مجلة البعث الأسبوعية

المتحف الوطني في اللاذقية.. من أجمل المباني التاريخية الشاهدة على عراقة وغنى التراث العمراني

اللاذقية- مروان حويجة

يشكّل مبنى المتحف الوطني في اللاذقية أحد أهم وأجمل المباني التاريخية التراثية العريقة معمارياً وجمالياً وتراثياً، يتوضع المبنى في الجزء الغربي من المدينة في حيّ الكاملية يفصله عن البحر حديقة عامة “المنشيّة” يحيط به مجموعة من المباني المميّزة التي أنشئت مطلع القرن العشرين مثل قصر سعادة، الكازينو، مدرسة الكرمليت، وبعض الدُور السكنية الأخرى.

وحول توصيف مبنى خان الدخان حالياً يقول الدكتور إبراهيم خيربك مدير الآثار والمتاحف في اللاذقية: ينتصب البناء ضمن عقار مساحته 11975م²، يتألف من طابقين من الحجر الرملي  يبلغ طول البناء الأثري 60م وعرضه 45م، تبلغ مساحة البناء الإجمالية 2700م²، تتوسطه ساحة داخلية “باثيو” تتوسطها بركة ماء أي أن المساحة الفعلية للبناء لا تتجاوز 2056م²، والبناء عبارة عن عدد من الأروقة تتألف من دعائم ضخمة مربّعة تحمل سقوفاً معقودة ومجموعة من القاعات التي يبدو أنها كانت مستودعات، وهذه العناصر موزّعة على شكل مستطيل حول الساحة الداخلية، وتتكون الجهة الشمالية من ستة عقود مفتوحة على الحديقة  يفصلها عن الباثيو جدار تتخلله أبواب ونوافذ، يليه رواق مفتوح باتجاه الداخل وعلى يسار العقد الرابع يوجد درج حجري مسقوف بقبو ذي مقطع نصف دائري يؤدي إلى الطابق العلوي. ويشكّل العقد الرابع في هذه الواجهة المدخل الرئيسي للخان وغفش الذي يعتقد بأنّه كان مخصصاً لإدخال البضائع الآتية من المناطق الجبلية والتي كانت تعبر المدينة، ويسمح السلّم للتجار والموظفين بالصعود إلى المكاتب الموجودة في الطابق، أمّا الجهة الشرقية فعبارة عن رواق طويل مفتوح باتجاه الخارج والداخل تغطيه ستة عقود متصالبة يمتد حتى يتصل بالرواق الموجود أمام القاعات الست الجنوبية لجهة الغربية: تضم المدخل الغربي، ويقع في القسم الجنوبي من الواجهة الغربية على شكل عقد متصالب، ويعلو بوابة المدخل قوس حجري يعلوه كورنيش بسيط بارتفاع أقل من ارتفاع العقد المتصالب، وعلى يمين هذا المدخل نجد أيضاً سلّماً شبيهاً بسلّم الواجهة الشمالية يسمح بالانتقال إلى الطابق العلوي الذي كان موجوداً في السابق، وعلى يسار المدخل الغربي أي الواجهة الغربية يمتد رواقان متطاولان متجاوران منفتحان على الداخل باتجاه الباثيو وعلى الخارج باتجاه الحديقة المحيطة بالبناء. ويتكون الرواق الخارجي وهو بعرض 5م من ستة من العقود المتقاطعة المتصالبة، ويتكون الرواق الداخلي وهو بعرض (3م) من خمسة من العقود المتقاطعة المتصالبة، وأيضاً من الجهة الغربية وعلى يمين المدخل الغربي وبمحاذاة القاعة الأولى يوجد رواق مكوّن من أربعة عقود مفتوحة على الحديقة الخارجية، ومن غير المعروف إذا كان هذا الرّواق يعود إلى البناء القديم أو أضيف فيما بعد.

أمّا الجهة الجنوبية وعلى يمين المدخل الغربي للخان الذي يؤدي إلى رواق طويل توجد 6 قاعات يبلغ طولها 11م ويتراوح عرضها يتراوح بين 7-5.5م، وقد استخدمت فيها الأسقف الحجرية ثلاثة منها على شكل قبو سريري وواحدة عقود متصالبة واثنتان تجمع بين النوعين.

يعود تاريخ بناء الطابق العلوي إلى عام  1904، ويتكون من جزأين الأول في الزاوية الجنوبية الغربية من سـطح الطابق الأرضي، والثاني في الجهة الشمالية من الخان، وهو عبارة عن دار أنشئت للسكن يتم الوصول إليها من الطابق الأرضي عن طـريق المدخل الغربي وعبر السلّم الحجري الواصل للطابق العلوي حيث الواجهة الأمامية الشمالية والمساحة المبلطة أمامها في الطابق العلوي ويتم الدخول إلى الدار من الشمال عبر ثلاثة أقواس  تليها ردهة صغيرة ثم باب يؤدي إلى البهو المركزي تتوزع حوله الغرف، وهي: ثلاث غرف غربية تقع على يمين المدخل تطلان بشرفتين على الحديقة الغربية، وغرفة في مواجهة المدخل تطل بنوافذها على الجهة الجنوبية، أما على يسار البهو فتتواجد غرفتان وقسم الخدم المكوّن من ثلاث غرف صغيرة ومطبخ وحمّام وهي تنفتح على سطح الخان ببابين، وأمام الواجهة الأمامية “الشمالية” للبناء تمّ إنشاء مساحة مبلّطة في وسط السطح حول بركة ماء ولا تزال الأوتاد الإسمنتية والمعدنية والتي تشير إلى وجود عرائش خشبية أو معدنية تغطي هذه المساحة.

في الجهة الشمالية من الباثيو وعلى سطح الطابق الأرضي، توجد شقّة صغيرة مكوّنة من ثلاثة غرف والخدمات الملحقة بها وهي تنفتح على السطح من الجهتين الشرقية والغربية، وحالياً يطلق عليها اسم بيت الضيافة أو الاستراحة

الحديقة

يقع البناء في الزاوية الجنوبية الشرقية من حديقة تحيط به وتبلغ مساحتها قرابة الهكتار، ينمو فيها أنواع عدة من الأشجار والأزهار أهمها الأرز اللبناني، الصنوبر، النخيل، التين المطاطي، الواشنجتونيا، الكازورينا و الأروكاريا الموزّعة فيها، وتتوزع فيها أيضاً آثار حجرية ورخامية تعود للعصر الكلاسيكي والإسلامي منها تماثيل حجرية لأشخاص وشواهد وأنصاب تذكارية ونذرية تعلوها كتابات بلغات قديمة ومجموعة من التيجان والأعمدة والقواعد والأطناف لتشكل متحفاً طبيعياً وفنياً في الهواء الطلق.

التحليل التاريخي

وفقاً للوثائق التاريخية يمكن القول أن البناء قد مرّ بأربع مراحل من الناحية التاريخية والمعمارية:

المرحلة الأولى “الخان”: الفترة الزمنية (نهاية القرن 17 وحتى 1904)، وكان مقر شركة تجار التبغ، وفي أوائل القرن التاسع عشر انحلّت شركة تجارة التبغ واستمر التجار في تعاطيهم تجارة التبغ على نطاق واسع، وكانوا يحتاجون إلى مستودعات لتخزين بضائعهم، ومن المعروف أنه حتى مطلع القرن العشرين كانت إدارة الحصر متمركزة في البناء الأثري.. ومن الممكن أن يكون هذا برهاناً على أن البناء كان مقر الإدارة منذ تأسيسها عام 1874.

المرحلة الثانية “الخان ودار للسكن”، المرحلة الثالثة “دار المندوب السامي الفرنسي”: الفترة الزمنية (1978–1932) وأطلق على المكان اسم “المندوبية”.

المرحلة الرابعة “المتحف الوطني ومقر دائرة آثار اللاذقية”:  الفترة الزمنية 1978 حتى الآن

ملكية البناء ووصفه

بعد أن اشترت بلدية اللاذقية البناء من الحكومة الفرنسية، قامت بعض الجهات بمفاوضة البلدية لشراء العقار منها لتبني عليه فندقاً فأصدر محافظ اللاذقية أمراً إدارياً في 11 كانون الأول عام 1978 يقضي بتشكيل لجنة لدراسة الوضع التاريخي والأثري للبناء القائم على العقار، وقدّمت اللجنة تقريراً بينت فيه الطابع الأثري للبناء معلنة أنه لا يجوز بشكل من الأشكال إزالة البناء.

وأصدر محافظ اللاذقية في الأول من نيسان عام 1980 أمراً إدارياً يقضي بتأليف لجنة مهمتها تحضير البناء ليكون مقراً لدائرة الآثار والعاديات، بتاريخ 25 آب عام 1980 صنّف البناء صرحاً تاريخياً بقرار صادر عن وزير الثقافة، ثم انتقلت ملكيته المباشرة إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف بتاريخ 14 تموز 1981 وشرعت أعمال الترميم وإظهار معالم البناء 1982، وتم تدشين البناء كمتحف ودائرة لآثار اللاذقية في بداية عام 1986م.

في عام 1986 تم افتتاح المبنى كمتحف وطني في الطابق الأرضي وتم تحويل المستودعات الست إلى قاعات لعرض الآثار.

  • القاعة الأولى: خصصت لآثار الشرق القديم، موقع مدينة أوغاريت– اللاذقية، تضم القاعة الآثار المكتشفة في موقع أوغاريت.
  • القاعة الثانية: خصصت لآثار الشرق القديم، موقع ابن هاني- اللاذقية.
  • القاعة الثالثة: خصصت للآثار الكلاسيكية، تضم مجموعة من الآثار اليونانية الرومانية والبيزنطية.
  • القاعة الرابعة: خصصت للآثار الإسلامية.
  • القاعة الخامسة: كانت مخصصة للفن الحديث، وحالياً من المقترح تحويلها إلى قاعة للتنقيب الطارئ.
  • القاعة السادسة: خصصت مستودعاً للآثار.

وأمّا حديقة المتحف فهي أشبه ما تكون بمتاحف الهواء الطلق موزعة فيها آثار حجرية ورخامية وتماثيل حجرية لأشخاص وشواهد وأنصاب تذكارية، ومجموعة هامة من التيجان والأعمدة وقواعدها وهي بدورها أجزاء من النسيج العمراني القديم للمدينة وتتوضع هذه الآثار باصطفاف جميل وسط الجزر الخضراء والمسطحات التـي تظللها الأشجار، وهنا لا بد من الإشارة إلى الاستخدام المؤقت للأروقة خلال مواسم المعارض حيث تستخدم الأروقة لإقامة معارض للكتب والزهور ولأعمال فنانين مشهورين.

وفي الطابق العلوي –كما ذكرنا سابقاً– تستخدم الدار كمقر لدائرة الآثار في اللاذقية، ويتضح من تاريخ البناء أنه قد تعرض إلى تعديلات عديدة وأعمال ترميم واسعة خلال تاريخه المعروف، ولكن معظم هذه الأعمال قد تمت بغياب السلطات الأثرية، وبغياب التوثيق الأثري بالصور والرسم الهندسي، وأن بعضها لم يكن ترميماً وإنما تعديلاً للواقع الموجود، والترميم الوحيد الذي تم بإشراف السلطات الأثرية هو الذي أنجز عام 2003.

لا توفر وثائق دائرة آثار اللاذقية معلومات عن عمليات الترميم السابقة، ويلاحظ من عمليات الترميم السابقة التي يمكن تتبع آثارها على المبنى أنه خضع لأربع عمليات تعديل وترميم ملاحظات حول تعديل وترميم البناء في كل مرحلة، ومنها المرحلة الرابعة وشملت ترميم جدران الخان بإشراف دائرة آثار اللاذقية 1999.

وترميم جدران الخان بإشراف دائرة آثار اللاذقية 2003: شملت عملية الترميم إعادة تكحيل الجدران الرملية بالكحلة التقليدية وفقاً للأسلوب العلمي الدقيق ووفقاً للإجراءات الأثرية المتبعة في الترميم، ونتيجة لتأثير الجو الرطب وري الأمطار الحامضية نظراً لقربه من مرفأ اللاذقية والملوحة الشديدة التي يتشربها الحجر الرملي من الأرض القريبة من البحر إضافة إلى الكحلة الإسمنتية التي كحلت بها حجارة البناء قبل عقدين من الزمن.

المرحلة الخامسة: تجديد سقف القرميد الخان بإشراف دائرة آثار اللاذقية 2009.