسية وأيديولوجية مختلفة من صفوف المعسكر المعارض لائتلاف وحكومة نتنياهو، الذين جعلوا من حراكهم ميدان صراع مع نتنياهو بشأن محاولات الأخير تقزيم دور المحكمة العليا، وتمرير قوانين عدة تقفز عن دورها، فضلًا عن الصراع على كعكة السلطة، وبالتالي لم يحتجّ المتظاهرون اليهود على الحكومة فقط، إنما على حكومة يقودها فاسدون متهمون ومدانون ومتهورون مثل نتنياهو ومعه من وزراء كـ: ايتمار بن غفير، وبنسلئيل سموريتش، وقبلهما أرييه درعي.
إن ما جرى ويجري من مظاهرات داخل “إسرائيل” في إطار الصراعات بين الكتل والأحزاب في الحكومة والمعارضة يحمل مدلولات واضحة تذكر الجميع بمظاهرات المعارضة بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وصولاً لمقتل إسحق رابين برصاص يهودي متطرف يميني نهاية العام 1995.