سيدة المسرح العربي
سلوى عباس
فُطرت الفنانة سميحة أيوب على عشق المسرح منذ أن لامست خيوط الشمس عينيها ليكون رسالتها في وجه الخراب الذي عم العالم، وشوه معالم الحياة.. وأمام مايجري كان الفن سلاحها وصرختها في التعبير عن الآلام والأوجاع التي تعيشها الإنسانية، وقد اعتلت خشبة الحياة وليس خشبة المسرح فقط بكل ما تحمل روحها من عبق الحب والتفاؤل، وهي التي جهدت زمناً أن يبقى للمسرح قيمته وتقريب المسافة بينه وبين الجمهور، مؤكدةً أن المسرح هو لكل الناس من كافة الأجيال، لأنه باب الإبداع لكل الوطن وكل من يعرف سيرة سميحة أيوب وشاهدها على الخشبة أو حتّى سمعها تتكلّم في الفضاء العام، يعرف كم هي قريبة من شغفها بالمسرح، فاستحقت لقب سيدة المسرح العربي بجدارة.
تعتبر أيوب مسرحية “زقاق المدق” التي حاول نجيب محفوظ فيها الخروج بالمرأة من المألوف إلى التحرر والانفتاح هو أفضل أدوارها وأقربها إلى قلبها، فتقول: “قدمت من خلال هذا العمل الكثير من القيم والمبادئ التي كانت ولاتزال تؤمن بها حول المرأة وفهم المجتمع لدورها، وأثلج صدري أن تخيلي لواقع المرأة متطابق مع مفردات الشخصية ومتسق مع ما أؤمن به من مبادئ الحرية والخير والجمال التي تستحقها المرأة المصرية والعربية”.
في عام 2009 وبمناسبة افتتاح مهرجان المسرح العربي الأول في القاهرة ألقت سميحة ايوب كلمة قالت فيها: “كان حلماً ورسالة، رفعته أجيال على أكتافها، واحترق فيه من احترق، وتعذب فيه من تعذب، لكن السعادة سادت الساحة بأكملها، فمن يعش على جنبات المسرح.. يتنفس المسرح، ولكنه يجهل أو يتجاهل شيئاً واحداً، هو إسدال الستار، فحياة المسرحي رحلة ممتدة إلى الأبد، موغلة في الآتي..”.
وفي رسالتها التي ألقتها بمناسبة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام أكدت على أهمية المسرح في معالجة القضايا الإنسانية فقالت: إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قنسطنطين ستناسلافسكي “لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك، اترك الغبار والأوساخ في الخارج، تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية – كل الأشياء التي تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيداً عن فنك – عند الباب.” عندما نعتلي خشبة المسرح فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها في هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشي بعطرها مع الآخرين.
وتضيف: إن ما نقوم به في عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريوجرافيا وحتى كتنقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل أن نعتلي خشبة المسرح، وهذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء، وربما لا أغالي عندما أقول إن ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة فيضيء ظلمة الليل ويدفئ برودته، فنحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف. نحن من يعتنق مذهب الحياة لتدب في هذا العالم الحياة، ونبذل من أجل ذلك من جهدنا ووقتنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا وأعصابنا كل ما يتوجب علينا بذله من أجل تحقيق هذه الرسالة السامية مدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال ومؤمنين بحق أن الحياة تستحق أن تعاش.
وخاطبت عشاق المسرح قائلة: أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعاً “المسرح” في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفاً واحداً كلنا جميعاً، يداً بيد وكتفاً بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشي فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح لعل إنسانيتنا التي أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقيناً قاطعاً يجعلنا جميعاً مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعاً أشقاء في الإنسانية.
إنها رسالتنا نحن المسرحيون حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا نمتلك القدرة على بث الحياة.. فلنبثها معناً من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة.