تحية للأم الجولانية في عيدها
القنيطرة – محمد غالب حسين
عيد الأم، وما أدراك ما الأم؟ إنها أيقونة الحياة بكل ألوانها وتجلياتها وجمالياتها وفضاءاتها، المتوهجة محبة للخير، الموشحّة توقاً للجمال، المخضّبة شوقاً للسنديان والبطم والنعناع والخزامى والصباحات المزهرة فرحاً، والمساءات المطرّزة ألفة ووداداً.
في عيد الأم، نستذكر الأم الجولانية، فينداح للذاكرة سفرٌ من البطولة والبطلات، والمجد والغار، والفخر والافتخار، والنصر والانتصار.
في عيد الأم، نقرأ في السجل الذهبي للنضال الجولاني النسائي أسماء نجوم توهّجت نضالاً وفداء وتضحيات وصموداً، نقرأ أسماء لامعة كالشهيدة غالية فرحات التي نالت شرف الشهادة في عام 1987م أثناء مشاركتها بمظاهرة مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، والأسيرة المناضلة آمال مصطفى محمود، وزاهية مرعي، وسنية كنج أبو صالح، ورسمية كنج أبو صالح، وكاميليا أبو جبل، وأميرة شكيب أبو جبل، وجوليا مرعي الصفدي، ونجاح الولي، وإلهام أبو صالح، ويارا فوزي الجبل، والأسيرة المحررة نهال المقت لن تكون آخر هذه الباقة المضيئة من الجولانيات المناضلات.
الأم الجولانية أرضعت أبناءها لبن المقاومة، ورفض الاحتلال الإسرائيلي، والتمسّك بالهوية العربية السورية، والانتماء الراسخ الأبي المتجذّر للوطن، والولاء لقائد الوطن.
وفي عيد الأم، نتقدّم من كل أم جولانية في مجدل شمس ومسعدة والغجر وعين قنية وبقعاثا بالتهاني والتبريك، ونقلدّها وسام الأم المناضلة البطلة أضمومة من شقائق النعمان معطّرة بنجيع تراب الجولان، مؤكدين الثقة بالتحرير وزوال الاحتلال، وعودة الجولان لوطنه وشعبه وأهله.
نعم إنها الأم السورية التي حملت الرسالة الأسمى، ورهنت روحها وحياتها لأبنائها، فكانت نبعاً للعطاء لا ينضب، ومدرسة للرعاية والتربية على الأخلاق وحب الوطن.
فالأمومة منبع الخير والطهر، وهي الرسالة الأسمى والقيمة الأقدس فقد اتسم بها كل عميق متأصل، وتكللت بها المعاني العظيمة والأحداث الجليلة، وبمغزاها ارتبطت القضايا المصيرية، وتقاطعت مفاهيم خلق الروح من الروح في معنى الأمومة الأولى وصولاً إلى الإنسان ورسالته ومعانيه وأثره في الحياة.
وسورية أم الحضارات التي أغنت العالم علماً ومعرفة، فقد كانت وستبقى حاملة منارة الحضارة والإنسانية.
فالأمومة فعل خلق وتأصل وقداسة، وسورية أم الحياة، ففيها وعلى أرضها عرف المنجل الأول، والمحراث الأول، ومن ترابها انطلق السلام والخير عبر الغرسة الأولى لأنها الموطن الأم لأقدس الأشجار شجرة الزيتون المباركة.
لهذه الأرض الطيبة المباركة تنتسب أوغاريت أم الأبجديات التي علمت الحرف للبشرية كلها، وقدمت للعالم مبادئ التواصل الإنساني باللغة والحوار، ومن بين أنامل أبنائها الأوائل تمّ تخطيط إيبلا أم المدن عبر التاريخ.
وأما دمشق فهي أم العواصم القديمة المأهولة بعراقتها وتجذرها وكبريائها وصمودها.
في عيد الأم نقدم التهنئة أولاً وأخيراً لسورية الوطن الأم لكل أبنائها، فالأم لا تقسو على أبنائها مهما ضلوا، ولا تغلق أبواب قلبها في وجههم متى عادوا.
أمهات سورية العظيمات حفيدات الحضارة والأبجدية الأولى، المحافظات على الغرسة الأم والمربيات لأحفاد المعماريين الأوائل، المتمسكات بالجذور، المضحيات الصامدات الصابرات بعد ما مر على هذه الأرض.
في عيد الأم عيد الطبيعة الأم بخيرها وخصبها وعطائها ودورة حياتها التي لا تموت ها هنّ اليوم متمسكات بدورة الحياة كما تمسكت أمهاتنا وجداتنا، نزرع ما احترق، نبني ما تهدم، نعلم الحرف والأبجدية، ندافع عن الأرض، ننشر السلام، ونتطلع لمستقبل مشرق مهما كان الحاضر صعباً.