“زقاق الجن”.. بين السطوة والعالم المسكون واختطاف الأطفال
ملده شويكاني
“يا عاشق الهوى إلا الهوى ما يتعبك
يا عاشق الفرح إلا الفرح ما يزعلك
يا عاشق الدنيا إلا الدنيا ما تودعك”
كلمات شارة مسلسل “زقاق الجنّ” الذي لفت أنظار المشاهدين منذ اللحظات الأولى التي عجّت بالغموض والإيحاءات المعبّرة عن الصراع والانتقام، وبمشهدية الدم المتقاطر من أصابع اليد التي لطخت الجدار، لتمضي مع الموسيقا التصويرية التي ألّفها رضوان نصري على وقع تأثير خلفية البساتين المسكونة، والبومة المشؤومة، إلى الفزاعات والمقصات والسهام الصغيرة، كلها عناصر تجتمع عند الطربوش واللفة والعباءة.
شائعات واقعية
ومن اسم العمل الذي ارتبط بحيّ “زقاق الجن”، الواقع خارج السور، تدور أحداث المسلسل الذي انطلق من فكرة البساتين الخطرة المسكونة بعالم الجن، والذي “يدخل إليها يكون مفقوداً، والخارج منها يكون مولوداً” كما تكرر في الحوار بين الشخصيات، هذه الفكرة التي ركز عليها كاتب السيناريو محمد العاص ونفذها المخرج تامر إسحاق الذي نجح بأعمال البيئة الشامية بإثارة الخوف في بعض المشاهد في البساتين والإيحاء بأصوات خفية، ليست على سبيل المبالغة كما وردت في بعض الأعمال المصرية والخليجية التي تناولت فكرة هذا العالم المخيف بأسلوب مرعب وشائق، إذ انتشرت شائعات في زمن المسلسل العائد إلى عام 1900 والفترة اللاحقة عن هذه البساتين المسكونة القريبة من منازل الحارة في الحيّ، حتى سُمّي بزقاق الجن ومازال موجوداً حتى الآن وأخذ الطابع المهني.
أيمن زيدان والسطوة
شغل “زقاق الجن” حيزاً على الخارطة الرمضانية وتصدّر المحطات العربية والمحلية، ببطولة النجم أيمن زيدان الذي أبدع بأعمال البيئة الشامية وآخرها كان “الكندوش” الذي لاقى متابعة كبيرة على مدى عامين.
وتبدو شخصية زيدان مختلفة عن بقية الأدوار السابقة لوجيه الحارة أو زعيمها، إذ يمثل دور الجد المتسلط الظالم على أهل بيته وأولاده، والمتشبث برأيه، المقتدر مادياً صاحب ورشة الموزاييك المزدان بالعاج والصدف، والتي ركز عليها المخرج ببعض المشاهد كونها إحدى المهن التراثية الدمشقية الأصيلة.
البعد العاطفي
وتتعدّد وجوه شخصية الجد “أبو نذير”، فمن الناحية العاطفية يكنّ مشاعر حبّ وإعجاب لطليقته شيماء خانم ذات الشخصية القوية التي تفرض حضورها ورأيها والمتمردة على بعض العادات السلبية، تؤدي دورها النجمة أمل عرفة البارعة بأعمال البيئة، فأطلت من خلالها على جمهورها الكبير بعد غياب. ومن جانب آخر يظهر الوجه الخفي للشخصية بضعفه إزاء إغواء الخادمة “ثريا” التي تجسد دورها النجمة الرائعة صفاء سلطان.
الراحل شادي زيدان
المحزن بالعمل مشاركة الراحل شادي زيدان بدور “نذير”، والذي أدى الشخصية بإحساس لافت بيّن حرصه على رضا والده وفي الوقت ذاته رفضه أسلوبه بالتعامل القاسي، وقد أهدي المسلسل إلى روحه. إلى جانب شكران مرتجى زوجة “نذير” التي تحاول أن تقف في وجه ظلم عمها والد زوجها.
اختطاف الأطفال
ولا تقتصر أهمية المسلسل على مشاركة نجوم الدراما السورية ولا على مشاركة مجموعة من الشباب الذين فرضوا حضورهم بالمشهد الدرامي، ولا على تفاصيل الديكور بتصميم الشهير حسان أبو عياش، ولا على ملامح التراث المادي للطراز المعماري للبيوت الدمشقية الثرية ولملامح التراث اللامادي، وطبيعة الحياة الأسرية داخل المنزل فقط، وإنما لتناوله مسألة اختطاف الأطفال والبداية بقتل نادر بعد إحداث الحريق بالكوخ داخل البساتين الخطرة وإصابة “شيماء” بالحريق وهي تحاول إنقاذ ابن أخيها “نادر”.
مسألة اختطاف الأطفال كانت بالفنية المباشرة مفتاحاً لسلسلة من الجرائم التي ستحدث بدافع الانتقام، والتي من المتوقع أن يقوم بها “ناجي- سعد مينه” الملقب برجل العين البيضا، وبالتورية بفنية غير مباشرة تومئ بإسقاط واقعي على ما تعرّضت له بعض المناطق في سورية أثناء سنوات الحرب.
منافس قوي
وما زال العمل في حلقاته الأولى وبالتأكيد سيشهد الكثير من تصاعد الأحداث وتشعبها ضمن دائرة الصراع والانتقام والحب، ما يجعله المنافس القوي لأعمال البيئة الشامية وخاصة مسلسل “العربجي” الذي تميّز أيضاً ببداية قوية، إلى جانب “حارة القبة” الذي دخل بمطب الأجزاء والتشعبات، وكذلك “باب الحارة”، ترى ما هي المفاجآت التي يحملها زقاق الجن؟؟… ننتظر.