أهالي طرطوس يطلقون نداء استغاثة لتخليصهم من “السرطان الجاثم فوق صدورهم”
معاناة مستمرة لا يبدو أنها ستنتهي في القريب المنظور لسكان القرى المحيطة بشركة إسمنت طرطوس، فالإشكالية التي أثيرت مراراً وتكراراً حول التلوث الكبير الناجم عن غبار المعمل وعمله في تلك المنطقة التي وثقت بعشرات التقارير والإحصائيات والدعاوى بين السكان والشركة المستثمرة لم تؤت أكلها حتى الآن، فأمراض السرطان مستمرة وتنتشر بمعدل فوق المألوف بين سكان تلك القرى وحالات الوفاة المؤلمة تؤكد ذلك، ومشهد أشجار الزيتون، وأوراقها المكسوة بالغبار الكثيف، شاهداً صارخاً عن فشل كل ما قيل بخصوص معالجة هذا الملف والتخلص من آثاره الخطيرة على البشر والشجر، ورغم انتهاء العمر الافتراضي لمعمل الإسمنت إلا أن العمل فيه ما زال مستمرا، وزاد الأمر سوءا غياب فلاتر التصفية الخاصة بكتم غبار المداخن وانبعاث الغازات كغاز ثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد الكبريت والنيتروجين وغاز أحادي أوكسيد الكربون وغيرها.
إحباط وألم!
وفي ظل هذا الواقع، بات الناس محبطين من جدوى الاستمرار بالشكوى ودعوة الجهات المعنية في المحافظة والوزارة المختصة من أجل متابعة هذا الملف القديم الذي تجاوز الحديث فيه عشرون عاما دون أي نتيجة تنعكس بالإيجاب على الأهالي.
ومنذ أيام أطلق بعض الأهالي نداء إنسانياً على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي يناشدون فيه الجهات المعنية تخليصهم أو لوضع حدٍ لمعاناتهم وألمهم مما أسموه “بالسرطان الجاثم فوق صدورهم” وإنقاذهم من الوباء الذي فاق ضرره كل حدود وأصبح انبعاث الغبار منه بشكل غير طبيعي نتيجة هلاك المعدات وانتهاء عمرها.
مناطق موبوءة!
نوار الشعار مدير المركز الثقافي في قرية حصين البحر، وهي إحدى أكثر القرى المتضررة من غبار المعمل، أشار إلى أن قريته مع القرى المحيطة (الرويسة – عبة – دوير طه – السودا – زمرين – عورو.. وغيرها) باتت مناطق موبوءة بأمراض السرطان والأمراض التنفسية كالربو والأمراض الجلدية، موضحاً أن منظر الغبار الأسود على شرفات المنازل شاهد مستمر على هذه الكارثة البيئية التي حاول أهل القرى إثارتها مراراً وتكراراً لكن دون جدوى، حتى أن بعض سكان القرية أصبحوا يفكرون بشكل جدي بترك منازلهم ومغادرة القرية إلى أماكن أكثر ملائمة للعيش حسب قوله.
حلول ترقيعية!
وبيّن علاء الشعار رئيس مجلس بلدة حصين البحر أن البلدة مع البلديات المجاورة تتابع باستمرار وما زالت ملف المعمل، مشيراً إلى أنهم طرحوا مجموعة حلول للحد من موضوع التلوث، كتركيب فلاتر قماشية ورغم أن هذا الحل ترقيعي لا يحل المشكلة جذرياً، لكن على الأقل يخفف من الضرر ريثما تتحقق مطالب الأهالي بتوقيف العمل في المعمل في ظل انتهاء عمره الافتراضي، منذ أكثر من عشرين عاماً، لكن حتى الحل المؤقت – بحسب الشعار – يبدو أنه دون استجابة من الشركة في ظل استمرار العمل في المعمل رغم الضرر الكبير.
ضمن القيم المقبولة!!
هلال عمران مدير شركة الإسمنت في رده لـ “البعث”، أوضح أن موضوع تركيب الفلاتر القماشية مرتبط باستملاك البلوك الثالث في ظل انخفاض كفاءة الفلاتر القديمة، مؤكدا أنه يتم اجراء صيانات مستمرة تتعلق بتخفيض نسب التلوث الصادرة عن المداخن، ومؤكداً في الوقت نفسه أن التلوث الصادر ضمن القيم المقبولة!
وأوضح أن أسباب توقف الفلاتر الكهربائية يعود لنوعية المواد القادمة من المقالع من حيث النقاوة والرطوبة، ما يسبب خللا في الخلطة واستقرارها كيميائياً وحرارياً، وبالتالي فصل لحظي لمحولات التوتر العالي للفلتر وزيادة نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون CO2 الذي يؤدي بدوره إلى فصل محولات التوتر العالي للفلتر الكهربائي منعاً لحدوث انفجار داخل حجُر الفلتر، وبالتالي تصاعد غبار كثيف من المداخن. وبرأي عمران أنه حتى يتم استملاك البلوك رقم ٣ سيتم استبدال الفلاتر القماشية التي تعمل على الكهرباء بأخرى جديدة.
حلول مركزية
في ظل استمرارية الأخذ والرد في هذا الملف وغياب موضوع المعالجات التي تهدد بكارثة بيئية وإنسانية يرى كثير من المراقبين والمختصين بالشأن البيئي والصحي أن الحلول يجب أن تكون مركزية هذه المرة أي بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، أو بفرض عقوبات من المجلس الأعلى للبيئة، يلزم الشركة المصنعة باتخاذ حلول جذرية تنهي معاناة الأهالي وتحد من بؤرة التلوث الكبيرة تلك في محافظة طرطوس السياحية والزراعية، فالأهالي يطالبون بإنهاء العمل في المعمل وإيقافه بشكل نهائي، والشركة المشغلة مستمرة بالعمل وتتوسع فيه وترى أن أي إصلاحات جديدة تحد من التلوث مرتبطة بتوسيع العمل والاستمرار فيه.
محمد محمود