الاحتفال وحده لا يكفي.. المعلم بحاجة لإعادة الاعتبار بكافة النواحي
علي حسون
يطلّ عيد المعلم لهذا العام محملاً بسلال الخير من السماء والعطاء والمحبة والربيع، فتزهر الكلمة ويفوح القلم عبيراً على سطور الأوراق الندية، فالمعلم الذي أنكر ذاته ليضحي ويعمل بإخلاص لنشر العلم على كافة الساحات، على مدى تاريخ، لم يقف في رسالته عند حدود المدرسة وبين التلاميذ، بل كان رسول المعرفة ورائد التغيير المجتمعي، حمل مسؤولية الحرف في رأسه وحبّ الوطن في قلبه، وراح يضيء قناديل المعرفة للارتقاء بالوطن والإنسان، وما احترام المعلم وإجلاله بجديد علينا، إلا أن عيده يكتسي أهمية خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها بلدنا، فبعد سنوات حرب شرسة شنّها الظلاميون – دعاة الجهل والتجهيل – ليطفئوا شعلة العلم، وقف المعلمون مدافعين عن مدارسهم وطلابهم، وعن الكتاب والمقعد والسبورة والقلم، وقدّم الآلاف أرواحهم فداء للعلم والتعليم ليختلط الحبر بالدم، فحافظوا على الحرف حياً، وأبقاهم الوطن أحياء في ضمائر كلّ أبنائه. ولا يمكن أن ننسى في هذه المناسبة تلاميذنا وطلابنا الشهداء، الذين حملوا القلم سلاحاً فأرعب الجهلة والقتلة لتطالهم يد الغدر وتبقى أرواحهم تكتب معاني جديدة عن الشهادة والشهداء، وأعطوا مفهوم الدفاع عن الوطن بعداً جديداً، يبدأ من الخندق الأول في مقعد الدراسة.
ومن هنا لا يختلف اثنان على قدسية مهنة التعليم والرسالة التربوية الملقاة على عاتق المعلم، كونه حمل الراية جيلاً بعد جيل وتحمّل في سبيل ذلك الجهد والتعب ومصاعب الحياة القاسية، وخاصة في الظروف الراهنة، إذ أثبت المدرّس أنه جندي حقيقي يدافع عن العلم ليكون رديفاً حقيقياً للجندي العربي السوري في أرض الميدان.
مدرس حقيقي
في يوم عيده، لا بدّ من تقديم التحية والاحترام لكلّ مدرّس حقيقي في مدارسنا، ونؤكد على كلمة حقيقي، لأن هناك من يحاول تشويش صورة المعلم من خلال سلوكيات بعيدة كلّ البعد عن الأخلاقيات التربوية، وبهذه المناسبة لا يكفي أن نقيم الاحتفالات وننسج الكلمات البراقة مديحاً، بل لابدّ من تغيير النظرة النمطية للمعلم، تلك التي لا تليق بمقامه، وباتت مترسّخة في أفكار البعض وأذهانهم وعقولهم، ويأمل المعلمون أن تعاد الصورة المشرقة التي تليق بمكانة المعلم، وإبراز دوره الحقيقي في إعداد النشء، ويطالب مدرّسون بنظرة احترام من أولياء الأمور والطلاب وتوعيتهم بأهمية تقديره، إضافة إلى ضرورة تحسين المستوى المعيشي في ظل الظروف الصعبة والقاسية على الجميع، فالمعلم صار يلجأ للمعاهد والمدارس الخاصة ليحسّن وضعه المادي، إلا أنه وقع في فخ الاتهامات من قبل الكثيرين، حسب رأي معلمين لم يخفوا بعض الإساءات والتقصير في واجبهم التربوي والتعليمي على حساب التعليم الخاص، معتبرين أن وزارة التربية لم تنصف لغاية الآن المعلم، ولاسيما من ناحية التعويضات والحوافز الإضافية، مشدّدين على أهمية أن يشعر المعلم بالأمان والتعاون معه على تحقيق رسالته السامية ورفع روحه المعنوية وتقدير جهوده.
خروج عن السكة
ورغم كلّ القرارات الصادرة مؤخراً من ناحية تحسين مستوى المعيشي للمعلم لم تستطع وزارة التربية إعطاء المعلم حقه، إلا أن هذا لا يعني خروج بعض المدرّسين عن السكة التربوية الصحيحة بتصرفات تسيء للعملية التعليمية ولهم في آن معاً.
وفي الوقت نفسه، الأمر ليس متوقفاً على خلل هؤلاء المدرّسين، بل يقع على وزارة التربية ومديرياتها مسؤولية ضبط العمل التربوي والحزم بالقرارات والعقوبات والابتعاد عن المحاباة والتعامل بازدواجية بين المدرّسين.
وترى المعلمة والأديبة راغدة محمود أن المعلّم من يعلّم علوم الدين والدنيا، فمن حقهِ الاحترام والتعظيم، والتوقير وحسن الاستماعِ والانصات، وألا نرفع عليه الصوت، ويجب عدم اغتيابه بالسوء، ومساعدته في تأمين أبسط متطلباته، ليحيا حياة كريمة، كما أنّ المعلّم بطلابه يبني المجتمع ليرقى به نحو الرفعةِ والعلو، كما يقولون، الإنسان يرحل ويبقى علمه والأثر الذي تركه في نفوس من التقى بهم، لذلك علينا أن نحترم هذه الجذوة المتقدة التي منحنا إياها الخالق.
ودعت محمود إلى الاستمرار بإكمال الرسالة لأنّ صناعة الإنسان من أصعبِ الصناعاتِ في العالم، مطالبة بإعادة الهيبة والاعتبار للمعلم وتقديم الدعم بكافة أنواعه من أجل الحفاظ على السكة الصحيحة لطريق العلم والتعليم. ولم تخفِ محمود وجود معلمين قتلوا الفكرة في عقول الأبناء، فمات الطموح في قلوبهم وتخلوا عن أحلامهم، وكان المعلم الصخرة القاسية التي أغلقت طرق الحياة، مؤكدة أن هذا لا يصلح أن نقول عنه معلما بل بائعا للعلوم، فكم من المعلمين كسّروا صخور الطريق بقوة علمهم وتوقّد فكرهم ليعبّدوه أمام طلابهم ويكونون المعلّم والمربي والراعي لطموحاتهم، وهذا يليق به كلّ عام وأنتَ بخير مع الاحترام والتقدير، ويليق به الاحتفال في عيده ومعايدته بكل افتخار واعتزاز.