الصورة بدت أكثر وضوحاً بمرسوم “إعفاء المتضررين” الاستجابة لتداعيات الزلزال تبدأ مرحلتها الثانية.. السكن أولاً مع تعبيد الطريق لعودة النشاط الاقتصادي
البعث الأسبوعية – ريم ربيع
يبدو أن المرحلة الثانية من الاستجابة للزلزال على المستوى التشريعي للسكن والنشاط الاقتصادي قد بدأت عملياً، وذلك عبر إصدار مرسوم تشريعي قضى بمنح إعفاءات خاصة للمتضررين من الزلزال، تشمل الضرائب والرسوم المالية وبدلات الخدمات، والتكاليف المحلية ورسوم الترخيص، فضلاً عن منح قروض معفاة من الفوائد وبسقف 200 مليون ليرة للترميم أو إعادة الإعمار.
فاليوم، وبعد مرحلة الإغاثة العاجلة وتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية للمتضررين، باتت الصورة أكثر وضوحاً، والتحديات أكثر إلحاحاً، فالأولوية بنظر المتضرّرين وحتى الحكومة على ما يبدو تتركز على السكن، وتأمين الاستقرار لآلاف العائلات بدلاً من مراكز الإيواء “المؤقتة”، إذ يمكن تلخيص مطالب المتضررين ومن خسروا منازلهم بجملة واحدة هي “نريد سقفاً يؤوينا قبل الطعام والشراب”، حيث إن المساعدات التي وصلت سواء من المجتمع الأهلي المحلي أم من الدول الصديقة والشقيقة من غذاء وأدوية ومستلزمات إغاثية، لبّت إلى حد ما المتطلبات العاجلة، ليبدأ اليوم التفكير الاستراتيجي على المدى المتوسط والبعيد.
ومع التحديات الكثيرة التي اصطدم بها المواطنون الذين سارعوا لعمليات الترميم سواء بالتكلفة الباهظة، أو الرسوم الواجب عليهم تسديدها والاستحقاقات المالية المترتبة عليهم، جاءت الاستجابة الأولية بالإعفاءات والقروض، لتكون بداية لعدة تشريعات وقوانين جديدة تتم دراستها بما يؤمّن السكن والعمل، وضخ الحياة مجدداً في المدن المنكوبة وفق أسس جديدة ومنظمة.
أولوية البنى التحتية
الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور زياد عربش أوضح في حديث لـ”البعث الأسبوعية” أننا بدأنا اليوم في المرحلة الثانية من المعالجات التي ستستمر على المدى المتوسط 6-9 أشهر، ليتلوها المرحلة الثالثة كإعمار مستدام، والرهان اليوم على استغلال كافة الفرص المتاحة والكامنة محلياً، والاعتماد على “دبلوماسية الكوارث” لحشد البعد الدولي من المغتربين إلى المنظمات الفاعلة، ليس فقط للتمويل على الرغم من أهميته، لكن أيضاً لاستقدام الخبرات والتكنولوجيات التي ستؤازر تنفيذ خطة الاستجابة متوسطة وطويلة الأجل والمبنية على أسس الاستدامة.
وبيّن عربش أن المرسوم الذي صدر أمس يأتي ضمن عدة أبعاد إيجابية، كونه يندرج بإطار المعالجات متوسطة وطويلة الأجل لآثار الزلزال، وخاصة أن الحكومة وبعد الفترة الماضية من المعالجات الإغاثية والإسعافية والمؤازرة، أصبحت اليوم أمام تحديات جديدة تلقي بظلالها على كافة المعالجات المطلوبة للمرحلة القادمة، بالتزامن مع استمرار عمليات الإغاثة.
وأشار عربش إلى أن هناك تحديات ظهرت في الأيام الأخيرة، وأخرى ستبرز في المستقبل القريب منها ما يتعلق بالمنحى الصحي أو السكني أو الدعم النفسي أو تأمين سبل العيش، والنشاط الاقتصادي ككل وليس فقط في المناطق المنكوبة مباشرة في المحافظات الأربعة، موضحاً أن بُعد الإسكان والمرافق والبنى التحتية يستلزم أولوية مطلقة، بالتوازي مع عمليات الإغاثة في مراكز الإيواء، والدعم المباشر للعائلات المتضررة التي بقيت في منازلها.
ولفت عربش إلى بداية التفكير بجدية لتأمين البيئة السكنية الواجبة وفق أسس صحيحة هندسياً وإنشائياً، ما يتطلب تمويلاً هائلاً سواء على مستوى الأشخاص أو الحكومة ككل، حيث يقع على عاتقها تأمين الخدمات العامة من كهرباء ومياه واتصالات وصرف صحي، وهي أولويات ضرورية لإعادة إحياء هذه المناطق وتنشيط البيئة الاقتصادية فيها، وممارسة النشاط الاقتصادي، مضيفاً: إن المرسوم أعطى قروضاً طويلة الأمد مع فترة راحة لثلاث سنوات للسداد، لأن الأسر المتضررة من الزلزال هي بالأصل منكوبة وبوضع اقتصادي هش.
التركيز على الأكثر هشاشة
وفي الوقت الذي قد يتجه فيه البعض لانتقاد القسط الشهري الكبير للقرض، وخاصة لذوي الدخل المحدود، بيّن عربش أن هذه القروض تساهم بالتخفيف عن الشريحة الأكثر هشاشة لتركيز الدعم عليها، فلجوء جزء من المتضررين القادرين على التسديد للاستفادة من القرض، يعني أن كتلة الدعم والإغاثة الموجهة سواء من الحكومة أو المجتمع المدني والأهلي ستتركز على الأكثر هشاشة، فلا يمكن اليوم دعم الجميع بنفس القيمة، موضحاً أن أية عملية إيجابية بمنحى معين ستؤثر على بقية المناحي.
من جهة أخرى (أضاف عربش) فإن الإعفاءات في المرسوم أعطت إمكانية للمنشآت الصناعية والمشروعات المنتجة التي تأثرت بالزلزال لتعيد إقلاعها دون رسوم سابقة وضرائب، وبذلك فإن استعادة النشاط الاقتصادي ستؤمن فرص عمل للأسر المنكوبة وتنشط قطاع البناء والتشييد، وتعيد تفعيل المهن والحرف، أي تشغيل مئات العائلات، لتصبح بذلك قادرة على تسديد القرض، فضلاً عن الإعفاء من الضرائب والرسوم والتكاليف التي كانت مفروضة وواجبة الدفع على الأسر، وبالتالي التخفيف ولو بالحد الأدنى من إرهاقها، وإزاحة عبء مالي هم بغنى عنه لتأمين سبل عيش والحاجات الأساسية.
ضرر متراكم
وبيّن الخبير الاقتصادي أن الضرر إثر الزلزال متوزع جغرافياً، وهو متراكم فأغلب المناطق المهدمة هي مناطق عشوائية، سواء كانت سكنية أم صناعية، لذلك المطلوب أولاً هو المخططات التنظيمية لهذه المناطق ليعاد إعمارها بأسس هندسية جديدة، بما يترتب على ذلك من بنى تحتية، وتقنيات حديثة، فحين تأخذ الدولة على عاتقها تأمين البنى التحتية، سيخف العبء المالي على المتضررين بشكل كبير، وبمجرد إقلاع أية منطقة اقتصادياً وخدمياً سيعود سكانها، ويأتي هنا دور المجتمع الأهلي والمدني بالتخفيف عن الأسر بشكل منظم.
وفيما بلغ عدد المتضررين بشكل مباشر من الزلزال حوالي 450 ألف مواطن، إلا أن الضرر غير المباشر طال أكثر من 1.5 مليون حسب عربش، لذلك فإن التنشيط الاقتصادي وتأمين سبل العيش في المناطق المنكوبة هو أولوية اليوم، ويبدو أن الاستجابة بدأت بمسارها الصحيح بعد التخبط الذي حصل خلال الشهر المنصرم، مقترحاً أن يتم إعداد مخططات تنظيمية لمناطق صناعية وحرفية في المحافظات المتضررة مع إعفاءات كاملة واستثنائية باعتبارها مناطق منكوبة، فأمام التكاليف الباهظة التي ستوجهها الحكومة للاستجابة للزلزال يعتبر تشغيل أية منشأة وتوفير فرص عمل مورداً يخفف العبء عنها إلى حد كبير.
تخفيف آثار الزلزال
عضو مجلس الشعب زهير تيناوي رأى في المرسوم 3 لعام 2023 خطوة مهمة جداً للتخفيف عن المتضررين من الآثار المدمرة للزلزال، حيث شمل إعفاءات من الضرائب والرسوم وبدلات الخدمات والتراخيص لإعادة البناء كلياً أم جزئياً للمنشآت والمنازل والمحلات، مبيّناً أن الإعفاءات شملت معظم الرسوم والضرائب، حيث أتى المرسوم بالتفصيل على مختلف التكاليف التي قد تقع على المتضرر سواء من البلديات أو النقابات.
وأضاف تيناوي إنه ومن خلال النص الكامل للمرسوم فقد أعطي المتضرر فرصة كبيرة لإعادة ترميم وبناء كل ما تهدم أو تصدع، سواءٌ مسكنه أو منشأته أو مصنعه، مع مدة جيدة للإعفاءات التي ستستمر حتى نهاية 2024، مضيفاً إن أحد الجوانب المهمة جداً هو الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح، سواء كانت الضريبة على أرباح حقيقية أم مقطوعة أو ريع العقارات، والرواتب والأجور، كما سيتم تدوير الخسائر التي تقرها الإدارة الضريبية لمكلفي الضريبة على الدخل من فئة الأرباح الحقيقية من السنوات العشر التالية لعام 2023، وذلك بناءً على البيانات المقدمة وفقاً لأحكام قانون الضريبة، فضلاً عن إعفاء المواطنين من الرسوم والغرامات عند تسجيلهم واقعات الأحوال الشخصية.
يغطي التكلفة
أما الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد فقد اعتبر أن المادة التي أتاحت منح قروض بسقف 200 مليون ليرة، من الممكن أن يتبعها اشتراطات تتعلق بالتقدير الفعلي لحجم الضرر الذي تم للبناء أو المسكن أو المحل أو المنشأة، فمن تهدم منزله كاملاً يستحق أكثر ممن تهدم جزئياً أو تصدع، كما أن ترميم محل متصدع بمساحة 25 متراً يحصل على قرض ربما لن يزيد على 15 مليون ليرة، وذلك حسب تكلفة الضرر الذي أصابه، سواء في الجدران أو الأعمدة أو حتى الأثاث.
وبيّن محمد أن هذه القروض تأتي بسقف يعادل تكاليف البناء، فبافتراض تكلفة المتر على العضم قاربت اليوم 750 ألف ليرة، ومثلها للإكساء، فالسقف الأعلى الممنوح قد يغطي التكلفة الفعلية لإعادة بناء المسكن أو المحل، كما أن إعطاء مهلة سداد هو أمر جيد جداً للمتضررين، ومساهمة فعّالة لتجاوز آثار الكارثة.
تخفيف الأعباء
وبالعودة إلى الإعفاءات التي أتى عليها المرسوم، فقد أوضحت هيئة الضرائب والرسوم أنه تم إعفاء الهبات والتبرعات للإغاثة من ضريبة الدخل ورسم الإنفاق الاستهلاكي، وقبول التبرعات كنفقة مقبولة ضريبياً، إضافة إلى السماح للمصارف العامة بتأجيل أقساط القروض المترتبة على المتضررين لغاية 21/4/2024 دون أن يترتب عليها أية فوائد تأخير أو رسوم، والإعفاء من كل الأعباء المالية المترتبة على استخراج الوثائق والأوراق والثبوتيات من الأحوال المدنية، وكل الأعباء المالية المتأتية من قانون التأمينات الاجتماعية سواء لرب العمل، أم حصة العامل من الغرامات والفوات المترتب قبل نفاذ المرسوم التشريعي، إضافة إلى طي كل أجور وقيم الاستهلاكات والغرامات المتعلقة بفواتير الكهرباء والماء والهاتف للمشتركين المتضررين الذين تم تعريفهم في المادة الأولى من المرسوم، ودون الحاجة إلى تقديم طلب من المتضررين، إذ تتم عمليه الطلب مباشرة وتلقائياً.
ونص القانون على إعفاء المتضررين من ضريبة الدخل على الأرباح الصافية الناتجة عن ممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية، وضريبة الدخل على الرواتب والأجور والعوائد والتعويضات والجوائز والمكافآت وسائر المنافع النقدية أو العينية للعاملين، وضريبة ريع العقارات والعرصات إضافة إلى رسم الطابع عن المعاملات المتعلقة بممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية، والإعفاء من الرسوم والتكاليف المحلية الواردة في القانون المالي للوحدات الإدارية.