الوجه الآخر للأزمة
معن الغادري
فرضت الحرب الإرهابية التي شُنّت على سورية منذ أكثر من عقد، وما رافقها من حصار اقتصادي جائر ظروفاً استثنائية، عطّلت عجلة الحياة، وأخّرت دون أدنى شكّ عملية النمو التي كانت تشهدها سورية قبل الحرب، بشكل متسارع، وجاء الزلزال المدمّر الذي ضرب حلب ومحافظتي اللاذقية وحماة، ليزيد من المعاناة والألم، جراء ما أحدثه من أضرار جسيمة في الأرواح والأملاك.
أمام هذه المشهدية غير السارة، كان لا بدّ من مواجهة التحديات بإرادة قوية، والاعتماد على القدرات الذاتية، وتوظيف ما هو متاح من إمكانات بشرية وتقنية، على الرغم من ضعفها وعدمها في غالب الأحيان، نتيجة ما أصاب القطاع المؤسّساتي بشقيه الخدمي والإنشائي من أضرار جسيمة في عديده وعتاده، لاستكمال مشروع إعادة البناء وإزالة الأضرار الناجمة عن كلّ ما سبق. ولكن، هل ما تمّ إنجازه حتى الآن كان كافياً لإعادة عجلة الحياة مثلما كانت عليه سابقاً؟.
بالتأكيد الجواب المنطقي والموضوعي “لا”، لأسباب عدة في مقدّمتها الحصار الاقتصادي والعقوبات الجائرة والظالمة على الشعب السوري، وهو ما تسبّب في اتساع مساحة الأضرار الناجمة عن الزلزال، إذ كان بالإمكان فيما لو امتلكت قطاعاتنا ومؤسساتنا العدة والعتاد المطلوبين، لكان الضرر أخفّ بكثير مما ظهر عليه، وهو ما نضعه برسم الإنسانية الغائبة تماماً عمن فرض العقوبات على سورية، وهي بالتأكيد وراء معاناة كلّ السوريين منذ أن بدأت الحرب الإرهابية وحتى لحظة حدوث زلزال 6 شباط، والذي خلف وراءه الآلاف من الأسر المنكوبة.
وفي المقابل وعلى الرغم من كلّ الألم الذي أصاب السوريين، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية والفوقية، لم تثنِ السوريين بمختلف أطيافهم عن مواجهة كلّ هذه التحديات بالإمكانات المتاحة المتواضعة، والتي قلّلت من آثار وتداعيات مجمل الأزمات التي ألمّت بالبلاد، وهنا يبرز دور القطاع الإنشائي، والذي كان حاضراً بقوة في الميدان، من خلال جاهزيته القصوى للاستجابة لأي طارئ، والمساهمة الفاعلة والناجزة في إنجاز عشرات المشاريع المائية والسكنية والخدمية.
وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة وبكل وضوح وطمأنينة لطبيعة عمل القطاع الإنشائي، وتحديداً فرع الإنشاءات العسكرية بحلب، والذي كان في المقدمة على الدوام، في تحدّ من نوع آخر، وفي سباق مع الزمن واستجابة فورية لكلّ الحالات الطارئة، عدا عن عشرات المشاريع الحيوية والتنموية التي أنجزها بمعايير عالية الجودة، على الرغم من ضحالة إمكاناته البشرية والتقنية والفنية، وخاصة ما يتعلق منها بقدم آلياته وخسارته للعشرات منها خلال سنوات الحرب الإرهابية.
وفي الواقع لم نعتد المديح، ولكن أردنا أن نظهر الجانب الإيجابي في الوجه الآخر للأزمات، لتشكل حافزاً ودافعاً لباقي القطاعات الخدمية والإنشائية، في كسر كلّ الحواجز والقيود، التي تحول دون إعادة بناء الوطن. ولا يضرّ هنا أيضاً أن نعيد التذكير بضرورة إعادة ترتيب منظومة العمل المؤسّساتي، وتطهيرها من كلّ أشكال الفساد والتقاعس والتقصير والإهمال، وهو ما ينتظر خلال قادمات الأيام من انفراجات على كافة المستويات، لا شك أنها ستفرح السوريين كثمرة لصمودهم وثباتهم.