أخبارصحيفة البعث

استراتيجية روسية جديدة تضع الولايات المتحدة نصب أعينها

تقرير إخباري:

انطلاقاً من ضرورة تكييف النشاط الدبلوماسي الروسي مع مستجدات الساحة الدولية، ارتأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة تعديل وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية بما فيها وضع إستراتيجية جديدة للسياسة الخارجية، وهذا ما تم في اجتماعٍ ترأسه مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي، وفي ظل الضلوع الأمريكي الكبير في العمل على تهديد الأمن القومي الروسي قبل بداية العملية العسكرية الروسية الخاصّة في أوكرانيا وفي ظلّها، فقد جاءت الاستراتيجية الجديدة لتبيّن كيفية التعامل مع هذه الممارسات والقائمين عليها وفق نهجٍ جديدٍ يناسب التهديدات ونوعها، حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً واقتصادياً إلى العديد من الممارسات التي من شأنها النيل من أمن واستقرار روسيا تطبيقاً لما نصّت عليه وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي حدّدت كلاً من روسيا والصين بوصفهما خطرين استراتيجيين على أمنها، إذ جاء في الوثيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها في “الناتو” ستعمل على تعريض روسيا “لفشل استراتيجي” في أوكرانيا، معتبرة أن روسيا “خطر” على النظام الدولي، ومتّهمة إياها بالسعي لرسم معالم حدود وطنية جديدة، كما حدّدت الوثيقة الأمريكية منهجية مواجهة روسيا عبر دعم أوكرانيا عسكرياً والدفاع عن أراضي الحلف الأطلسي، والأخذ في الحسبان العمل على إضعاف الجيش الروسي التقليدي وحرمانه من الاستفادة من أسلحته النووية.

في حين نصّت الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية في إشارة إلى التحدّيات التي واجهتها إلى توفّر إمكانية إدخال إجراءات ردّ متماثلة أو غير متماثلة، معتبرين في وصفهم للولايات المتحدة الأمريكية أنّها صاحبة المبادرة والخط الرئيسي العدواني المحرّك والمناهض لروسيا في العالم؛ الأمر الذي يُفهم منه تحرّك روسيا للردّ على أي خطوة أمريكية من شأنّها تهديد الأمن والاستقرار الروسي، ولعل الردود الروسية الناجمة عن طبيعة التهديدات المستجدة هي ما عناه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقولة: “إنّ الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية تعكس منطقياً التطوّرات الثورية في الشؤون الدولية”، وبخصوص هذه التطوّرات الثورية لعلها هي ما جعلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحدّد الولايات المتحدة الأمريكية بكونها المصدر الأساسي للسياسات المعادية لروسيا على غرار تحديد وثيقة الأمن القومي الأمريكي لروسيا والصين بكونها تهديداً ووصولاً إلى نص الاستراتيجية الروسية على استخدام الجيش لصدّ أي هجوم ضدّها وضد حلفائها، والقول بمبدأ المعاملة بالمثل في سياق علاقاتها الدولية، في إشارة إلى أنّ تطوّرات المواقف السياسية والعسكرية التي تعدّ روسيا طرفاً أساسياً فيها، رهن بما يقدم عليه الطرف الآخر من استفزازات هي جملة الممارسات الصادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية و”الناتو”.

إن الخطر الذي حملته هذه الاستراتيجية هو النص صراحة على السعي لتشكيل نظام عالمي بشكلٍ جديد يوفر الأمن والاستقرار، وتأكيد السعي للقضاء على أساسيات الهيمنة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الأمر الذي سيكون حسب الاستراتيجية الجديدة أولوية قصوى بالنسبة لروسيا.

وبالمجمل فإنّ هذه الاستراتيجية، بما نصّت عليه من أسسٍ ومرتكزات متناسبة طرداً مع مكانة روسيا من حيث ميزاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، فروسيا تمتلك تاريخاً عريقاً وتمثّل قوة أوراسية وأوروبية باسيفية، وموارد كبيرة، وتتمتّع بعضوية دائمة في مجلس الأمن، وقوة نووية كبرى ساهمت في الانتصار في الحرب العالمية الثانية، ولقد كان لروسيا منذ بداية العملية الخاصّة في أوكرانيا، التي حوّلها الناتو بقيادة أمريكا إلى حرب علنية وخفية ضدّه، دور مهم في ظهور العورة الاقتصادية لدول أوروبا التي بدا عجزها واضحاً أمام روسيا، علاوة على ما تبع ذلك من مساندة صينية غير مباشرة لروسيا في حربها عبر استيراد النفط والغاز منها كتعويض عن خسائرها مع الطرف الأوروبي، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني تشي جين بينغ إلى روسيا التي قال فيها: “نعمل مع روسيا لتشكيل عالم متعدّد الأقطاب”، وبالتالي فإن روسيا تشكّل إلى جانب الصين محوراً للمناهضين والمتضررين من السياسات الأمريكية، لذا أغلب الظن أن الفترة القادمة بعد وضع الكثير من النقاط على الحروف ستكون حاسمة وتحمل في طياتها العديد من المفاجآت على صعيد الرد الروسي على أيّ استفزاز أو انتهاك لأمنه وسيادته.

د. ساعود جمال ساعود