ثقافةصحيفة البعث

أين أنتم من دراما وسينما الكوارث..؟

سامر الشغري

ضبطتني متلبساً وأنا أشاهد خلال ساعات الدوام فيلم الكوارث “سان أندرياس” على شاشة كمبيوتر العمل، والذي يحكي عن زلزال مدمّر ضرب ولاية كاليفورنيا الأمريكية، فسألتني بلهجة مستغربة:

– ألا تكفيك مشاهد الدمار من حولنا حتى تتابع أفلام الآخرين عن الزلازل؟.

أجبتها متلعثماً كمن يبحث عن جواب: أريد أن أعرف كيف يصنعون هكذا أعمال، ثم أليس غريباً أننا لم ننتج حتى الآن لا فيلماً ولا مسلسلاً واحداً عن ظواهر الكوارث الطبيعية.

ردّت عليّ: إذا كان هذا الزلزال كشف تقصيرنا فيما هو أهم، وأننا لم نهيئ فرق الإنقاذ، فما بالك مع السينما والدراما؟!.

ألزمني جوابها بالسكوت والاكتفاء بمشاهدة الفيلم حتى نهايته، ولكنه أيضاً دفعني لأبدأ عملية بحث وتقصٍ عن مواكبة السينما والدراما في العالم للكوارث الطبيعية، والتي أنتجت لها عشرات الأعمال عن وقائع حقيقية أحياناً وقصص متخيلة أحياناً أخرى.

لقد أصبح تقديم الحرائق وثورات البراكين والزلازل بأسلوب مبالغ به أحياناً اتجاهاً عالمياً حاضراً بقوة عبر الشاشتين الفضية والذهبية، وصار هنالك ما يُسمّى سينما الكوارث وفقاً للناقد المصري إيهاب التركي، ولكن هذه السينما لم تحظَ بإعجاب بعض النقاد، مثل الكويتي عبد الستار ناجي الذي رأى أن هدفها ينحصر في إثارة الهلع عند الجمهور، وتحقيق الربح للمنتجين، لذلك تصبح برأيه بلا أثر أو مضمون.

ولكن هل من الإنصاف أن نساير هذا الرأي، وأن نقول بأن أعمال الكوارث بلا تأثير، إن ذلك يناقض طبيعة فنون السينما والدراما وقدرتها على خلق الوعي بجوانب الحياة، وقدرتها على الترويج لأفكار وللسلوكيات.

تستطيع سينما ودراما الكوارث أن تخلق عند المشاهد وعياً أولياً بالتصرف حيال وقوعها، حين يرى على سبيل المثال كيف يختبئ الممثل تحت الطاولة عند وقوع الزلزال، أو يلفّ نفسه برداء مبلل بالماء خلال نشوب الحريق.

هذه الأعمال لم تُصنع للإثارة فحسب، بل وظفت العلم في الحبكة الدرامية، إن فيلماً مثل سان أندرياس الذي تولى إخراجه الكندي براد برايتون المتخصّص في أفلام الخيال العلمي والكوارث وكلف زهاء 110 ملايين دولار، يبدأ بمشهد للدكتور لورانس ويلعب دوره بول جياماتي وهو يستعرض لطلابه تاريخ الزلازل المدمرة التي ضربت بقاعاً في العالم، وعن احتمال أكيد بوقوع زلزال في ولاية كاليفورنيا جراء فالق سان أندرياس.

وجاء على منواله الفيلم النرويجي الهزة إنتاج سنة 2018، إذ ينطلق من حقيقة علمية أن العاصمة النرويجية أوسلو تقع فوق فالق خطير يتسبب بزلزال يقع كل قرن من الزمن آخرها كان سنة 1904، وهنا نجد الخبير الجيولوجي “كريستيان إيكجورد” ويؤدي دوره الممثل كريستوفر جونر يتوقع هذه الكارثة ويحاول التحذير منها ولكن دون جدوى.

وتقدم أعمال الكوارث في بعض الأحيان أحداثاً واقعية حصلت كالفيلم الإسباني المستحيل إنتاج 2012، الذي تناول كارثة تسونامي وأعمالاً أخرى قدمت قصصاً افتراضية، كفيلم قمة دانتي إنتاج سنة 1997 عن بركان خامد منذ الأزل يعاود الانفجار.

ومع ازدياد حضور الدراما وسحبها البساط من تحت أقدام السينما، ولاسيما بعد أن استخدمت تقنياتها واستفادت من التطور التكنولوجي الهائل، ظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من الأعمال التي حاكت كوارث مدمرة شاهدها جمهور التلفزيون حول العالم، كالمسلسل الإيطالي بومبي إنتاج 2007 الذي تناول الأيام الأخيرة التي سبقت انفجار البركان الذي دمر مدينة بومبي قبل ألفي عام، والمسلسل الأمريكي خمسة أيام في ميموريال وتناول إعصار كاترينا المدمر الذي وقع سنة 2005.

أما في منطقتنا فإن الزلزال الذي ضرب القاهرة سنة 1992، جعل صنّاع الدراما في مصر يتجهون لتناول هذه الكارثة كخلفية للأحداث أو كحدث أساسي، بداية مع المسلسل الشهير أرابيسك بطولة صلاح السعدني والتوءم لليلى علوي والدالي لنور الشريف، وصولاً للسنوات الأخيرة عندما قدم محمد رمضان مسلسلاً حمل عنوان زلزال، تبدأ حلقاته من يوم وقوع الكارثة.

أليس من الغريب أن هذا التيار العالمي والعربي المنساق مع الكوارث، لم يصل صداه إلينا فلم يتعرض لها عمل في السينما أو الدراما، إلا إذا صنفنا مسلسل بعد السقوط إنتاج 2010 للمخرج سامر برقاوي ضمن دراما الكوارث، لأنه يروي عن انهيار بناء مؤلف من 6 طوابق فوق رؤوس قاطنيه ومحاولات إنقاذهم.

ورغم أن المخرجين الراحل حاتم علي وسيف سبيعي قدما أعمالاً استوحت قصتها من مذكرات البديري الحلاق التي تحدث فيها عن جملة أحداث منها زلزال دمشق سنة 1759، فإن هذه الأعمال خلت من الإشارة لتلك الكارثة وذهبت باتجاه الصراعات السياسية وقصص الحب.

إن دراما وسينما الكوارث ليست ترفاً، بل إن لها دوراً في توعية الناس للتعامل معها بما قد يفوق المحاضرات والندوات، زد على أن هذا النمط يحظى بجماهيرية عالية ويدرّ الأرباح، فهل ستقتنع صديقتي بكلامي، وهل سيقتنع به لاحقاً صنّاع الدراما ومنتجو السينما؟!.