الحرب الأوكرانية.. ملامح دولية جديدة
ريا خوري
تدخل الحرب الأوكرانية في سياق الصراع الساخن على النظام الدولي، إذ ترغب روسيا في تغيير قواعد النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المقابل، فإن الأطراف المتداخلة الأخرى في الحرب بقيادة الولايات المتحدة تسعى بكلّ ما تملك من جهود إلى إجهاض القوة الروسية، والحيلولة دون تغيير هذا النظام الذي بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
على الصعيد الأوروبي، سعت الدول الأوروبية لاستعادة قوة الناتو بضمّ دول جديدة مثل فنلندا والسويد، وهذه الدول يمكنها أن تتحكم في نهايات الحرب الساخنة لكونها مدفوعة من دول الناتو، في محاولة لمنع روسيا من التحكم في وقت الحرب، وهذا ما يفسّر أحد أهم أسباب استمراريتها، وهي طريقة خبيثة من جهة حلف الناتو لمنع تحقيق ما خطّط له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحسم الحرب خلال مدة قصيرة مع علمه المسبق أن حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة يعدان العدة لحرب طويلة، ويتربصان به بهدف إضعاف روسيا، وتقليص قدراتها الهائلة، وعدم تمكينها من تحقيق هدفها في تغيير قواعد النظام الدولي القائم.
لعلّ الحرب الروسية- الأوكرانية هي من أكثر الحروب التي ترتبت عليها خسائر عسكرية ومادية كبيرة خلال عام واحد، فزادت الخسائر المالية مليارات الدولارات التي تكفي لمعالجة كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من جوع وفقر وكساد اقتصادي وتضخم نقدي عالمي، وتجميد أكثر من ثلاثمائة مليار دولار روسي في البنوك الأوروبية كانت تدرّ أكثر من مائة وعشرة مليارات دولار على الخزينة الروسية.
بالعودة إلى موقف الولايات المتحدة -العامل الرئيسي في استمرار هذه الحرب ودفعها نحو مزيد من السخونة- يمكن أن نشير إلى ما قاله السفير الفرنسي موريس غوردو مونتاني، أمين عام الخارجية الفرنسية، الذي عمل لمدة طويلة مستشاراً للرئيس شيراك، من أن الرئيس الفرنسي كلفه إجراء اتصالات مع كلّ من قيادة الكرملين، والبيت الأبيض الأمريكي عام 2006 لبحث إمكانية تسوية الأزمة بمنح حماية متبادلة لأوكرانيا من قبل الناتو، وروسيا، لكن الولايات المتحدة رفضت الفكرة من جذورها، وهذا يؤكد للجميع مصداقية الفرضية التي تقوم عليها الحرب بكل استطالاتها، وموقف الولايات المتحدة الذي أكده الرئيس جو بايدن في زيارته المفاجئة للعاصمة الأوكرانية كييف، وتصريحه بأن الولايات المتحدة لن تسمح لروسيا أن تنتصر في الحرب.
هذه الحرب فيها من الإشكاليات الكثيرة ما يفوق التصورات، خاصةً وأنها تعتبر من الحروب الكبرى التي تحكمها توازنات القوة والقدرة على استمرارها، نظراً لتوفّر الموارد الاقتصادية والقدرات العسكرية لديها تقوم أوكرانيا فيه بدور الوكيل.
لذلك تبدو هذه الحرب أمام العديد من السيناريوهات، السيناريو الأول، هو السيناريو القبرصي بتقسيم الأراضي التي ضمّتها روسيا، وسيناريو استمرار النزاع في إطاره القائم واحتوائه على المستوى الجغرافي، وسيناريو الحلّ الدبلوماسي وتبنّي استراتيجية حفظ ماء الوجه واستبعاد سيناريو النصر أو الهزيمة النهائية لكلّ الأطراف.
في حقيقة الأمر، لقد غيّرت هذه الحرب قواعد النظام الدولي القائم بالتحول نحو القطبية المتعدّدة وسباق التسلح من جديد، ودخول دول مهمّة في هذا السباق المحموم، مثل الصين والهند وألمانيا واليابان، حيث لم تعد الولايات المتحدة تملك عناصر الهيمنة والسيطرة الأحادية نفسها، وهذا قد يكون المفتاح الرئيسي لنهاية هذه الحرب الساخنة قبل أن تتحول إلى حرب نووية مدمرة لا تبقي ولا تذر والكل خاسر فيها.