دراساتصحيفة البعث

إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في اليمن

سمر سامي السمارة

بدا مؤخراً أن الولايات المتحدة تعود لانتهاج سياستها القديمة التي تتمثل في نهب الموارد الطبيعية في اليمن، وذلك من خلال خطط انتشار جديدة لقواها العسكرية، وهذا ما تشير إليه الجولة التي اختتمها مؤخراً قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية، والأسطول الخامس للولايات المتحدة، والقوات البحرية المشتركة في محافظتي المهرة وحضرموت اليمنيتين.

ومن الجدير بالذكر، أن اليمن يتمتع باحتياطات كافية من النفط والغاز الطبيعي لتلبية احتياجاته المحلية والتصديرية، وهو بالضبط ما تحتاجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في مواجهة النقص الحاد في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا.

كشف قائد اللجان الشعبية عبد الملك الحوثي في كلمة ألقاها مؤخراً، عن إنشاء  واشنطن قواعد عسكرية في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن، مضيفاً، أن قائد الأسطول الخامس برفقة دبلوماسيين أمريكيين حطوا في مقر قاعدة التحالف العسكري في محافظة المهرة.

وفي انتهاك صارخ للسيادة اليمنية، سافر نائب قائد القوات البحرية الأمريكية في القيادة المركزية والأسطول الخامس الأمريكي والقوات البحرية المشتركة براد كوبر، والسفير الأمريكي للولايات المتحدة لدى اليمن، إلى مدينة الغيضة بمحافظة المهرة. ورافق كوبر والسفير الأمريكي وفداً من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين في مطار الغيضة الذي تم تحويله إلى قاعدة عسكرية للقوات الأمريكية والبريطانية و”الإسرائيلية” على بحر العرب، حيث ناقشوا “الشؤون البحرية” مع قوات التحالف الموالية للولايات المتحدة.

منذ عام 2018، احتل المطار ما يسمى بـ “قائد خفر السواحل” لقوات التحالف، الذي يقصف اليمن دون عقاب منذ آذار عام 2015، مستغلاً افتقار اليمنيين إلى أبسط وسائل الدفاع الجوي. وبحسب العديد من التقارير، جاءت الجولة بعد لقاء محافظ المهرة محمد بن ياسر مع مسؤول أمريكي، حيث ناقشوا مهام جديدة للجنود الأمريكيين المتمركزين في مطار الغيضة.

سعت الولايات المتحدة وبريطانيا مؤخراً إلى فرض سيطرتها على موارد النفط والغاز في المحافظات اليمنية الشرقية الغنية بالنفط في المهرة وحضرموت وشبوة ومأرب. وقد كثفت الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ تصاعد الصراع في أوكرانيا العام الماضي جهودها، وأبدت اهتماماً كبيراً بالمحافظات الشرقية في اليمن. وكان واضحاً أن الأحداث الأخيرة كانت نتيجة للعقوبات التي فرضها الغرب على صناعة الطاقة الروسية في أعقاب بدء الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى نقص في كل من النفط والغاز.

كما أفادت تقارير إعلامية أن وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، أبقت قاعدتين عسكريتين للاستخبارات المركزية الأمريكية تحت ولاية حكومة التحالف في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت. وتدّعي وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الإدارات الغربية، إن “وجود” البنتاغون في المنطقة يهدف إلى “تعميق التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في الشؤون البحرية”، لكن الحقائق تظهر عكس ذلك تماماً.

يثير وجود هذا العدد غير المعتاد من القواعد العسكرية الأجنبية في اليمن التساؤل، فيما إذا كان سيشهد العالم وضعاً مشابهاً لما يحدث في شمال شرق سورية، حيث سرقت الولايات المتحدة المليارات من احتياطيات النفط في البلاد، وحرمت ملايين السوريين من حقهم في مواردهم الطبيعية.

وبحسب ما كشفه قائد اللجان الشعبية في اليمن، فإن الولايات المتحدة تحاول جاهده منع المفاوضات بين السعودية واليمن في عُمان لإنهاء الحرب التي أضرت بالبلدين، ويؤكد أن الولايات المتحدة تسعى لإحباط جهود عُمان، أي إبعاد التحالف عن أي اتفاق أو تفاهم، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.

يؤكد مراقبون عن كثب، أن محاولات الولايات المتحدة إحباط أي تقارب بين البلدين أمر طبيعي، لأن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة يستلزم إنهاء الحرب، كما يستلزم انسحاب جميع القوات الأجنبية، بقيادة الجيوش الأمريكية والبريطانية من السواحل الشرقية والجنوبية لليمن. ولهذا السبب ولأسباب أخرى، تعمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لقمع المفاوضات ومنع التوصل إلى أي تسوية سياسية. بمعنى آخر، يحاول الغرب تنفيذ سياسته القديمة في الاستعمار ونهب الدول والشعوب الأخرى، كما فعل قبل قرنين من الزمان.

جدير بالملاحظة، أن اليمن يتمتع بواحد من أكثر المواقع الإستراتيجية في منطقة غرب آسيا، ويشرف على مساحات واسعة من البحر الأحمر الذي يعد من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، وعلى منافذ مهمة للغاية لخليج عمان وبحر العرب، والتي تمتد إلى أجزاء أخرى من الخليج. لذا فمن الواضح أن الولايات المتحدة تسعى دائماً للسيطرة على هذه الدول من أجل بناء قواعد عسكرية وتحقيق أهدافها الخبيثة الأخرى المتمثلة في استعباد دول هذه المنطقة الحيوية.

وفي وقت تعطل الولايات المتحدة المفاوضات في عمان، تصرح صنعاء أن إمكاناتها العسكرية تتوسع وأن فروع قواتها المسلحة مستعدة للمرحلة التالية، ما قد يؤدي إلى خيار عملية عسكرية واسعة، خاصة وقد ثبت الآن أن “تحركات” الكونغرس الأمريكي، الذي “أصر على وقف” المساعدات العسكرية لقوات التحالف، وجميع تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن إنهاء الدعم للعمليات العسكرية غير حقيقية.

وبحسب صحيفة “طهران نيوز” الإيرانية فإن تحركات الكونغرس كانت مجرد محاولة لصرف الانتباه عن الانتقادات الدولية المتزايدة للعمليات الإجرامية لقوات التحالف في اليمن. وعلى الرغم من إخفاقاتها في الصراع، فقد بدأت في أوكرانيا، ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود قواتها العسكرية المحتلة وزيادة عددها، كما يتضح من ما يحدث في المهرة وحضرموت الآن.

في الواقع، قامت البحرية الأمريكية مؤخراً بتوسيع موطئ قدمها في اليمن بشكل كبير، ويشير العديد من المصادر أيضاً إلى تعاون “إسرائيل” المتزايد معها. ومع ذلك، فقد أثبتت اللجان الشعبية اليمنية قدرتها على مواجهة التهديدات وتحويل شعاراتها إلى عمليات استجابة أكثر فعالية في السنوات الأخيرة.