مجلة البعث الأسبوعية

دير الزور بعد ثلاث سنوات على تحريرها.. نصف الكأس ممتلئة.. ولكن!!

“البعث الأسبوعية” ــ وائل حميدي

تُظهر آخر الأرقام الصادرة عن محافظة دير الزور، والخاصة بالواقع الخدمي للمحافظة، أن خطوات كثيرة تمّ تنفيذها بعد مرور ثلاثة أعوام على تحرير المحافظة من الإرهاب الذي تسبّب بإضعاف بناها التحتية، وشَل منشآتها الخدمية، ماحدا بالحكومة للانطلاق من الصفر على مستوى الكثير من الخدمات والبنى التحتية والصناعية والزراعية وما إلى ذلك.

وإذا كانت قيادة المحافظة ترى أن ما تم إنجازه خلال السنوات الثلاثة يُعدُّ جيداً قياساً على الإمكانات المتاحة، إلا أن عين المواطن لا تزال تترقب النصف الأخرى من الكأس، رغم أن النصف الممتلئة تُشكّل أرقاماً متصاعدة على صعيد التنفيذ الحكومي والمشروعاتي في المحافظة.

وما بين الأرقام التي تُعلِن عنها المحافظة على أنها إنجازات جيدة وآخذة بالتقدم، حتى أن بعضها وصل في نسبة تنفيذه إلى ١٠٠ بالمائة، وبين لسان حال المواطن الذي يؤكد وجود هذا التقدم وأن خدمات كثيرة قد لامسها، إلا أنه تقدم بطيء لايتناسب مع مضي ثلاثة سنوات على تحرير المحافظة وفتح طرقها كاملة باتجاه المركز، متمنياً إحراز الأفضل والأكثر، ومنتقداً بعض الإنجازات التي شابها بعض العيوب التي جعلت منها مشاريعاً غير مُكتملة بالوجه الأمثل.

 

حديث مطول

“البعث الأسبوعية”، وفي لقاء مطول مع محافظ دير الزور، عبد المجيد الكواكبي، أفردت هذا الحقائق على طاولته لتكون التفاصيل التي تحدّث عنها أكثر قرباً من الواقع، إذ أكد الكواكبي في حديثه عن المياه في المحافظة أن الخطة التي تم العمل عليها تندرج تحت مرحلتين، كلتاهما خاصة بإعادة تأهيل المحطات وشبكات المياه، منوِّهاً إلى أن العمل في قطاع المياه بدأ من الصفر نظراً لتعرض كامل المحطات إلى سرقة كامل محتوياتها، ما يعني صعوبة التقدم في هذا القطاع؛ ومع ذلك، فقد بلغت نسبة التنفيذ في المرحلة الأولى ١٠٠ بالمائة حين تم إدخال ٤٣ محطة مياه في الخدمة موّزعة على المدينة والأرياف الغربية الثلاث (الشرقي والغربي والشمالي الشرقي)، بينما وصل التنفيذ في المرحلة الثانية إلى أكثر من ٩٠ بالمائة بعدما تم إدخال ١٧ محطة من أصل ١٨ في الخدمة، وهذه المحطات موزعة في المدينة والريف الشرقي. ويؤكد الكواكبي هنا الانتهاء من إعادة تأهيل الكثير من المشاريع كمنظومات تحليل المياه وصيانة بعض الخطوط في عدد من الأحياء المتضررة والاستمرار بتنفيذ خطوط مياه على مستوى المدن والأرياف.

أما على مستوى القطاع الكهربائي، فلابد من التذكير أن مدينة دير الزور عاشت في ظلام دامس مدة ثلاثة أعوام إلى أن تم تحريرها من إرهاب “داعش”، ما مكّن الورشات المختصة من الوصول إلى المحطات الكهربائية، والبدء بإعادة تأهيل مشروع ضخم نالت منه يدُ الإرهاب مانالت، حتى بدا أن إعادة تغذية المدينة والمحافظة بالتيار الكهربائي صعبة جداً. مع ذلك، فقد عاد التيار الكهربائي في فترة قياسية إلى المدينة ليبدأ بعدها العمل باتجاه الأرياف المتضررة لتبلغ حالياً نسبة التغذية مائة بالمائة في الأحياء المأهولة عبر خط التوتر ٤٠٠ ك. ف، ولتتم إعادة تأهيل أربع محطات كهربائية رئيسية لها ٢٤ مخرجاً توزعت خدماتها في مدينة دير الزور وصولاً إلى مدينة الميادين، كما تم الانتهاء من تجهيز خط التوتر ٢٠ ك. ف باتجاه الخط الغربي وما بعد النهر، إضافة إلى تأهيل المجموعة الغازية الأولى في محطة تحويل التيم باستطاعة ٣٠ ميغا ما يعني إدخال خطوط جديدة في الخدمة، لتكون النتيجة تغذية غالبية المدينة والأرياف بالتيار الكهربائي انطلاقاً من الصفر.

على مستوى واقع الاتصالات، تراجعت خدمات هذا القطاع إلى ما يقترب من الصفر خلال سنوات الحصار الثلاث، حين خرجت المراكز عن الخدمة، إلا في مسألة الاتصال الأرضي ضمن الأحياء المحاصرة، حيث بدأ القطاع إعادة تفعيل أحد عشر مركزاً من أصل ٥٤ مركزاً موزعاً بين المدينة والريف، وتم إعادة خدمة الانترنت بعد إصلاح الكابل الضوئي على محور حمص دير الزور لتكون نتيجة عمل السنوات الثلاث الأخيرة عودة هذا القطاع إلى العمل وصولاً إلى بعض الأحياء المتضررة التي تم العمل على إعادة الحياة إليها وعودة أهاليها إليها، وبعيداً عن التفاصيل فإن قطاع الاتصالات يعد الأفضل من حيث عودته، إذ وصل إلى قرى بقرص ومحگان والبوليل وحطلة والميادين وغيرها الكثير، وكان آخر ما تم إنجازه تفعيل مقسم معبر البوكمال الحدودي بعد تأهيل الكابل الضوئي على محور دير الزور والحدود السورية العراقية.

أما على مستوى القطاع الزراعي، فقد بلغ عدد الوحدات الإرشادية الداخلة في الخدمة خمس وثلاثون وحدة من أصل ثمانٍ وأربعين، ليشهد القطاع انتعاشاً جديداً على مستوى الغراس المثمرة والحمضيات والزيتون وعودة تسويق الأقطان المحبوبة المحولة من محلج دير الزور إلى المحافظات الوسطى.

وعلى ذات القطاع، عادت عملية تسويق القمح في مركزي الفرات والميادين ليكون للمناطق غير الآمنة نصيبها من التسويق باتجاه العاصمة، ولينعكس الأمر إيجاباً على واقع المخابز الآلية والاحتياطية والأفران الخاصة، إضافة إلى عودة مطحنة الفرات إلى العمل وبطاقة إنتاجية بلغت خمسين طن من القمح يومياً.

وشهد القطاع الصحي عملاً حكومياً مكثّفاً للنهوض به إلى المستوى المأمول، سيما وأن مشافٍ كثيرة خرجت عن الخدمة بعدما أصبحت تحت سيطرة الإرهاب، وقد فرضت عودتها إلى كنف الوطن تكثيف الجهد من أجل عودة الحياة إليها، فكانت نتيجة عمل السنوات الثلاث الأخيرة عودة ٤٠ مركزاً صحياً إلى الخدمة من أصل ٧٩ مركزاً، مع لحظ وجود ثلاثين مركزاً في المناطق الخارجة عن السيطرة، بينما بلغ عدد المراكز المتخصصة العائدة إلى الخدمة ثلاثة مراكز، فيما تم افتتاح العديد من الأقسام الطبية في المشافي نتيجة تأهيلها بعد عودة أكثر من ثلاثة آلاف من عمال القطاع الصحي إلى المحافظة.

وإذا كانت القطاعات الخدمية قد عادت إلى العمل فإن عمل مجلس المدينة بات مضاعفاً جداً على أرض الواقع الذي شهد أحياءً مدمرة كلياً أو جزئياً، فكانت أولى وأهم مهامه إزالة النفايات والأنقاض والمواد الصلبة من شوارع المدينة، وفتح الشوارع من جديد في الأحياء المحررة وإعادة الخدمات إليها، والعمل على شبكات الصرف الصحي، وإعادة تأهيل الجزر الوسطية، والعمل ما أمكن على تزفيت أو تأهيل الشوارع بدءاً من الأحياء المأهولة وصولاً إلى المتضررة، بما في ذلك العمل ما أمكن لإعادة تأهيل الأرصفة وفق التجمعات السكنية الجديدة التي امتدت باتجاه الأحياء الداخلية الأكثر تضرراً.

الكواكبي، وفي حديثه عن قطاع التربية، أشار إلى أن عدد المدارس المفتتحة بلغ ٣٢٢ مدرسة من أصل ١٤٧٠، لتستقبل هذه المدارس ما مجموعه أكثر من ١٢٨ ألف طالب من أصل ٣٠٠ ألف طالب، وهي الطاقة الاستيعابية لكامل المدارس المفتتحة وغيرها.

 

شكوك..!

وتبقى الأرقام الديمغرافية التي ذكرها الكواكبي، والخاصة بأعداد المواطنين المقيمين في المحافظة والمرتبطة بفاعلية مديرية الشؤون المدنية، وإعادة تفعيل العمل فيها على مستوى المدينة والريف، محط شك، إذ بلغ عدد المواطنين المقيمين في المحافظة – بحسب الأرقام الصادرة – 1.2 مليون نسمة، وهو الرقم الذي توقفنا كثيراً عند صحته إذا ماعلمنا أن آخر إحصائية تمَّت في عام ٢٠١٠ كانت تشير إلى أن تعداد سكان المحافظة حينها 1.3 مليون.

أخيراً، فإن عين المواطن ما زالت على النصف الفارغة من الكأس رغم ما يبديه من ارتياح حول ما تم تقديمه بعد ثلاث سنوات من تحرير المحافظة وعودة الحياة بمختلف مناحيها.

 

مُقصرة

فهو يتّهم البلدية بالتقصير الشديد بأداء مهامها، ويرى أن وتيرة العمل فيها لم ترتقِ إلى المستوى المأمول، على الأقل على مستوى النظافة وعمليات ترحيل الأنقاض في الأحياء التي دبَّت فيها الحياة من جديد، بعد تحريرها من الإرهاب، وهي الأحياء التي شملتها الخطط الحكومية لتزويدها بالخدمات الرئيسة بدءاً من البنى التحتية وانتهاء بالكهرباء والماء والاتصالات وغيرها.

 

مزيد من الاهتمام

وإذا كانت الجهود الحكومية أثمرت عن افتتاح بعض الأحياء المتضررة فإن المواطن ما زال يطالب بتسريع وتيرة العمل فيها، ويرى أن الخدمات، وإن عاد بعضها، فإن هذه العودة تكاد تكون جزئية على مستوى الكهرباء التي وصلت لبعض الأحياء، أو جزء من أحياء أخرى دون جزئها الثاني. ويؤكد المواطن حاجة تلك الأحياء إلى المزيد من الاهتمام من ناحية وصول آليات النقل الداخلي إلى عمق تلك الأحياء، وإعادة تأهيل بعض الأفران التي من شأنها تخفيف العبء على المواطن، وهو يبحث عن مادة الخبز في أحياء طالتها يد مجلس المدينة بترحيل الأنقاض عن شوارعها تاركة على المواطن المُتعب مهمة ترحيل الأنقاض من منزله المتضرر.

بدا واضحاً من خلال تقييم عمل مجلس المدينة أن شكل التعاون بين وزارة الإدارة المحلية والمحافظة لم يرتقِ إلى المستوى المأمول ما انعكس سلباً على أرض الواقع، تلك الأرض التي هزتها الحرب بشدة، فكانت النتيجة أحياءً مدمرة بالكامل تقريباً، وهذا مايذكرنا بتصريح لمحافظ دير الزور السابق بأن نسبة الدمار في الأحياء المتضررة فاقت الـ ٩٠ بالمائة، وبالتالي فإن هذه النسبة – إن صحّت – تستوجب زيادة كبيرة في وتيرة العمل.

 

مطالب ملّحة

ومع ما وصل إليه حال المحافظة، ومع المقارنة ما بين حالها خلال خضوع غالبيتها لسيطرة الإرهاب ومابين اليوم، تبدو الحاجة ماسة إلى المزيد من المشافي، والأفران الخاصة والعامة، وتبدو الحاجة متزايدة للمدارس مع كل مرة يتم فتح حي جديد من الأحياء المتضررة، وتبقى الحقيقة الواضحة أن مبانٍ حكومية كثيرة لا تزال بحالة فنية جيدة ضمن الأحياء المتصررة، وهذه المباني من الممكن إعادة تأهيلها واستثمارها لتكون تابعة لوزارة الصحة أو وزارة التعليم العالي أو وزارة التربية، مع التأكيد هنا بأن إعادة تفعيل أي مبنى حكومي في الأحياء المتضررة تعني عودة الحياة في محيطه، وتعني مزيداً من عوامل جذب العودة للمواطن الذي أرهقته سنين الحرب، وهو صامد بوجهها، مُجَانباً لوطنه، ومُقاسماً لوجعه على أمل أن يكون القادم أفضل.