مجلة البعث الأسبوعية

الدكتور سامي الدروبي.. أبرز من قدّم دوستويفسكي إلى القارئ العربي

آصف ابراهيم

يعد المترجم السوري الدكتور سامي الدروبي علماً من أعلام الترجمة في الوطن العربي الذي رفد المكتبة العربية بعدد كبير من الترجمات في مجالات متعددة، لعل أبرزها الادبية والفلسفية فقد ترجم عن الفرنسية العديد من الروايات العالمية والكتب الفلسفية كان أبرزها ترجمته للأعمال الكاملة للروائي الروسي دوستويفسكي.

 

حول حياة وأعمال هذا المترجم الفذ توقفت رابطة الخرجين الجامعيين بحمص في محاضرة قدمها المترجم محمد دنيا الذي استهلها بلمحة مكثفة وغنية أحاطت بحياة وأعمال وسمات ترجمات الدكتور سامي الدروبي الذي ولد في 27 نيسان 1921 في حمص، وترجم جميع أعمال دوستويفسكي، والتي تعد الترجمات الأشهر لهذا المؤلف، إلى جانب ترجماته لمؤلفين آخرين كتولستوي وبوشكين وميخائيل ليرمنتوف وغيرهم.

 

عمل سامي الدروبي في بداياته مدرساً للفلسفة في حمص ثم عميداً لكلية التربية بجامعة دمشق فأستاذاً في الفلسفة فوزيرا ًللمعارف، ثم سفيراً لسورية في دول عديدة ومُنح جائزة لوتس للأدب في عام 1978 بعد وفاته.

 

عُين في أيام  الوحدة بين سورية ومصر مستشاراً ثقافياً لسفارة الجمهورية العربية المتحدة في البرازيل عامي 1960-1961، بعد الانفصال مباشرةً، طلب إعادته إلى دمشق ليعود إلى التدريس في جامعة دمشق.

عين سفيراً للجمهورية العربية السورية في المغرب عام 1963 وسفيراً في يوغسلافيا عام 1964، ثم مندوباً للجمهورية العربية السورية في الجامعة العربية عام 1966.

في آذار 1971 كان مندوباً دائماً للجمهورية العربيية في الجامعة العربية، بعدها أصبح سفيراً لسورية في إسبانيا، لكنه طلب إعادته إلى دمشق عام 1975، نظراً لظروفه الصحية القاسية، واستمر في أعماله الأدبية حتى نهاية حياته.

للدروبي ترجمات في الفلسفة أهمها مؤلفات لكارل ماركس وجان بول سارتر، وترجم في السياسة “مدخل إلى علم السياسة” لموريس دوفرجيه، وفي علم النفس ترجم “علم النفس التجريبي” لروبرت ودروت. أما في الأدب، فهو الغني عن التعريف وله عددٌ من المؤلفات والمقالات المنشورة في عددٍ من الدوريات.

 

وترجم رائعة تولستوي “الحرب والسلم”، وأهم عمل لليرمنتوف “بطل من هذا الزمان”، ولبوشكين “ابنة الضابط”، ومؤلفات الأديب اليوغوسلافي البوسني إيفو أندريتش ، منها “جسر على نهر درينا”، قبل أن يحصل صاحبه على نوبل.

بلغت ترجمات الدروبي نحو ٩٠كتاباً، منها أيضا ثلاثية الكاتب الجزائري محمد ديب “الدار الكبيرة، الحريق، النول عن اللغة الفرنسية”، وترجمته المهمة لكتاب “الضحك” للفيلسوف هنري برجسون، لكن ما خلده حقاً هو دوستويفسكي

لقد أنجز سامي الدروبي ترجمة مؤلفات دوستويفسكي الكاملة ويقارب عدد صفحاتها ١٢ألف صفحة، وهو مريض في القلب بل أكثر من ذلك، فقد أنجز خمسة مجلدات من المؤلفات الكاملة لتولستوي، والتي يصل عدد صفحاتها إلى خمسة آلاف صفحة وهو في صراع بين الحياة والموت، وكثيراً ما احتاج خلالها إلى أن يرقد لمدة ثلاثين ساعة وهو يتنفس من أنبوبة الأكسجين، كما ذكر الأستاذ فوزي الكيالي وزير الثقافة آنذاك.

يشعر كل القراء العرب من هواة الأدب الروسي أنهم مدينون بشكل شخصي للدكتور سامي مصباح الدروبي، الذي تولى تقديم علامات هذا الأدب، وورطهم في حب دوستويفسكي، وبعض أعمال تولستوي وبوشكين وميخائيل ليرمنتوف.

فعل الدروبي ما فعله انطلاقاً من قناعة وإيمان بجدارة تلك النصوص، ولا يزال اسمه بعد سنوات من وفاته أقرب ما يكون إلى “علامة مميزة” أو “شهادة ضمان” تشير إلى جودة المحتوى.

كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين هو صاحب الوصف الأهم للدروبي، حين كتب “إن سامي الدروبي مؤسسة كاملة”.

أنجز الدروبي مهمته كمترجم فذّ وسط زحام وانشغالات عمل لا ينتهي وخبرات توزعت بين الجامعة وكواليس العمل الدبلوماسي.

وتعرض لفقد ابنته وهي طفلة، وكانت من الأزمات الكبيرة التي عاشها، ظل يعمل في أعماله الأدبية وفي حقل الترجمة وإنجاز مشاريعه الأدبية رغم ظروفه الصحية القاسية.

 

كانت إحسان البيات زوجته و شريكة عمره  ورفيقة التجربة والترجمة، تساعده في إنجاز أكثر ترجماته  يمسك بالكتاب في أصله الفرنسي يقرأ، وهي تكتب ما يمليه عليها. وقد  كتبت كتاباً فريداً عن زوجها، أشارت فيه على سبيل الدعابة إلى شعورها بـ”الغيرة”، لأنها كانت تعرف أن زوجها يعطي فيودور دوستويفسكي أكثر مما يعطي لأي فرد من أفراد العائلة.

يقول الدروبي في أحد لقاءاته “شعرت أن بيني وبين دوستويفسكي أنساباً روحية، ووجدت نفسي فيه، وصرت أتحرّك في عالمه كتحرّكي في بيتي، وأعرف شخوصه معرفة أصدقاء طالت صحبتي معهم، حتى لأكاد أحاورهم همْساً في بعض الأحيان”.

وفي تجربة الدروبي الكثير الذي يفسر ولعه بدوستويفسكي، الذي يصفه الجميع بأنه أهم خبراء علم النفس.

وعلى الرغم من أنه كان يترجم عن الفرنسية وليس عن الروسية إلا أن دقتها وعذوبة لغتها دفعت “دار التقدم” الروسية إلى اعتمادها بعد تنقيحها قليلاً في ضوء النصوص الأصلية، من خلال المترجم المصري الراحل أبوبكر يوسف، الذي رأى أن ذلك أفضل من إعادة ترجمتها عن الروسية مباشرة، ولا تزال هي الترجمة العربية الوحيدة والأكثر قبولاً لدى القراء، الذين كانت مقدمات الدروبي لتلك الأعمال مداخلهم الأولى لاكتشاف دوستويفسكي والتعرف على عالمه الخصب.

ويمكن القول إن دستويفسكي خطف الأضواء من ترجمات الدروبي الأخرى ومن مؤلفاته أيضاً، فقد ألف كتاباً بعنوان “الرواية في الأدب الروسي”، صدر بعد وفاته بـ6 سنوات 1982م عن دار الكرمل في دمشق.

تمتاز ترجمات الدروبي بالدقة والاخلاص والشمولية، وأصبحت مرجعيات مهمة في الثقافة العربية المعاصرة لإنه تعامل مع الترجمة كرسالة سامية أكثر منها مهنة للتكسب، فقد عاش حياة فقيرة لكنها زاخرة بالعطاء، أتاح له تمكنه من ناصية اللغتين العربية والفرنسية  وألمامه بعلم النفس من تقديم أعمال باسلوب عميق ولغة جميلة.