من المسؤول عن الغلاء الفاحش؟
علي عبود
مهما برّرت الجهات الحكومية ارتفاع الأسعار في رمضان 2023، مقارنة برمضان 2022، وبنسب لا تقلّ عن 100%، فإن الحقيقة الساطعة تؤكد أن التجار ليسوا وحدهم من يرفع الأسعار، سواء في شهر الصيام أم في الأشهر الأخيرة، فدائماً تسبقهم المؤسّسات العامة برفع أسعار سلعها وخدماتها بقرار من اللجنة الاقتصادية.
وعندما ترفع وزارة النفط أسعار المازوت الصناعي فمن الطبيعي أن تقوم كلّ المنشآت العامة والخاصة برفع أسعارها، كذلك تفعلها وسائط نقل البضائع والمواد من المصدر إلى الأسواق. وعندما لا توفّر وزارة الكهرباء الطاقة للمعامل والمنشآت الإنتاجية والخدمية إلا بخطوط ذهبية، فمن الطبيعي أن يرفع أصحابها الأسعار بما يناسب تكلفتها الإضافية. وعندما لا تؤمّن وزارة الزراعة الأسمدة والأعلاف وغيرها من المستلزمات للمنتجين بأسعار مدعومة، فمن الطبيعي أن ترتفع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والبقوليات والخضار، حتى في ذروة موسمها، في كل مرة ترفع فيها اللجنة الاقتصادية أسعار المستلزمات الأساسية لإنتاج سلع القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.
وعندما لا تقوم وزارة التجارة الداخلية باستجرار السلع والمنتجات الزراعية مباشرة من المنتجين في مواسمها لتخزينها، ومن ثم بيعها بأسعار تناسب تكلفتها، فمن الطبيعي أن نشهد هبّات سعرية غير مسبوقة لبعض السلع الأساسية كالبصل. ولا يمكن إغفال دور وزارة الإدارة المحلية عبر مجالس المحافظات في رفع الأسعار، فعندما لا تقوم بدورها بإقامة أسواق بيع تختصر حلقات الوساطة بين المنتج والمستهلك فمن الطبيعي أن يتحكّم تجار الجملة بالأسواق والأسعار، كما أن وزارة المالية بفرضها الضرائب والرسوم المرتفعة على التجار والمنتجين، فكأنها تُلزمهم برفع أسعار منتجاتهم المصنّعة محلياً أو المستوردة.
نعم، ليس التّجار، ولا وزارة التجارة الداخلية فقط من يرفع الأسعار، ويساهم بخفض القوة الشرائية لملايين العاملين بأجر، فما من وزارة، وفي المقدمة وزارة النفط، إلا وتتحمّل مسؤولية عجز الأسرة في رمضان 2023 عن تأمين وجبة فطور بدسم كامل، وعن وجبة سحور بأطباق متعدّدة كما كان حالها في كلّ أشهر رمضان السابقة.
لقد سبق لوزارة التجارة الداخلية تبرير ارتفاع الأسعار في سورية بنسب مرتفعة جداً إلى حدّ تتجاوز فيه الأسعار في دول الجوار وتحديداً في الأردن ولبنان، لكنها لم تتخذ أي خطوة لمعالجة هذا الواقع الشاذ، وها هو عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم يؤكد أن أسعار معظم المواد ارتفعت خلال شهر رمضان الحالي بنسبة تجاوزت 100% مقارنة بأسعارها خلال شهر رمضان من العام الماضي.
وكما قال أكريم فإن معظم المواد متوفرة خلال شهر رمضان الحالي، لكن المشكلة أن الأسعار لا تناسب دخل المواطن، فهناك فجوة كبيرة بينها وبين دخله، وفعلاً من مصلحة التجار والمنتجين أن تكون القدرة الشرائية للعاملين بأجر قوية وإلا لمن ينتجون ويستوردون؟ وكان لافتاً حديث أكريم عن ارتفاع غير منطقيّ بسعر مادة الزيت النباتي في السوق، حيث تجاوز سعر الليتر الواحد 18 ألف ليرة، في حين يباع في لبنان بسعر 10 آلاف ليرة، أي بفارق 100% تقريباً، وهنا نسأل وزارة الاقتصاد: لماذا لا يتمّ التعاقد مع تجار لبنانيين لتوريد الزيت النباتي إلى سورية طالما هم متمرسون بالاستيراد بأسعار منافسة لنظرائهم السوريين؟!!
ويبدو أن وزارة الاقتصاد ليست بوارد تأمين السلع الأساسية بأسعار منافسة للسوريين حتى في شهر رمضان، فسبب سعر مادة الزيت المرتفع جداً يعود لحصر استيرادها بعدد محدود من التّجار المحظوظين أو المدعومين، لذا من الطبيعي أن يحتكروا انسيابها في الأسواق وبيعها بأسعار مضاعفة لمثيلاتها في لبنان، وبالتالي حجبها عن الأسر السورية في رمضان مثل السلع الأخرى!
ومع أن الحلّ بالسماح لتجار منافسين بالاستيراد، فإن الاتجاه لتكريس الاحتكار وليس المنافسة التي وحدها تؤدي إلى خفض الأسعار.
الخلاصة: تتحمّل الجهات الحكومية، وليس التّجار فقط، مسؤولية الغلاء الفاحش لجميع السلع والمواد الأساسية التي طارت من موائد ملايين السوريين في شهر رمضان، فمن يرفع أسعار حوامل الطاقة، ومستلزمات الإنتاج الزراعي، ويُخفّض سعر الصرف المرة تلو المرة، بالتأكيد سيؤدي ذلك إلى تراجع القدرة الشرائية للعاملين بأجر إلى ما دون حدود الكفاف اليومي، لكن هذا الأمر لا يهمّه على الإطلاق!!